تداعيات سقوط الأسد على مصر والمنطقة

mainThumb

09-12-2024 10:29 PM

"إن لم تستطع اصطياد الأسد، فاحرق الغابة": تداعيات سقوط نظام الأسد على مصر والمنطقة

"إن لم تستطع اصطياد الأسد، فاحرق الغابة"، قاعدة سياسية تعكس استراتيجية المواجهة غير المباشرة عندما تتعذر السيطرة على الخصم. هذا المبدأ يبرز بوضوح في الوضع الإقليمي الراهن، حيث تترقب المنطقة تداعيات سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. لن يكون سقوط الأسد مجرد نهاية لنظام مستبد، بل بداية لفوضى إقليمية قد تعيد رسم خريطة التحالفات والصراعات، خاصة أن سوريا لطالما كانت عقدة جيوسياسية تربط بين مصالح القوى الكبرى والإقليمية.

سقوط الأسد سيُدخل المنطقة في مرحلة فراغ سياسي خطير، تمامًا كما حدث مع سقوط صدام حسين في العراق عام 2003، الذي أدى إلى انهيار التوازن الإقليمي وفتح الباب أمام النفوذ الإيراني والصراعات الطائفية. وكما قال ونستون تشرشل: "لا توجد عداوات دائمة أو صداقات دائمة في السياسة، بل مصالح دائمة." المصالح المتضاربة للدول الكبرى والقوى الإقليمية مثل تركيا وإيران وإسرائيل ستجعل من سوريا ساحة جديدة لتصفية الحسابات، وقد تمتد تداعيات هذا الفراغ إلى مصر، قلب العالم العربي، التي تواجه أصلاً تحديات داخلية معقدة.

بالنسبة لمصر، فإن سقوط الأسد يضعها أمام تحديات أمنية واستراتيجية. فمصر، التي تُعتبر ركيزة النظام العربي، قد تواجه موجات جديدة من نقل الالهام الثوري واعادة احياء امجاد الثورة والتحرير مرة اخرى، مع احتمال تصاعد نفوذ تركيا في شمال سوريا، واستمرار محاولات إيران لزعزعة استقرار المنطقة عبر وكلائها. كما أن إسرائيل ستسعى إلى ضمان أمنها في مرحلة ما بعد الأسد من خلال إعادة صياغة المعادلة الأمنية في الجولان، وهو ما قد ينعكس على الجبهات الفلسطينية. وفي هذا الإطار، يمكننا استحضار كلمات الرئيس المصري الراحل أنور السادات: "99% من أوراق اللعبة في الشرق الأوسط بيد الولايات المتحدة"، لكن اليوم، مع صعود الصين وروسيا، أصبحت اللعبة أكثر تعقيدًا وتشعبًا.

القضية الفلسطينية تبقى مركز الصراع الإقليمي، وسقوط الأسد لن يُضعف فقط أحد أبرز الداعمين التاريخيين للمقاومة الفلسطينية، بل قد يؤدي إلى إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية. تركيا قد تسعى لاستغلال الوضع لتعزيز دعمها لحماس، بينما قد تجد مصر نفسها في مواجهة ضغط دولي أكبر للتوسط في عملية سلام جديدة. وفي ظل هذا، قد تضيع فلسطين مرة أخرى في زحمة المصالح الإقليمية والدولية، تمامًا كما حدث بعد اتفاق أوسلو، حين تركت الدول العربية القضية الفلسطينية رهينة للضغوط الغربية. وهنا تتجلى مقولة ابن خلدون: "الظلم مؤذن بخراب العمران"، فالظلم المستمر الواقع على الفلسطينيين يشكل قنبلة موقوتة تهدد استقرار المنطقة بأسرها.
وفي هذا المشهد المتشابك، يجب أن ندرك أن سوريا ليست مجرد ساحة للصراع، بل مفتاح لإعادة بناء النظام العربي. إذا لم تتحرك الدول العربية سريعًا لسد الفراغ الذي سيتركه الأسد، فإن المنطقة بأكملها قد تنزلق إلى مزيد من الفوضى. البيت الشعري للمتنبي:
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ
فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ
يعكس أهمية أن تتحلى مصر والمنطقة برؤية جريئة وإرادة قوية في مواجهة هذه التحديات، وإلا فإن الغابة قد تحترق، ولن ينجو منها أحد.
وفي النهاية سقوط الأسد ليس نهاية الأزمة، بل بداية اختبار جديد للمنطقة. فلسطين، جرح الأمة النازف، ستبقى المحور، ومصر، كما كانت دائمًا، في قلب المواجهة، مطالبة بدور قيادي يعيد التوازن للنظام الإقليمي ويحمي الغابة من الاحتراق الكامل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد