حلم الوحدة ومأساة التشرذم

mainThumb

11-12-2024 06:50 PM

المشروع العربي المفقود حلم الوحدة ومأساة التشرذم إذ أن المشروع العربي لطالما كان حلمًا طموحًا راود أذهان القادة والشعوب على مر العصور، وهو فكرة تجمع بين الاستقلال الحقيقي والوحدة الشاملة. لكن، كما تُظهر أحداث التاريخ، ظل هذا المشروع في أغلبه غير مكتمل، يعاني من التشرذم والانقسامات التي أضعفته أمام الضغوط الداخلية والخارجية. فقد تعرضت محاولات الوحدة لانتكاسات متتالية بفعل تضارب المصالح، التدخلات الأجنبية، والخلافات الأيديولوجية والسياسية بين دول المنطقة.

كانت فترة الخمسينيات والستينيات ذروة المحاولات الرامية لتحقيق الوحدة العربية، حيث برزت شخصيات قيادية مثل جمال عبد الناصر، الذي رفع شعارات القومية العربية ووضع تحرير فلسطين على رأس الأولويات. لكن تلك المحاولات اصطدمت بمعوقات كبيرة، بعضها داخلي تمثل في غياب التوافق السياسي، وبعضها خارجي نتيجة التحريض والتدخل من القوى الكبرى. ومن أبرز تلك المحاولات تجربة الاتحاد العربي بين الأردن والعراق عام 1958، وهي واحدة من أهم الدروس في تاريخ السعي نحو الوحدة.

قام الاتحاد العربي الهاشمي بين الأردن والعراق بهدف تحقيق تكامل سياسي وعسكري واقتصادي تحت مظلة ملكية موحدة بقيادة الملك فيصل الثاني والملك حسين. كانت هذه الخطوة، رغم قصر مدتها، تحمل وعودًا كبيرة لتقوية الموقف العربي ضد التحديات الإقليمية والدولية، وخاصة تصاعد النفوذ الناصري الذي قاده جمال عبد الناصر. لكن هذه الوحدة أُجهضت سريعًا بعد انقلاب 14 يوليو 1958 في العراق، الذي أنهى النظام الملكي وأطاح بالعائلة الهاشمية الحاكمة.

يُعزى فشل الاتحاد إلى عدة عوامل، أبرزها التوترات السياسية التي أثارها الخطاب الناصري المعادي للأنظمة الملكية، والذي أسهم في خلق أجواء من العداء بين الدول العربية. بدلاً من تبني سياسات تدعم تكاملًا حقيقيًا بين الأنظمة المختلفة، اتخذ عبد الناصر موقفًا صداميًا تجاه الملكيات العربية، مما زاد من حدة الانقسام وأضعف فرص التعاون العربي في مواجهة التحديات المشتركة.

إن فشل هذه التجربة وغيرها من محاولات الوحدة يكشف عن حقيقة مؤسفة مفادها أن غياب التوافق واحترام التنوع السياسي بين الدول العربية كان دائمًا عائقًا أمام بناء مشروع عربي قوي. بدلاً من بناء جسور التعاون، طغت الخلافات الأيديولوجية والسياسية، مما جعل المنطقة عرضة للانقسامات الداخلية والاستغلال الخارجي.

في عالم يتسم بالتكتلات الاقتصادية والسياسية الكبرى، يصبح إحياء المشروع العربي أكثر من مجرد حلم؛ فهو ضرورة وجودية لمواجهة الأزمات الاقتصادية، التغير المناخي، والتحديات الأمنية. لكن النجاح في هذا المسعى يتطلب دروسًا من الماضي، أبرزها احترام الأنظمة السياسية المختلفة، ووضع المصالح المشتركة فوق الأيديولوجيات، والعمل على تعزيز التكامل الإقليمي كخطوة أساسية نحو الوحدة.

المشروع العربي المفقود ليس مجرد سردية تاريخية بل قضية حية تستدعي التفكير والعمل الجاد. فإن لم تتوحد الدول العربية على أساس رؤية استراتيجية شاملة، ستبقى المنطقة رهينة للصراعات والانقسامات. والسؤال الذي يبقى معلقًا: هل نتعلم من أخطاء الماضي لبناء مستقبلٍ مشترك أكثر إشراقًا، أم نظل أسرى للتاريخ نعيد أخطاءه دون أن نغادرها؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد