اقطعوا صلتكم بالماضي

mainThumb

28-12-2024 04:21 PM

حتى لا تتعجلوا بحكمكم على العنوان، فأنا أقصد بالماضي هو أساليب الحياة وحركة الانسان المرتبطة بمعطيات عصره من أدوات وأفهام وهذه لا علاقة لها بالنص الديني، بل هي تتعامل مع النص الديني وتتمثله في حياتها بحسب ما أعطاها عصرها من علوم وأدوات وأساليب حياة، وهذه كلها ليست نصاً دينياً، وإن شئت أن تجعل لها علاقة بالنص الديني، فهي علاقة خضعت لزمن ماض وليس لزمننا، لذلك في اللحظة التي يتغير واقع الإنسان من حيث تغير معطيات عصره تتحول المعطيات السابقة وأدواتها وحتى الأفهام الى تراث، نحبه ونحترمه لكننا لا نجعله يسيطر على واقعنا ليقلبه الى واقع آخر لم نعشه ولا نستطيع اصلاح واقعنا إذا تمثلناه.. ثم هذا التراث الأصل فيه ألا يرتبط بالنص الديني "القرآن وما صح ووافق القرآن من الحديث"، لأن النصوص الدينية ثابتة لا تتغير، ويمكن أن يتغير فهمها حسب كل عصر وما توفرت فيه للإنسان من المعطيات والإضاءات التي تكشف له جوانب غابت عنه وجعلته قاصراً عن الإحاطة الكاملة بالنص لأنه نص عابر للزمان، فكلما مر الزمن على الانسان ارتقى وزويت له الدنيا "زماناً ومكاناً" ورأى ما لا يراه أسلافه واكتشف ما لم يكتشفه السابقون وامتلك أدوات أساليب لم يعهدها أسلافه، وتفتحت له آفاق في فهم النص الديني "المواكب والمحيط بحياة الجنس البشري" لم تتوفر لسابقيه ما يمكنه من ابتكار طُرق خاصة بزمنه توصله لأهدافه، لذا عليه أن يعيش زمنه وما يوفره له من معطيات التطور، فالماضي ذهب هو وأدواته وأساليبه وكذلك طرقه، وما عادت أساليبه تجدي في تغيير الواقع الحالي.
ولو افترضنا بنظرة عكسية على بداية الدعوة الاسلامية وحاكمناها بناء على معطيات وأساليب زمننا وتصورنا أن الدولة الاسلامية التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم، في بقعة بعيدة عن نشاط الصراع الدولي (طبعاً هي قامت في مكان وزمان خاصين لهما أساليبهما ومعطياتهما وكذلك طرقهما، اختارهما رب العباد)، أقول لو طبقنا عليها أساليب ومعطيات زمننا الحالي، وما يملكه من أسلحة وأدوات تصوير وتتبع مرتبطة بالأقمار الصناعية، ونشوء دول تختلف عن دول ذلك الزمان تقوم على مؤسسات هي التي تحكمها لا يحكمها الفرد وهذه الدول لها أطماع تختلف عن أطماع ذلك الزمن.
ماذا لو أن بني قينقاع وبني قريضة طلبوا الحماية من أميركا ولبت نداءهم واحتلت يثرب ونصبت كعب بن الأشرف حاكماً عليها، أو أن أبا جهل طلب اللجوء إلى فرنسا وأدار المعارضة من هناك ثم عاد على ظهر دبابة فرنسية محمية بغطاء جوي، وترأس النظام في مكة..!!!!
استغربتم هذا الطرح؟!! وأنا معكم والسبب هو اختلاف العصر ومعطياته وأساليبه وطرقه..
ولعل الفئة المقصودة و"هم العاملون" لإقامة دولة مستقلة لها شخصيتها الخاصة لا تملي عليها أي جهة إرادتها، فهموا ما نرمي اليه، وهو ببساطة خذ النص الديني واخضع له واقعك وأساليب هذا العصر وطرقه، واترك أساليب الزمن الماضي، لأن أساليبه انتهت معه ولا يمكن أن تخترق الأزمان لتصلح لكل زمان ومكان. اقرأه كتراث واعتز به، لكن لا تطلب منه أساليب ومعطيات خضعت لزمنها أن تحقق أهدافك، وإن حاولت أن تخضعها لزمننا فستضيّع احترامك لذاك الزمن ولن يعطيك الزمن الحاضر قياده، لأنه لن يفهم عليك ولن يستطيع تمكينك مجرد أنك تحمل نص ديني لم يتحرر من قيود الزمن الماضي، حرر عقلك وخذ النص الديني الصالح لكل زمان ومكان والمتحرر من طرق وأساليب زمن مضى، وستتحرر حتماً ويتحرر معك زمنُك وأبناؤه..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد