سقوط نظام الأسد: بين درس التاريخ وتحديات المستقبل

mainThumb
أحد الثوار يدوس على تمثال لرموز النظام المخلوع

19-12-2024 01:05 AM

انهار نظام الأسد أخيرًا، بعد أن أصبح عبئًا على حلفائه وأعدائه على حد سواء. بشار الأسد، الطاغية الذي رفع سقف التوحش، قدّم نموذجًا دمويًا يتجاوز حتى مجازر والده في الثمانينيات. ومع سقوطه، تواجه سوريا تحديات كبرى تتراوح بين إعادة بناء الدولة، ورفض التقسيم الطائفي، وتثبيت أسس الديمقراطية التي خرجت الثورة السورية من أجلها.

انتهاء حكم عائلة الأسد، الذي بدأ بانقلاب عام 1970، يضع سوريا أمام حلم طال انتظاره وكلف آلاف الشهداء والمصابين والنازحين. ولكن تحقيق هذا الحلم محفوف بتحديات معقدة تشمل التوغل الإسرائيلي، وضغوط المجتمع الدولي، واحتمالات الانزلاق إلى التقسيم الذي بدأت ملامحه تظهر على الأرض منذ سنوات.

من أبرز ما كشفته هذه المرحلة، هشاشة "محور المقاومة"، الذي طالما استخدم القضية الفلسطينية غطاءً لتوسعاته ونفوذه. فقد أثبتت الأحداث أن هذا المحور، رغم التضحيات التي قُدمت في لبنان، لم يكن هدفه خدمة فلسطين بقدر ما كان لعبة نفوذ إقليمية. نظام الأسد، الذي حاول اللعب على كل الحبال، سقط أخيرًا بعد أن فشل في توظيف المقاومة كمبرر لاستمراره في السلطة.

من الإيجابيات التي ظهرت بعد سقوط النظام، الانضباط النسبي الذي أظهرته الفصائل السورية المعارضة المنضوية تحت "إدارة العمليات العسكرية". هذه الفصائل، التي تجاوزت الفكر الجهادي الذي طبع بعضها، بدأت تقدم رؤية لدولة ديمقراطية مدنية تحفظ وحدة سوريا وترفض تقسيمها إلى دويلات طائفية وعرقية. أمامها طريق طويل لإعادة بناء سوريا، لكنها توفر أملًا في الانتقال السلمي نحو مستقبل أفضل.

على الرغم من الفرح بسقوط النظام، هناك حاجة للحذر من محاولات إسرائيل توظيف هذا الحدث لصالحها. تصريحات نتنياهو الأخيرة، التي تحاول ربط الفصائل السورية بالاحتلال الإسرائيلي، تسعى لخلق صورة نمطية سلبية تهدف إلى تعميق الانقسامات الطائفية وتشويه المعارضة السورية.

في خضم هذا التحول الكبير، برزت رداءة بعض المثقفين الذين أقاموا "مآتم جنائزية" على سقوط الأسد، متمسكين برمزية الطاغية كملاذ لهم في مواجهة فراغ فكري وثقافي. هؤلاء، الذين احتفلوا يومًا بـ"شاعرية البراميل المتفجرة"، يعيشون اليوم نكسة معنوية بعد أن فقدوا طاغيتهم المفضل.

سقوط الأسد ليس مجرد نهاية لحكم استبدادي، بل هو فرصة لسوريا لإعادة بناء نفسها بعيدًا عن الطائفية والتبعية. ومع ذلك، النجاح يعتمد على قدرة السوريين على تجاوز خلافاتهم، والاستفادة من هذه اللحظة التاريخية لبناء دولة ديمقراطية قوية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد