نشر الأحكام القضائية وحماية بيانات الأفراد

mainThumb

04-01-2025 10:07 PM

في عصر المعلومات والتكنولوجيا الرقمية، أصبح الحق في حماية المعلومات الشخصية أحد الحقوق الأساسية التي تحظى باعتراف واسع في المواثيق الدولية والدساتير الوطنية. يتصل هذا الحق بشكل وثيق بممارسة الشفافية في العمل القضائي ونشر قرارات الأحكام القضائية.
قانون حماية البيانات الشخصية الأردني رقم 24 لعام 2023 ، وقد تم اقراره ليواكب التغيرات التكنولوجية المستمرة واحتياجات حماية البيانات الشخصية في عصر الإنترنت والذكاء الاصطناعي. ومن المهم التطرق إلى تأثير هذا القانون في موضوع نشر القرارات القضائية وكيفية التوازن بين حماية البيانات الشخصية وحق المجتمع في الاطلاع على القرارات القضائية.
ونشر القرارات القضائية يعتبر أحد مبادئ الشفافية في النظام القضائي ويعزز المساءلة والمراجعة العامة ويمكن أن يُحسن من فهم تطبيق القوانين من قبل عناصر النظام القضائي ويزيد من ثقة المواطنين في عدالة ونزاهة القضاء.
يثور التحدي في تحقيق التوازن بين حماية البيانات الشخصية وحق الشفافية: من حيث أن نشر القرارات القضائية قد يتضمن بيانات شخصية للأفراد، مثل أسماء الأطراف المعنية، أو تفاصيل قد تكون حساسة (على سبيل المثال، في القضايا المتعلقة بالتحرش الجنسي، العنف الأسري، أو الحالات الطبية). لذلك، من الضروري التوفيق بين حق المجتمع في الاطلاع على الأحكام القضائية وحقوق الأفراد في الحفاظ على خصوصياتهم.
الحق في حماية المعلومات الشخصية :
حماية المعلومات الشخصية هي إحدى ركائز حقوق الإنسان. تنص المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه "لا يجوز تعريض أي شخص لتدخل تعسفي أو غير قانوني في خصوصيته أو شؤون أسرته أو مراسلاته"
ويشمل هذا الحق حماية البيانات الحساسة مثل الأسماء، العناوين، والسجلات الشخصية والحق في عدم الكشف عن الهوية خاصة في القضايا التي قد تؤدي إلى وصمة اجتماعية أو تعريض الأفراد للخطر والحق في الموافقة حيث يجب الحصول على موافقة الشخص قبل نشر معلوماته .
وتتجسد أهمية نشر قرارات الأحكام القضائية في ضرورة علانية الأحكام القضائية والتي تُعد من المبادئ الأساسية التي تدعم الشفافية وتعزز الثقة في القضاء. حيث تنص المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ضرورة إعلان الأحكام علنًا، إلا في ظروف استثنائية.
وتهدف علانية نشر الأحكام إلى ضمان الشفافية من خلال تمكين الجمهور من الاطلاع على سير العدالة وتعزيز الثقة بالقضاء تأكيد أن العدالة تتم بإنصاف ووفقًا للقانون وردع الانتهاكات عبر إبراز الأحكام التي تعاقب المخالفات القانونية .
ولتحقيق التوازن بين الخصوصية والشفافية، تطبق الأنظمة القضائية حول العالم تدابير لحماية حقوق الأفراد عند نشر الأحكام، منها :
مبدأ الحد من تحديد الهوية الشخصية :
بحيث تتم إزالة أو إخفاء أي معلومات تعرف الأفراد مباشرة أو غير مباشرة ( مثل الأسماء، أرقام الهوية، أو العناوين ).
وكذلك استخدام أسماء مستعارة أو رموز بدلاً من الأسماء الحقيقية، خاصة في القضايا الحساسة ( مثل القضايا العائلية ) .
مبدأ الشفافية المتوازنة :
فالأصل أن يتم نشر المعلومات الضرورية لفهم الحكم وتعزيز ثقة الجمهور في القضاء دون المساس بخصوصية الأطراف ضماناً لتحقيق التوازن بين الحق في الخصوصية وحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات .
مبدأ احترام القوانين الوطنية والدولية:
من خلال الالتزام بالقوانين المحلية المتعلقة بحماية البيانات والخصوصية ومراعاة المواثيق الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واللائحة العامة لحماية البيانات ( GDPR).
مبدأ تخصيص النشر بحسب الجمهور:
بحصر النسخ الكاملة من القرارات حصراً للمختصين ( مثل المحامين والقضاة ) مع حماية التفاصيل الحساسة .
وتتيح أحكام قانون حماية البيانات الشخصية الأردني التوجيه والإشراف القضائي عند نشر القرارات القضائية بحيث يتوجب وجود آلية إشرافية، كوجود مفوض حماية البيانات الشخصية أو هيئات قضائية مسؤولة عن مراجعة القرارات القضائية قبل نشرها لضمان التزامها بأحكام قانون حماية البيانات الشخصية.
ومن ضمن الادوات الهامة في الرقابة على نشر القرارات القضائية تفعيل دور مفوض حماية البيانات الشخصية من خلال وحدة التنظيمية المختصة بحماية البيانات الشخصية وهي الهيئة المسؤولة عن ضمان الالتزام بقانون حماية البيانات الشخصية. والمفوضة بمراقبة ومعالجة الشكاوى المتعلقة بنشر البيانات الشخصية في الأحكام القضائية. من خلال وضع إرشادات قانونية واضحة بشأن كيفية نشر الأحكام القضائية مع الحفاظ على الخصوصية و الحقوق المنصوص عليها في قانون حماية البيانات الشخصية .
التحديات في التوفيق بين الحقين :
إن التدخل في الخصوصية بنشر قرارات الأحكام دون معالجة دقيقة قد يؤدي إلى كشف معلومات حساسة أو تشويه السمعة أوإلحاق وصمة اجتماعية في القضايا المتعلقة بجرائم الشرف، العنف الجنسي، قد يؤدي النشر إلى أضرار دائمة للأفراد المتضررين وإلحاق الضررالأمن الشخصي قد يعرض النشر الأفراد للخطر، خاصة في القضايا ذات الطابع الجنائي .
وجهة النظر الدولية:
الاتفاقيات الدولية، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي، تقدم إطارًا لحماية المعلومات الشخصية. على الجانب الآخر، تدعو المعايير الدولية إلى نشر الأحكام القضائية بشفافية مع ضمان حماية الأفراد من التداعيات السلبية.
ويُعتبر حق الأفراد في حماية معلوماتهم الشخصية حقًا أساسيًا، يجب احترامه عند نشر قرارات الأحكام القضائية. يتطلب التوفيق بين الشفافية وحماية الخصوصية نهجًا دقيقًا يعتمد على مبادئ الحياد والعدالة، مع الالتزام بالمعايير الدولية. تحقيق هذا التوازن ليس مجرد مطلب قانوني، بل هو خطوة ضرورية لتعزيز ثقة الأفراد في العدالة وحماية حقوقهم في آن واحد وتحقيق التوازن بين أحكام قانون حماية البيانات الشخصية الأردني والحق في نشر القرارات القضائية يتطلب توخي الحذر في التعامل مع البيانات الشخصية في الأحكام القضائية. ينبغي على القضاء والمفوضية المعنية اتباع آليات لضمان الشفافية في نشر القرارات القضائية مع الحفاظ على خصوصية الأفراد، بما يتماشى مع الحقوق والحريات المنصوص عليها في القانون .






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد