بين غريزة الانتماء وآفة العنصرية

mainThumb

15-12-2024 09:51 PM

خطوة خطوتين يحبو هذا الولد الذي كفله الزمن في أحضانِ وطنٍ يسوده الأمن والأمان لينمو صباه في أعراشِ مجدهِ ويكبرُ قليلا، يستأسدُ أمام العالمِ الكبير بما اقتناهُ وما هو بمقتنيهِ سوى أنَّه أمر محكوم من عند الله في صحائفهِ المُسبقة.
لم يكن هو من اختارَ أن يكون منسوبًا لوطنه؛ لكنَّه يعتزُّ باستماتةٍ و ويجذبهُ نحو فؤاده كأنما يعانقُ دمية
ويباسلُ لاستردادِ كرامتهِ إن هانْ و يحفظْ تراثهِ إن جارَ عليهِ الزَّمان و يوحِّد كلمتهِ في صفوفِ القادةِ و يشاركُ جيرانهِ في محنةِ وسعادة ويُمِدُّ في دأبهِ أسباب النمو والزيادة.
ولا ضرر ولا ضرار في ذلك حيثُ أن حبَّ الوطن شيء مغروس في أحشاءِ العالمين ولا يدرَّس بالتدريس ولا يدرّب بالتأسيس.
هو ميلٌ بديهيّ و تحبُّب غريزيّ فإن أعزَّ موطئين وطأ بهما الإنسان كانتا رحم أمهِ و منبتَ جدًهِ لذلك أمر مستحسنٌ أن يتمسكَ الإنسان بوطنهِ وأن يسطّٓر في محبتهِ له أناشيد الفداء و دواوين العشق
عندما يمزجُ حب الوطن بالانغلاقِ على الذات والتقوّقع داخل أصداف ولاءهِ هل يصبح الولاء مبررًا لاستبعادِ المختلفين، أم أن هناك مساحة لتقبّل الآخر دون المَساس بالهويةِ؟
• من حب الوطن إلى فخِّ العنصرية!
عندما ينتقلُ هذا الحب من نبلهِ العظيم إلى تعصبهِ السقيم قد يتحولُ إلى (عنصريةٍ) تمزِّقُ أركان المجتمع.
هنا يكمنُ التحدي : في كيفية الموازنة بين ولاءنا لوطننا واحترامنا للآخر المختلف عنَّا في الدينِ أو العرقِ أو الثقافة.
العنصرية هي بائقة التاريخ منذُ بدءِ الخليقة إذ شهدَ الزمان على أول من إتخذ العنصرية وشاحًا لغطرستهِ ووسامًا لشيطنتهِ (إبليس) الذي طردهُ الله من جنَّتهِ لأنَّه رفض أن ينقاد لأوامرِه؛ لأنَّه يرى في نفسهِ كبرًا عظيمًا و منزلةً خاصةً فكيف سيُطيعه؟
وهذا هو حال الشخص العنصريّ يرى في ضوءهِ البسيط وهجًا طعين وفي نسبهِ شرف ثمين وفي مسكنهِ وملبسهِ إمتياز مبين وفي أرضهِ امتلاكًا سمين، منبوت في خيالهِ أنه زعيمًا ويحقُّ له أن يرفع ألف قلم في وجهِ أي غريب أو مهاجرٍ أو حتى سائحٍ، عديمٌ في المروءةِ والشيمِ لأنه يُفاخر الناس بما لم يكتبهُ الله على لسانهِ في المفاخرةِ يقولُ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾
وهنا نستشفُّ من ذكرِ الله أن أساس كل أساس في الدنيا هو التقوى لا أصول العباد أو هوياتهم.
تعودُ أسباب العنصرية في المرتبةِ الأولى للجهلِ المتفشّى في مجتمعاتنا إذ أن مانجهلهُ سهلًا أن نحكمَ عليه ونتحيّز ضدهُ؛ مما سيخلقُ فجوة ترسّخ العنصرية.
ثانيًّا التنشئة الإجتماعية الخاطئة القائمة على مبدأ العبد الأسود خادم والرجل الأبيض سيّد فيتعلم الأطفال التفوّق العرقي أو الثقافي من صغرهم بسبب تنشأة متحيّزة تستبعد كل ما يختلفُ عنها.
وأوجدت بعض الدراسات أن هناك فوبيا معينة تدعى بـ(Xenophobia) تعني بالعربيَّة (رُهاب الأجانب) يتضمنها الخوف والحذر والكراهية تجاه الغرباء (الأجنبيون).
وقد يستعمل بعض المتشدّدين في ضوء فهمهم المغلوط لبعض النصوص القرآنية العنصرية عنوانًا مبرًّرا لسلوكياتهم المتطرّفة.
إن أتباعَ العنصريةِ كثيرون ولكن من يُمارسَ ضدَّهم هذا التمييز وبالرجوع للوراءِ سنرى أنهم أولئك الذين تركوا أرضهم قسرًا و الذين حملوا أشواقهم في حقائب السفر لدواعي ظروف المعيشة.
وقد يكونوا أقليَّات من عروقٍ متفرقةٍ أو أديانٍ مستبّعدةٍ.
كل هذا من شأنهِ أن يشكِّل تحديًّا بل و سِجالًا صعبًا ربما لا نفوّت بهِ هدفًا لكننا نستطيعُ أن نستبدلهُ بتسلّلٍ.
هذه الآفة تترك وراءها آثارًا نفسية مدمّرة على الفرد والمجتمع، فتتسبب في هزالة النسيج الاجتماعي نتيجة لانعدام الثقة بين فئات المجتمع، مما يؤدي إلى التراجع الحضاري. فحينما يُستبعد المواطنون، تتقلص فرص مشاركتهم واستفادة الوطن من نشاطاتهم وإبداعاتهم. علاوة على ذلك، تؤدي العنصرية إلى تكسير مرايا النفوس
فلا يبصرُ الفرد ذاتهِ ولا الحياة تبصرهُ مما يحرم الأفراد من حقوقهم في التعليم والعمل ويُقصيهم بعيدًا حيث النبذ والتجاهل الاجتماعي. كما تسهم هذه البيئة المخصَّبة بالعنصرية في انتشار الجرائم، حيث يسعى الأفراد إلى استرداد قيمة الذات المفقودة، مما يهدد استقرار المجتمع ويسبب زلازل من الغضب والعدوانية."
الجهود المبذولة في هذا الصدد يجب أن تبدأ :
أولًا بإدخال قيم التسامح والتنوع في المناهج الدراسية، فالطفل الذي يتعلم قبول الآخر سيبني عندما يكبر مجتمعًا يحتضن التنوع
ثانيًا، يجب إشهار برامج وطنيّة توعويّة عبر وسائل الإعلام لضرورة ترك (الأنا) جانبًا والتعامل مع الآخرين ككائنات بشرية متساوية.
بالإضافة إلى ضرورة الملاحقة القانونية وسن عقوبات رادعة ضد أي شخص ينطق بلغة نبذ واضحة، مع فرض غرامات مالية على المخالفين و ليكن درسًا من لا يثمِّنُ كلامهِ تهترأُ جيابهِ.
وأخيرًا، يجب تعزيز الحوار بين جميع فئات المجتمع لتأصيل قيم الاندماج وتوسيع دائرة التفاهم، مما يساهم في ردمِ الفجوات العرقيّة وتقليل دوافع التمييز.
قبل أن تشيرَ بأصابعِ الفضيلة والكمال نحو الآخرين
تأمل مليًّا في نفسكَ فكل منا يحمل قصورًا، وليس أحدنا كاملاً في كل شيء. لا تدّعي الكمال أو السيادة على من حولك فالقوة الحقيقية تبدأُ من قبول الآخر
والوطنَ القويّ هو الذي يحتضنُ الجميع دونما تفرِقة
فازدهر بإنسانيتك واجعل من اختلافك مع الآخر مصدر قوّة ومن سوادِ العنصريةِ منارةً للتسامحِ والنُّمو.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد