كيف تهزم الذكاء الاصطناعي: إسأل شوبنهاور
توافر للإنسان في العصر الحديث الكثير من السُّبل التي تسهِّل عليه الحياة، والتي إذا كان متواجدًا ولو بعضًا أو حتى واحدةً منها في الماضي، لكانت الابتهاج له حليفًا دائمًا. لكن ما يحدث حاليًا أمر يدعو للحزن الشديد؛ إذ أن الإنسان وبالرغم من بلوغه مراتب عُلا من التقدُّم التكنولوجي ومعرفته بالعديد من الوصفات التي تجعله مالكًا للسمو الأخلاقي والرقي، إلَّا أنه ينزلق يومًا تلو الآخر في غياهب من الهمجية التي تتأصَّل بداخله وتتزايد يومًا تلو الآخر. بل والأسوأ، باتت الحياة تعجّ بالمرضى النفسيين، وأصبح الاكتئاب مرض مُعتاد، ومصاب به المليارات، بما في ذلك الأطفال. وعلاوة على ذلك، صارت السعادة أمر بعيد المنال يمكن القراءة عنه في الكتب والقصص الخيالية فقط.
وبالرغم من كل هذا، يأمل العلماء أن تتعاظم سعادة الإنسان باختراع الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يحاكي التفكير البشري وأساليب وعيه وإدراكه. والغرض المُعلن من ذاك الاختراع الفريد ليس فقط محاكاة الإنسان لمجرَّد المحاكاة، لكن توفير وقته وجهده لأعمال أخرى قد تكون ذات نفع عظيم له وللبشرية ، بما في ذلك توفير الوقت والطاقة لتنمية الروابط الأسرية والإنسانية التي فقدها تقريبًا عند اللهاث وراء تحقيق النجاح والتميُّز. ويحاول العلماء طمأنة البشر أن ذاك الاختراع الذي غيَّر أشكال الحياة، ولسوف يواصل تبديل كل ما هو قديم بقيم ومستحدثات غير مسبوقة، لسوف يكون السبيل لفهم كيفية عمل العقل البشري، الذي لا يزال سرًّا معقَّا لا يستطيع العلم والتقدُّم التكنولوجي فك شفراته. وكذلك يؤكِّد العلماء أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإنسان – في شكلها الأمثل – هي علاقة نفع مُتبادل، وأنه لا يجب أن يصير الذكاء الاصطناعي بديلًا للإنسان الذي اخترعه ولا يزال يعمل على تطويره.
وذاك الرأي الذي أتي على لسان زمرة من العلماء الحاصلين على جائزة نوبل في العلوم، والتخصصين في البرمجيات والفيزياء وعلوم النفس والأعصاب. إلَّا أن أقوالهم لم تشعر العامة بالاطمئنان الموجو، وأزجت المزيد من التوتُّر على عقولهم وعلى حياتهم. ودون أدنى شك، السبب واضح؛ لأن العلماء وضعوا العقل البشري والإنسان ككيان في مرتبة متساوية مع الذكاء الاصطناعي.
ولكي يفهم الإنسان موقفه في هذا العالم الحديث الذي أصبح التقدُّم فيه أمر حتمي، وكذلك هو الحال بالنسبة للإحساس بالتشاؤم من المستقبل وعدم الرضا عنه، كان لا بد من الرجوع لآراء الحكماء الذين وضعوا أسس هذا العالم الحديث من خلال إنشاء ما يشابه المنهاج الذي لا يساعد فقط على فهم ما يحدث حولنا، بل أيضًا التعامل معه بسهولة وأريحية. وواحدًا من الفلاسفة شديدي الحكمة الذي يجب اللجوء لأرائهم في أحلك المواقف، هو الفيلسوف الألماني «آرثر شوبنهاور» Arthur Schopenhauer (1788-1860) المشهور بلقب فيلسوف التشاؤم.
لكن بالرجوع إلى كنزه الفكري من مراجع لا تحظى بشعبية كاسحة حتى الآن، يلاحظ أنه لا يصدِّر التشاؤم للبشرية، بل أنه يشرح أسبابه ويحاول قدر الإمكان إيجاد منهاجًا للتعامل معه. وقد يظن البعض أن آراءه بالية قد عفا عليها الزمان لأنه ولد في القرن الثامن عشر وفارق الحياة بعد منتصف القرن التاسع عشر، لكن من يظن هذا قد حاده الصواب؛ لأن «شوبنهاور» عاصر الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية في مهدهما، وراقب عن كثب التطوُّرات الناشئة والمخاوف العامة من تلك من الآلات المستحدثة، والتي بالقياس تشابه لحد بعيد اختراع الذكاء الاصطناعي واستخداماته المتعددة في الوقت الحالي، وبالمثل، كان هناك حينئذٍ مخاوف شديدة من استبدال البشر بآلات لا يصيبها الإرهاق ولا تمانع العمل بشكل متواصل وفي أي وقت، حسب الحاجة لها وكلما طُلِب منها.
في الماضي، كان الرقي الاجتماعي والأخلاقي مرتبطين بكل ما يُعلي من شأن العلوم وتحصيلها والاطلاع على الفنون وفهمها، وكذلك معرفة المستحدثات والابتكارات. ولهذا السبب، كان الجميع يحرصون على اقتناء مكتبات ضخمة مهيبة بداخل منازلهم؛ للتفاخر بها، وكأنها العلامة الدَّامعة لرفي شخص ما وحصافة رأيه، بينما قد يكون العكس عين الصِّحة. والأنكى من ذلك، أن المكتبات المنزلية تلك تتحول إلى ما يشبه المكتبات التي لا يستفيد منها أي فرد، بل وقد تكون لم يمسسها أحد على الإطلاق، فيما خلا البعض من كتبها. ومن ثمَّ، كان ينتقد «شوبنهاور» من يشترون الكتب ويكدسونها، لأن من يشتري كتابًا من الأحرى أن يشتري أيضًا معه الوقت اللازم لقراءته؛ لأنه جرت العادة على مجرد الرغبة في امتلاك المحتوى.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن عملية القراءة بالنسبة ل»شوبنهاور» ليست كل شيء، لأن من يقرأ يجعل شخص آخر يفكر بالأصالة عنه، والقاريء مجرد شخص يكرر إعمال العقل الذي قام به مؤلِّف الكتاب؛ إذًا، فإن القارئ في تلك الحالة ليس بمبتكر، بل كأي تلميذ صغير يتعلَّم الكتابة، ويكون فرضه المدرسي تكرار ما كتبه له المعلِّم وسطره بقلم رصاص، أي أنه من السهل أن يُمحى هذا المحتوى، وتتلاشى من جدار الذَّاكرة المعلومات التي عمل الفرد على جمعها من القراءة. والسبب، أن الجزء الأكبر من عملية التعلُّم والفكر قد أنجزه الكتاب من أجلنا. ولهذا السبب، عندما يرغب أي شخص إلهاء نفسه عن أمر ما، أو تحسين حالته المزاجية، أو حتى محاربة الأرق، فإنه على الفور يلتقط كتابًا ويقرأه؛ كي تلهيه القراءة عن الانشغال بأفكاره. وتأثير القراءة السلبي يكون بنفس تأثيرها الإيجابي؛ لأنها تجعل العقل البشري يتراجع لمرتبة ملعبًا لأفكار الآخرين، سواء أكانت مفيدة أو مغلوطة.
ويحذِّر «شوبنهاور» من قضاء المرء يوم بأكمله منكبًّا على القراءة، ثمَّ، يتخلل ذاك اليوم فترات استرخاء يمضيها في تسلية طائشة. ومع اعتياد ذاك الروتين، يفقد العقل القدرة على التفكير تدريجيًا، تمامًا كما هو الحال بالنسبة للفرد الذي يعتاد الركوب، فإنه يفقد تدريجيًا القدرة على المشي؛ لأن عظامه تتيبَّس وعضلاته تضمر. وما ذكره «شوبنهاور» أثبتت أيضًا العلوم الحديثة صحته. ولهذا السبب كان يتعجَّب الكثير من أن بعض كبار السن يصابون بالخرف أو الزهايمر بالرغم من أنهم يدأبون على القراءة والاطلاع. ويضيف «شوبنهاور» أنه قد اكتشف أيضًا بعض العلماء أنهم أغبياء؛ لأنهم اكتفوا بدور النَّاقل الذي يجمع أفكار البعض دون وضع لمسات تفكيرهم العميق.
فالاكتفاء بالمعرفة السطحية التي لا تفضي إلى إعمال العقل والابتكار تجعل الفرد تدريجيًا لا يبالي بما يدور في أذهان الآخرين، لطالما اعتنق أفكار آخرين والتي قد تنطوي على معرفة سطحية ووجهات نظر ضيِّقة وأخطاء متكررة. ومن ثمَّ، فإن محاكاة الآخرين تفقد أي شخص ثلاثة أرباع سماته المميَّزة. وبالتفكير قليلًا فيما يسطره «شوبنهاور»، نلاحظ أن موقفه مطابقًا لموقف الإنسان في عصر السيبرانية والذكاء الاصطناعي؛ فجميع ألوان المعرفة أصبحت متوافرة يضغطة زرّ واحدة، ولهذا اختفت تقريبًا الكتب المطبوعة. وبالرغم من أن جميع ألوان المعارف والفنون أصبحت مُتاحة، فإن نسبة الجهل الثقافي والعزوف عن الاطلاع تزايدت بشكل مرعب؛ والسبب هو الاعتماد أن المعرفة متاحة ويمكن الرجوع إليها في أي وقت. ومن ثمَّ، تزايد الاعتماد في العقدين الماضيين على القراءة فقط، وصارت هناك أجيال لا تحسن الكتابة والإملاء؛ للاعتماد على أن الوسائل التكنولوجية بمقدورها تصحيح الأخطاء الإملائية. ودون أدنى شك، تلازمت مع تلك الظاهرة اختفاء الأسلوب الراقي في الكتابة، حيث أصبحت الكتابة شديدة البرجماتية؛ محتصرة أو على شكل نقاط، وغالبًا بالأسلوب العامي. ومع انتشار المواد العلمية المسموعة، لاحظ العلماء وجود شرائح من الأجيال الجديدة لا تحسن حتى القراءة.
ودون أدنى شك، فإن إخلاء السَّاحة للذكاء الاصطناعي لكي يقرأ ويكتب ويفكر ويحلل عوضًا عن الجنس البشري لسوف يجعل نهاية الإنسان محتومة، ألا وهي التراجع إلى مرتبة الحيوانات التي همّها الأكبر إتاحة الطعام لها وإشباع الغرائز الحسِّية، ويرجع ذلك للتواكل على أدوات أخرى تقوم بالمهام التي تتطلَّب إعمال العقل عوضًا عن العنصر البشري. ولا يعني ذلك رفض التقدم أو المستحدثات التكنولوجية أو مهاجمة الذَّكاء الاصطناعي، بل إيجاد السُّبل الصحيحة للاستفادة منها لكي نطوِّر أفكارنا ونجعل عقولنا تستقبل وتصدر المعلومات والأفكار.
واحدة من أكبر وأهم النعم التي منَّ بها الخالق على عباده الآدميين هي القدرة على التفكير والتحليل؛ فلا يجب على المرء أن يتوقف عن التفكير ومحاولة تقديم أي اسهام شخصي يصبح بمثابة بصمته المميزة، ويجب المداومة على توكيد ذاك التميُّز من خلال الإضافة له بشكل متواصل، أي أن يجب ألَّا يكف العقل البشري عن التفكير، شريطة أن تكون تلك الأفكار ذات قيمة فعلية، وتنأى عن التفاهات والتسلية الطائشة التي تُزجي الجانب الحيواني لدى الإنسان. فلا تتوقف عن التفكير حتى تحتفظ بمكانة السيِّد ذو اليد الطولى على التقدُّم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، فالحياد عن ذاك الطريق يجعل طريق العبيد هو الخيار الوحيد المتاح.
تجديد عقد تبادل الطاقة الكهربائية بين الأردن ومصر
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
غزة .. محاولة انتحار أسير صهيوني بعد تأخر مفاوضات صفقة التبادل
استشهاد 24 فلسطينيا بقصف الاحتلال مناطق في قطاع غزة
الضمان: 10% الحد الأعلى لزيادة الأجر الخاضع للمشتركين اختيارياً
توغل إسرائيلي داخل بلدات لبنانية حدودية وحرق وتفجير منازل
5 مرشحين مدعوون للأمن السيبراني .. أسماء
سوريا .. تعديلات على المناهج الدراسية .. وثائق
سويسرا تبدأ تطبيق قانون حظر النقاب وغرامة ألف دولار
مدينة روسية تسجل 51 درجة تحت الصفر .. فيديو
منفذ هجوم نيو أورلينز كان ينوي قتل عائلته والالتحاق بـ"داعش"
الأردن .. تحصيلات ضريبة الدخل والمبيعات 6 مليارات دينار 2024
بشار الأسد ينجو من محاولة اغتيال في روسيا
الشرع يعين مواطناً أردنياً عميداً بالجيش السوري .. من هو
الأردنيون يتعاطفون مع الفنان إبراهيم أبو الخير
من هو حمزة العلياني الحجايا صاحب راتب 4 آلاف دينار
توضيح من إدارة السير بخصوص ما حدث في أبوعلندا
منخفض جوي وأمطار صباح وظهيرة الجمعة .. تفاصيل
ليلى عبداللطيف تتنبأ للأردن في 2025 هذه الأحداث
مخالفات مالية في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي
مخالفات في جامعة البلقاء التطبيقية
قريباً .. الاحتفاظ برقم هاتفك حتى لو غيرت الشبكة
تجميد 6529 طلباً للاستفادة من المنح والقروض الجامعية والسبب ..
ديوان المحاسبة يرصد مخالفات في وزارة العدل ومحاكمها
موظفون حكوميون إلى التقاعد .. أسماء
النائب الأسبق زيادين يعارض إصدار عفو عام