لا تكرروا خطايا العراق وأفغانستان

mainThumb

06-01-2025 12:28 PM

في ظل المآسي التي عاشتها شعوب المنطقة خلال العقود الماضية، لا تزال تجربة العراق وأفغانستان ماثلة في الأذهان كنماذج صارخة للأخطاء الفادحة في إدارة الأزمات والتدخلات الدولية. أخطاء دفعت أثمانها الشعوب البريئة، وكرّست مشاهد الفوضى والعنف والانهيار. واليوم، تتكرر ذات المشاهد في سوريا، التي تُركت تواجه مصيرها وحيدة، تُصارع الحصار والعقوبات وويلات الحرب، بينما يقف العالم عاجزًا أو متخاذلًا.

سوريا اليوم ليست مجرد قضية سورية أو حتى إقليمية، بل هي قضية كل العرب.

معركة إعادة إعمار سوريا ليست معركة تخص شعبها فحسب، بل هي معركة كل عربي يؤمن بمبدأ المصير المشترك. إن ترك سوريا فريسة للفوضى والدمار يعني تسليمها لقوى التطرف والهيمنة الأجنبية، ما يُهدد أمن المنطقة واستقرارها لعقود قادمة.

لقد آن الأوان ليتعلم العالم من دروس العراق وأفغانستان، حيث لم تؤدِ التدخلات إلا إلى تدمير مؤسسات الدولة وخلق فراغ أمني وسياسي أفسح المجال أمام الفوضى والتطرف. في العراق، عانى الشعب من غزو أنهك البلاد وأعادها قرونًا إلى الوراء. وفي أفغانستان، رأينا كيف ترك الانسحاب المفاجئ البلاد في مهب الريح، دون استقرار أو أفق. هذه التجارب يجب أن تكون تحذيرًا صارخًا للعالم أجمع، وخاصة للعرب، بألا يسمحوا بتكرار هذه المآسي في سوريا.

إن سوريا ليست وحدها مسؤولة عن مواجهة هذه الكارثة. الأمة العربية، بكل أطيافها وقياداتها وشعوبها، مطالبة بالوقوف إلى جانب سوريا في معركة إعادة البناء. لا يمكن للعرب أن يتخلوا عن سوريا أو يتركوها فريسة للحصار والعقوبات التي أفقرت شعبها وأعاقت جهود إعادة الإعمار. إن رفع العقوبات وإدخال المساعدات الإنسانية ودعم جهود إعادة الإعمار ليست مجرد خيارات، بل هي مسؤوليات أخلاقية وتاريخية.

في هذا السياق، يجب على المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، أن يدرك أن استمرار العقوبات والحصار على سوريا لا يخدم أحدًا سوى أعداء الاستقرار. يجب فتح الأبواب أمام المساعدات الإنسانية العاجلة، والسماح للشركات الأجنبية بالمشاركة في إعادة الإعمار، وتهيئة المناخ للاستثمارات التي تعيد الحياة للاقتصاد السوري. وفي المقابل، يجب أن تقدم الحكومة السورية القادمة ضمانات حقيقية للمشاركة السياسية الشاملة التي تتضمن تمثيل الأقليات والنساء، بما يحقق العدالة والمساواة لجميع السوريين.

سوريا ليست فقط بوابة العرب التاريخية إلى الشرق، لكنها أيضًا صمام أمان المنطقة بأسرها. إن انهيار سوريا يعني كارثة جيوسياسية تمتد آثارها لتشمل العالم بأسره. إن إعمار سوريا ليس مجرد تحدٍّ اقتصادي أو سياسي، بل هو معركة وجودية للأمة العربية بأسرها. معركة لإثبات أننا كعرب قادرون على تحمل مسؤولياتنا تجاه أشقائنا، وأننا لن نسمح بتكرار سيناريوهات العراق وأفغانستان المأساوية.

اليوم، يجب أن نقف جميعًا، دولًا وشعوبًا، بجانب سوريا. يجب أن نرفع الصوت عاليًا للمطالبة برفع العقوبات وإعادة الإعمار، لأن استقرار سوريا هو استقرار للمنطقة بأكملها. ولأن سوريا، بتاريخها وحضارتها ومكانتها، تستحق أن تُعاد لها الحياة، وأن تُنقذ من براثن الدمار والحصار.

إننا كعرب، إن لم نتحرك اليوم، سنجد أنفسنا غدًا نواجه تداعيات هذا التخاذل، ولن يغفر لنا التاريخ ترك سوريا تُصارع وحيدة. هذه ليست معركة السوريين وحدهم، بل هي معركة كل عربي يعتز بعروبته، وكل إنسان يؤمن بالعدل والسلام.

فلنتعلم من أخطائنا، ولنقف مع سوريا، لأن معركة إعمارها هي معركة أمة بأكملها.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد