سوريا ساحة حرب

mainThumb

07-12-2024 02:14 AM

يحاول هذا المقال نقل صورة تسجيليّة للأحداث الدامية في الجمهورية العربية السورية من حيث زمانها والأطراف الفاعلة في صناعتها و الأطراف التي تتأثر بها. لا يدّعي المقال أنّه نَقل الأحداث و ما وراءها نقلاً كاملاً لم يترك شاردة و لا واردة، لكنّه حرص كل الحِرص أن يكون شاملاً و موضوعيّاً.

من حيث زمان الأحدث، يبدو بشكلٍ جليٍّ أنّ العمليات العسكرية للفصائل المسلحة في سوريا قد انطلقت ضمن توقيت محسوب بدقة. اذ تنشغل روسيا -داعمة النظام السوري- بحرب اوكرانيا، و تنشغل ايران -حليفة النظام- بمعالجة الأختلالات في حزب الله جراء حربه مع كيان الأحتلال، و انسحاب كثير من عناصر حزب الله و ايران من سوريا الى لبنان لمساندة حزب الله في حربه ضد كيان الاحتلال، و انشغال حماس بالحرب في غزة، و اتجاه أنظار العالم نحو غزة. هذا يعني أنّ الفصائل المُسلّحة و مَنْ يساندها قد اختاروا وقتاً مناسباً للهجوم على الجيش السوري و الأستيلاء على المدن السورية.

في سياق الحديث عن وصف الأطراف التي تقف وراء الأحداث الدامية في سوريا أو الأطراف التي تقف على تماس بالأحداث، يمكننا تلخيصها بالأتي:
(1) تركيا: دعمتْ أنقرة الفصائل المُسلّحة بهدف تقويض الخطر الكردي، و اجبار الرئيس الأسد على تسهيل عودة اللاجئين من تركيا، و اقامة منطقة آمنة على الحدود مع سوريا، و التعجيل في رحيل القوات الأمريكية التي تدعم الأكراد. و لكن معضلة انقرة الرئيسية هي: أنّ انتشار حالة الفوضى في سوريا و سيطرة المسلحين لن يحقق لها أهدافها من دعم الفصائل. اذ قد يؤدي عدم الأستقرار في سوريا الى مزيج من الضغط على أمن تركيا، و يتسبّب في موجات جديدة من اللاجئين السوريين الى تركيا، و يطيل وجود القوات الامريكية في سوريا ما يُبقى الخطر من استقلال الأكراد ساخناً.
(2) اميريكا- كيان الأحتلال: لا نملك دليلاً قاطعاً يثبتُ الدور المباشر لأميركا و كيان الأحتلال في تحريك الفصائل المسلّحة. و لكن تسعى اميريكا و كيان الأحتلال الى جملةٍ من الأهداف في سوريا، أبرزها: شل حركة 'محور المقاومة' في سوريا، ابتعاد سوريا عن دعم 'محور المقاومة'، و اقترابها من الأنظمة العربيّة التي تقيم علاقات دبلوماسية و اقتصادية مع كيان الأحتلال، و التحوّل الأيجابي في نظرة النظام السوري نحو كيان الأحتلال. و هذه بالمجمل تضمن انتقال سوريا من محور روسيا-ايران الى المحور الأمريكي. و لكن تتمثّل معضلة كيان الأحتلال في المشهد السوري في الأختيار بين أمرين: [أ] دعم الفصائل المسلحة لتقليم أظافر محور المقاومة في سوريا، و خطر ذلك أنّ هذه الفصائل غير صديقة للكيان ما ستهدد أمنه مستقبلاً. [ب] اسناد الأسد باعتباره عدو مكشوف لهم، و خطر ذلك أن الأسد حليف ايران و أذرعها عدوه الكيان. و يغلب الظن أن يهدف الكيان الى دعم قوى مسلّحة أكثر قبولاً له، و القيام بعمليات عسكرية محسوبة ضد عناصر 'محور المقاومة' في سوريا، و يوازي ذلك تغلغل الأقطار العربية الصديقة للكيان في مشاريع مختلفة في سوريا.
(3) ايران: تشكّل سوريا بالنسبة لأيران قاعدةً استراتيجيةً لدعم قوة مشروعها الخاص في الأقليم، و لتهديد كيان الأحتلال باعتباره يحملاً مشروعاً مضادّاً في ذات الأقليم. و لذلك، تدعم ايران بكلِّ قوةٍ نظامَ الأسد كي تحافظ على وجودها في سوريا و تحمي تمرير الأسلحة الى حزب الله- ذراعها الرئيسي في المنطقة. و لكن تعاني ايران من تبعات الحرب مع كيان الأحتلال طوال عام سواء عليها أو على أذرعها، فهي مشغولة باعادة تأهيل حزب الله و تسليحِهِ، و هذا يؤثر سلباً على نشاطها العسكري في سوريا.
(4) روسيا: تتبنّى مشروعاً دولياً تسعى من وراءِه أن تكون روسيا قطباً في النظام الدولي. و تشكّل سوريا مسرحاً هامّاً لروسيا في مصارعتها مع اميريكا و حلفاءها في المنطقة. و لذلك، تدعم روسيا نظام الأسد باعتباره حليفها كي تضمَن بقاءها بقوةٍ في سوريا و المنطقة. و لكن تنشغل روسيا بحربها في اوكرانيا ما يُضعف من قدراتها و فعالية عملياتها العسكرية في سوريا.
(5) المقاومة الفلسطينية: يتّوزع المشهد على المسرح السوري بين حلفين: أ- حلف داعم للمقاومة الفلسطينية معنوياً و عملياً يضم كل من النظام السوري، حزب الله، ايران و روسيا. و من مصلحة أطراف هذا الحلف مناصرة المقاومة بالسلاح و التدريب و السياسة بصرف النظر عن الأهداف الخاصة لكل طرف من هذا الحلف. ب- حلف مضاد للمقاومة الفلسطينية يضم اميريكا و دولة الاحتلال الذي يسعى الى تقويض محور المقاومة و اضعاف المقاومة الفلسطينية. يقع بين ذلك مشتبهات تتمثّل في طرفين: أ- تعلن تركيا مساندتها للمقاومة الفلسطينية لكنها لا تقدم عملياً شيئاً للمقاومة الفلسطينية بل تُقيم علاقات امنية و اقتصادية مع كيان الأحتلال، ثم أنّ تركيا تغذي عمليات الفصائل -لأهدافها الخاصة- في توقيت تحتاج فيه المقاومة لبقاء سوريا في صفها. و هذا يجعل دور تركيا الحالي في غير مصلحة المقاومة الفلسطينية. ب- تسعى الفصائل المسلحة للسيطرة على سوريا تحت اهداف علنية و سرية مختلفة؛ يختلط فيها الوطني الصادق مع الأجندات الخارجية بشكل يصعب الفرز بينهما. بالمحصلة، انّ اشاعة الفوضى في سوريا في ظل الظروف الراهنة لا يخدم المقاومة الفلسطينية لأنها تزيح أنظار العالم عن غزة و تُضعف خط اسناد غزة لذلك لا تفرح المقاومة حسب حسابات المرحلة باضعاف الأسد و حزب الله و ايران و روسيا بينما يُسَر من ذلك الحلف الأخر.
(6) الأردن: تتمثّل مصلحة الأردن -جار سوريا من الجهة الشمالية- في وقف الحرب و الحفاظ على وحدة سوريا و استقرارها. يخدم ذلك الأردن في ضبط أمن الحدود مع سوريا، و ضبط عمليات تهريب الاسلحة و المخدرات، و ضبط تسلّل عناصر مسلحة الى الأردن،و يريح الأردن من خطر سيطرة فصائل مسلحة ذات منطلقات ايديولوجية و اجندات خارجية متباينة يصعب ضبطها في سوريا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد