د. بني سلامة يدعو لتكاتف وطني لتحقيق طموحات الشعب الأردني

mainThumb
د. بني سلامة خلال المحاضرة

03-12-2024 10:39 PM

عمان – السوسنة - ألقى الأستاذ الدكتور محمد بني سلامة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك والخبير الدولي في دراسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، محاضرة بعنوان "الأحزاب السياسية الأردنية بين الماضي والحاضر وآفاق المستقبل" مساء اليوم في المنتدى العربي. تناولت المحاضرة جذور العمل الحزبي في الأردن، مساره التاريخي، التحديات التي واجهها، وآفاق تطوره في ظل التحولات الراهنة.
إرث سياسي غني ومسيرة نضال وطني
استهل د. بني سلامة حديثه بالتأكيد على أن الأردن يحمل إرثًا سياسيًا واجتماعيًا غنيًا يشكل حجر الأساس للحياة الحزبية. وقال:"تاريخ الأردن يمثل نموذجًا مليئًا بالكفاح والتطور، وضع أسسًا راسخة لدولة المؤسسات والحكم الرشيد."
وأشار إلى أن النسيج السياسي الأردني، منذ تأسيس المملكة، أرسى بيئة خصبة لتطور الأحزاب، والتي تأثرت بتحولات اجتماعية وسياسية محلية وإقليمية. وركز على الدور الذي لعبته هذه التحولات في صياغة العمل الحزبي، مؤكدًا أن الأحزاب يمكنها الاستفادة من هذا الإرث لمواجهة تحديات الراهن وبناء مستقبل يعكس تطلعات الشعب الأردني.
الأردن في مرآة الماضي: بدايات النضال الحزبي
تناول المحاضر بدايات النشاط السياسي في الأردن قبل تأسيس الدولة الحديثة، مشيرًا إلى انخراط الأردنيين في الحركات السياسية والقومية الكبرى في المنطقة، مثل الجمعية العربية الفتاة وحزب الاستقلال.
وأوضح أن هذه الحركات جسدت الوعي السياسي المبكر للأردنيين، خصوصًا في دعم القضايا القومية مثل استقلال العرب ومناهضة الاستعمار الأجنبي، مما وضع الأردن في قلب النضال العربي.
الأحزاب السياسية: تحديات الانتداب وتأسيس الدولة
استعرض بني سلامة المرحلة الممتدة بين عامي 1928 و1946، موضحًا كيف واجهت الأحزاب السياسية تحديات كبيرة في ظل الانتداب البريطاني. ورغم هذه الضغوط، كانت هناك محاولات لتأسيس نظام سياسي يعبر عن إرادة المواطنين، من خلال المؤتمرات الوطنية والأحزاب الأولى مثل حزب الشعب الأردني.
وأضاف أن الانتداب البريطاني لعب دورًا معرقلًا لتطور الأحزاب، حيث قوبلت الحركات الوطنية بالقمع. ومع ذلك، أسهمت هذه التجربة في تشكيل الأسس السياسية للدولة الأردنية.
الحقبة الذهبية: العمل الحزبي بين الأمل والتحديات (1946-1957)
وصف بني سلامة فترة الخمسينيات بأنها "الحقبة الذهبية" للحياة الحزبية في الأردن، حيث شهدت صدور دستور 1952 الذي سمح بتأسيس الأحزاب. وأشار إلى تشكيل حكومة سليمان النابلسي في عام 1956، كأول حكومة حزبية في تاريخ الأردن، معتبرًا هذا الحدث خطوة جريئة نحو الديمقراطية الحزبية.
ومع ذلك، أشار إلى أن هذه المرحلة انتهت بحل الأحزاب عام 1957 بسبب التوترات السياسية والإقليمية، مما أوقف مسيرة العمل الحزبي.
التحديث السياسي: انطلاقة جديدة منذ 1989
انتقل المحاضر إلى الحديث عن عودة الحياة الحزبية في الأردن بعد انتهاء الأحكام العرفية عام 1989، وإقرار قانون الأحزاب السياسية عام 1992. وأكد أن هذه الفترة شهدت تنوعًا في الأحزاب، لكنها واجهت تحديات مثل ضعف القواعد الشعبية والقيود التشريعية، مما أثر على قدرتها في تحقيق أهدافها.
وأشار إلى مشروع التحديث السياسي لعام 2022، الذي جاء لتعزيز دور الأحزاب السياسية من خلال إصلاحات شملت خفض سن الترشح واعتماد نظام التمثيل النسبي المختلط، مع تخصيص مقاعد للأحزاب في البرلمان.
آفاق المستقبل: مسؤولية جماعية وإصلاحات جوهرية
في ختام محاضرته، شدد بني سلامة على أهمية استلهام دروس الماضي لتطوير العمل الحزبي. وقال:"نحن أمام مسؤولية تاريخية لتوجيه طاقاتنا نحو بناء نظام سياسي يعكس تطلعات الشعب الأردني، ويحقق الاستقرار والازدهار."
ودعا إلى تعزيز الديمقراطية الداخلية في الأحزاب، وإعادة بناء الثقة مع المواطنين من خلال برامج واقعية تلبي احتياجاتهم.
وأكد أن الأحزاب السياسية الأردنية قادرة على تحقيق التغيير المنشود إذا ما تبنت استراتيجيات جديدة تراعي التحديات الراهنة، مع الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز المشاركة الشعبية.
واختتم د. بني سلامة المحاضرة بدعوة إلى التكاتف الوطني لتحقيق طموحات الشعب الأردني، قائلاً:"نحن في الأردن نمتلك رصيدًا غنيًا من الكفاءات والخبرات، وعلينا أن نستثمره لصياغة مستقبل يليق بهذا الوطن وقيادته وشعبه."
وشهدت المحاضرة حضورًا كبيرًا من الأكاديميين والمهتمين بالشأن السياسي، حيث أثارت العديد من النقاشات حول مستقبل الأحزاب ودورها في الحياة السياسية الأردنية.

وتالياً نص المحاضرة :


بسم الله الرحمن الرحيم

ا د محمد تركي بني سلامة


في محاضرتنا اليوم، التي تحمل عنوان "الأحزاب السياسية الأردنية بين الماضي والحاضر وآفاق المستقبل"، نغوص في أعماق التاريخ السياسي والاجتماعي للأردن، مستلهمين منه دروسًا غنية لصياغة مستقبل مشرق لوطننا. إن تاريخ الأردن بما يحمله من تجارب مليئة بالكفاح والتطور يمثل نموذجًا يُحتذى، ويضع بين أيدينا أسسًا راسخة يمكن أن تعتمد عليها الأحزاب الحديثة للسير نحو بناء دولة المؤسسات والحكم الرشيد .

لقد شكل النسيج السياسي والاجتماعي للأردن منذ تأسيس المملكة أساسًا متينًا للحياة الحزبية. في هذا اللقاء، نستعرض كيف أثرت التحولات السياسية والاجتماعية على مسار الأحزاب السياسية في الماضي والحاضر، وكيف يمكن للأحزاب القائمة أن تستفيد من هذا الإرث العريق لمواجهة تحديات الراهن وبناء مستقبل يحقق طموحات الشعب الأردني .

الإرث السياسي والاجتماعي للأردن ليس مجرد تاريخ يُروى، بل هو العمود الفقري الذي يدعم مسيرتنا نحو تحقيق الازدهار والعدالة. إنه العمود الذي يدعم الديمقراطية الفاعلة والمشاركة الشعبية الحقيقية، بما يضمن تمثيلًا شاملًا وعادلًا لكل المواطنين. نحن في الأردن نمتلك رصيدًا غنيًا من الكفاءات والخبرات، وهو رصيد يجب أن يُوجه نحو تحقيق الأهداف الوطنية العليا، مع الحرص الدائم على أن تبقى مصلحة الوطن فوق كل اعتبار .

لنستلهم من ماضينا العريق لبناء حاضر نفخر به جميعًا ومستقبل يليق بتطلعات الأردن وقيادته وشعبه. بفهمنا لتاريخنا واستلهامنا لدروسه، يمكننا مواجهة التحديات الراهنة وتطوير نظامنا السياسي ، دافعين بوطننا نحو آفاق جديدة من النمو والاستقرار. نحن أمام مسؤولية تاريخية لتوجيه طاقاتنا نحو بناء مستقبل يليق بوطننا وأجيالنا القادمة .

الأحزاب السياسية الأردنية: إرث قومي وبدايات النضال السياسي

قبل تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، كان المجتمع الأردني فاعلًا بشكل ملحوظ في الساحة السياسية، حيث أظهر التزامًا قويًا بإحداث تغيير من خلال المؤسسات السياسية. يعود هذا الانخراط السياسي إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، حين بدأت أولى الحركات السياسية في بلاد الشام بالنشاط. كان الأردنيون جزءًا من هذه الحركات، وأبرزها الجمعية العربية الفتاة، التي تعد من أهم المنظمات القومية العربية في مطلع القرن العشرين .
تأسست الجمعية العربية الفتاة في باريس عام 1913 على يد مجموعة من الطلاب والمثقفين العرب المقيمين في أوروبا، وارتكزت أهدافها على الدعوة إلى استقلال العرب والتحرر من السيطرة العثمانية والأجنبية. لاحقًا، في عام 1918، وفي ظل حكم الملك فيصل الأول في سوريا، تم تأسيس حزب الاستقلال كامتداد لهذه الجمعية، ليجسد تطلعات الحركة القومية العربية بقيادة نخب عربية تسعى لتحقيق التحرر الكامل للوطن العربي .
هذا الانخراط المبكر في العمل السياسي والقومي يبرز الدور البارز للأردنيين في دعم القضايا القومية الكبرى، خاصة تلك المتعلقة بمقاومة الاحتلال الأجنبي وتعزيز الهوية العربية، مما يعكس وعيًا سياسيًا مبكرًا وشعورًا عميقًا بالمسؤولية تجاه القضايا المصيرية للأمة العربية .

انضم إلى حزب الاستقلال عدد من القادة الأردنيين البارزين الذين أسهموا في صياغة الحركة الوطنية الأردنية وبناء مسارها، مثل راشد الخزاعي ومثقال الفايز وسليمان السودي وسالم الهنداوي وتركي الكايد وحديث الخريشة وسعيد خير وغيرهم . كان هدف الحزب ومبادئه واضحة ومباشرة: الاستقلال الكامل للبلاد العربية، الوحدة القومية، ورفض أي شكل من أشكال الاحتلال الأجنبي، بالإضافة إلى تأكيد عروبة فلسطين، وهي قضية محورية في برامج الحزب .

مع اندلاع معركة ميسلون ودخول القوات الفرنسية الغازية إلى دمشق في عام 1920، اضطر قادة الحركة الوطنية السورية، بمن فيهم قادة حزب الاستقلال، إلى مغادرة سوريا والتوجه إلى الأردن. كان ذلك بعد وصول الأمير عبد الله بن الحسين إلى معان، حيث تحولت عمان في تلك الفترة إلى مركز للحركة الوطنية السورية. لكن مع الضغط المتزايد من قبل سلطات الانتداب البريطاني، اضطر الأمير عبد الله إلى الحد من دعم هذه الحركات القومية، مما أدى إلى تراجع النشاط السياسي لحزب الاستقلال في البلاد .

ومع ذلك، لم يتوقف تأثير أعضاء حزب الاستقلال في الحياة السياسية الأردنية؛ فقد شاركوا في تأسيس النظام السياسي الأردني وأسهموا بشكل كبير في إدارة الدولة الجديدة. تبوأ هؤلاء القادة مواقع قيادية، مما يعكس ارتباطًا قويًا بين الحركة الوطنية الأردنية والتوجهات القومية. فالحكومات الأولى التي تشكلت في البلاد كانت بقيادة شخصيات من حزب الاستقلال، وهذا يوضح كيف أن الأردنيين في تلك الفترة قدموا الهوية القومية العربية على الهوية الوطنية ، إذ كان الانتماء العربي هو الرابط الأهم في تلك المرحلة من تاريخ الأردن .

رغم هذا النشاط الحزبي المتزايد، كانت تحديات الانتداب البريطاني كبيرة. إذ كان الأردنيون يرفضون الهيمنة البريطانية التي فرضت عليهم دون رغبتهم، وفي الوقت الذي كانت فيه البلاد في حاجة إلى البناء والتحديث وإقامة المؤسسات السياسية التي تلبي طموحات الشعب، عملت سلطات الانتداب على فرض سياسات تهدف إلى الحفاظ على مصالحها الاستعمارية، وتحديدًا في ما يتعلق بالمشروع الصهيوني في فلسطين. هذه السياسات كانت تتعارض مع مصالح الشعب الأردني، وأدت إلى تصاعد حركات المقاومة ضد الانتداب، حيث قوبلت هذه الحركات بالقمع الشديد من قبل السلطات البريطانية .

إن تجربة الأحزاب السياسية في الأردن في تلك المرحلة تعكس مرحلة غنية بالتحديات والفرص. فقد كانت هذه الأحزاب تسعى لتحقيق الاستقلال والوحدة، وفي الوقت نفسه كانت تواجه ضغوطًا سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة. رغم العقبات التي واجهتها، فإن هذه الحركات أسهمت في تأسيس الأسس السياسية للدولة الأردنية، وكانت لها دور بارز في تشكيل هوية البلاد السياسية والقومية .

النضال الحزبي الأردني لم يكن مجرد نضال من أجل الحكم، بل كان نضالًا من أجل الاستقلال الوطني والقومي، ومن أجل بناء دولة تحقق العدالة والمشاركة السياسية. ومع أن هذه المرحلة شهدت الكثير من التحديات والإخفاقات، إلا أنها وضعت الأسس للحياة السياسية التي نراها اليوم في الأردن، والتي لا تزال تتطلع إلى تحقيق المزيد من الديمقراطية والمشاركة الشعبية الفاعلة .

أن الأحزاب السياسية في الأردن قبل عام 1928 كانت نواة لتشكيل وعي سياسي قومي، حيث كان النضال من أجل الحرية والوحدة يتقدم على أي اعتبارات أخرى. هذه التجربة الحزبية شكلت الأساس لبناء النظام السياسي الأردني وكانت تجربة رائدة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. ومن خلال دراسة هذه الفترة، يمكن أن نفهم كيف تشكلت الهوية السياسية الأردنية المبكرة وكيف أن العمل الحزبي كان وسيظل جزءًا مهمًا من النضال الوطني الأردني لتحقيق مستقبل أفضل للبلاد والعباد.


الاحزاب السياسية الأردنية بين النضال الوطني والتحديات الاستعمارية: 1928-1946
خلال الفترة الممتدة من عام 1928 حتى عام 1946، شهد المجتمع الأردني نشاطًا سياسيًا وطنيًا مكثفًا في ظل التوقيع على المعاهدة الأردنية البريطانية وصدور القانون الأساسي. لعبت هذه الحقبة دورًا رئيسيًا في تشكيل الحركة الوطنية الأردنية، حيث شهدت تأسيس الأحزاب السياسية وعقد المؤتمرات الوطنية التي كانت منابر لعرض المطالب السياسية وتأكيد الهوية الوطنية في مواجهة الانتداب البريطاني، والذي كان يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة وعلى راسها مشرعه الصهيوني في فلسطين، متجاهلًا تطلعات الشعب الأردني للاستقلال وبناء دولة حديثة .

خلال هذه الحقبة، عكست المؤتمرات الوطنية الأردنية وظهور الأحزاب السياسية مستوى متقدمًا من الوعي السياسي والتوجه الوطني لدى المواطنين الأردنيين. من بين الأحزاب التي نشأت خلال تلك الفترة كان حزب الشعب الأردني عام 1927، الذي تبنى مجموعة من الأهداف العامة مثل المطالبة بالحكم الدستوري وصيانة الحريات العامة وتحسين الأوضاع الاقتصادية، إلا أن الحزب لم يتمكن من تحديد آليات عملية واضحة لتنفيذ هذه الأهداف، ما جعله غير قادر على إحداث تأثير كبير في الساحة السياسية .

لم تقتصر الحركة السياسية في تلك الفترة على حزب الشعب، بل شهدت أيضًا تأسيس أحزاب أخرى تحت تأثير الضغوط الوطنية، مثل حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الأردني الأول عام 1929، والذي تأسس عقب انعقاد المؤتمر الوطني الأول ليصبح بمثابة خريطة طريق للعمل الوطني. وكان هذا الحزب من بين الأحزاب الأطول عمرًا خلال تلك الفترة حيث استمر حتى عام 1936، وعمل على إصدار جريدة "الميثاق" كمنبر للتعبير عن رؤاه وأهدافه السياسية .

رغم النشاط السياسي المكثف وتأسيس عدد من الأحزاب، إلا أن الزعامات التقليدية من وجهاء وأعيان ومشايخ البلاد استحوذت على قيادة العمل الحزبي، مما أفقد تلك الأحزاب صلتها بالجماهير، وجعل معظمها مؤسسات فوقية محدودة الإمكانيات. تميزت هياكل هذه الأحزاب بالبساطة، وافتقرت إلى التنظيمات القوية التي يمكن أن تُعزز من قدرتها على الاستمرارية وكذلك مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية في تلك الفترة .
كما شهدت تلك الفترة ظهور أحزاب محافظة بإيعاز وتشجيع من الحكومة، إلا أن هذه الأحزاب لم تحظَ بشعبية تُذكر، وكانت شعاراتها العامة لا تحظى بتأييد واسع من قبل المواطنين. من هذه الأحزاب حزب "الحر المعتدل" الذي أسس عام 1930، إلا أنه لم ينجح في مواجهة اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الأردني، وسرعان ما اختفى عن المشهد السياسي بسبب الافتقار إلى الدعم الشعبي والإجماع الوطني على أهدافه .

بالإضافة إلى ذلك، ظهر في المشهد السياسي الأحزاب الدينية مثل جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في عام 1946. وتميزت هذه الجماعة بقدرتها على الحفاظ على علاقة ودية مع النظام السياسي الأردني منذ تأسيسها، مما مكّنها من الاستمرار والتوسع في العمل السياسي والاجتماعي، على عكس العديد من الأحزاب الأخرى التي لم تتمكن من البقاء أو التأثير .

التحولات السياسية في الأردن خلال تلك الفترة لم تكن سهلة، فبعد توقيع المعاهدة الأردنية البريطانية، كانت البلاد بحاجة إلى تحديث مؤسساتها وبناء نظام سياسي يعبر عن إرادة المواطنين. إلا أن سلطات الانتداب البريطاني عملت على قمع أي تحرك شعبي يسعى إلى التحرر والاستقلال، واستخدمت وسائل القمع ، مما أدى إلى تأخير تطور الحياة السياسية في البلاد . و رغم التحديات السياسية والقيود التي فرضها الانتداب البريطاني، إلا أن تلك الفترة شكلت مرحلة مهمة في بناء الوعي السياسي لدى الأردنيين، وأبرزت الإرادة القوية لدى الشعب في السعي نحو الاستقلال وإقامة نظام حكم نيابي سليم يعبر عن تطلعاتهم .

الحقبة الذهبية والتحديات السياسية للأحزاب الأردنية 1946-1957

بعد الاستقلال في عام 1946 وصدور الدستور ، بدأت الأحزاب السياسية في الأردن تتخذ شكلاً أكثر تنظيمًا وفاعلية. كان للأحزاب القومية واليسارية دور بارز، حيث كانت هذه الأحزاب تعبّر عن معارضة قوية للسياسات الاستعمارية وتدعو للإصلاحات السياسية والاجتماعية. تميزت هذه الأحزاب بقاعدتها الشعبية الواسعة وبرامجها الطموحة، الأمر الذي جذب تأييد الجماهير وعزز من مكانتها داخل المجتمع الأردني .


في الخمسينيات، شهد الأردن فترة ذهبية في تاريخه السياسي، حيث كانت تلك الحقبة مليئة بالنشاط الحزبي المؤثر والفعال. تميزت تلك الفترة بظهور الأحزاب السياسية التي أخذت على عاتقها مواجهة التحديات الوطنية والقومية التي كانت تعصف بالمنطقة، مما جعلها فترة فريدة من نوعها في تاريخ الأردن السياسي. لقد جاءت الأحزاب ببرامج واضحة تعبر عن طموحات الشعب الأردني وتتناول القضايا الوطنية والقومية بجدية، وهو ما أكسبها تأثيرًا كبيرًا وفاعلًا .
بين عامي 1950 و1957، شهدت الساحة السياسية الأردنية تحولًا هامًا، خاصة بعد صدور دستور 1952، الذي نص على حق الأردنيين في تأسيس الأحزاب السياسية. أسفر هذا التطور عن ظهور أحزاب جديدة ومحاولات لتشكيل حكومات ذات طابع حزبي، مثل حكومة سليمان النابلسي التي تشكلت في عام 1956. كانت هذه الحكومة الأولى والوحيدة في تاريخ الأردن التي جاءت بقيادة حزبية مباشرة، ما مثّل خطوة جريئة نحو تكريس مفهوم الديمقراطية الحزبية. جاءت هذه الحكومة كنتيجة لانتخابات نيابية تنافسية، تميزت بتعددية حزبية تُعتبر نادرة في ذلك السياق التاريخي .

يُعد عام 1956 نقطة تحول بارزة في تاريخ الحياة الحزبية الأردنية، حيث أُجريت الانتخابات النيابية وفق نظام التعددية الحزبية، مما أوجد بيئة تنافسية حقيقية وسط تأثيرات الحرب الباردة وسياقاتها الإقليمية. أسفرت الانتخابات عن فوز الحزب الوطني الاشتراكي، الذي قاده سليمان النابلسي إلى تشكيل الحكومة. عكس هذا الحدث رغبة شعبية واضحة في تبني نموذج ديمقراطي يتيح للأحزاب السياسية المشاركة الفاعلة في صنع القرار الوطني .

ومع ذلك، لم تدم هذه التجربة طويلًا؛ ففي عام 1957، أقال الملك حسين حكومة النابلسي وحل الأحزاب السياسية، كما حظر نشاطاتها، منهياً بذلك المرحلة الذهبية للعمل الحزبي في الأردن. خلال العقود التالية، وخصوصًا في الستينيات والسبعينيات، ركزت القيادة الأردنية جهودها على تحقيق التنمية الاقتصادية وتأمين الاستقرار الداخلي، وسط تحديات إقليمية متزايدة شملت الحروب مع إسرائيل والتوترات السياسية في المنطقة. هذه التحولات أثرت بشكل كبير على بنية النظام السياسي ومسار الحياة الحزبية في المملكة .

رغم هذا الزخم والنشاط الحزبي الكبير، انتهت تلك الفترة بتراجع دراماتيكي في تأثير الأحزاب، نتيجة التدخلات الحكومية والتغييرات السياسية الإقليمية. كان النظام السياسي في الأردن يميل إلى الحفاظ على قاعدة الولاء التقليدية، وفضل في بعض الأحيان الاعتماد على القيادات القبلية بدلاً من الأحزاب لتمثيل مصالحه، مما أثر سلبًا على دور الأحزاب في صنع القرار الوطني .

إن تقييم هذه الفترة يبرز بوضوح الدور الحيوي الذي لعبته الأحزاب السياسية في الأردن، والتحديات التي واجهتها في محاولتها الانتقال من دور المعارضة إلى السلطة. لقد أثبتت هذه المرحلة أن الأحزاب السياسية لم تكن مستعدة بشكل كامل للتكيف مع الظروف المتغيرة والانتقال بسلاسة من مرحلة الاستقلال الى مرحلة التحديث والاستقرار. هذا النقص في المرونة والقدرة على التكيف أدى في نهاية المطاف إلى زوال المؤسسات الحزبية، وإغلاق الباب أمام تجربة ديمقراطية واعدة .

يمكن القول إن التجربة السياسية الأردنية في الخمسينيات كانت تجربة فريدة حملت معها آمالًا كبيرة في الانتقال نحو ديمقراطية أكثر تشاركية، لكنها واجهت عقبات كبرى حالت دون استمرارها.. ومع ذلك، تبقى هذه الفترة من تاريخ الأردن السياسي درسًا مهمًا في كيفية تشكيل الأحزاب لتكون أدوات حقيقية للتغيير، وكيف أن التحولاتت السياسية لا تحدث دون التكيف الفعّال والقدرة على الاستجابة للمتغيرات الوطنية والدولية .


التحولات الديمقراطية وتحديات الأحزاب السياسية في الأردن 1989-حتى اليوم

منذ نهاية الأحكام العرفية في الأردن وحتى اليوم، شهدت الأحزاب السياسية في الأردن تحولات جذرية وواجهت تحديات كبيرة. بدأت هذه الفترة بإعلان الانفراج الديمقراطي في عام 1989، مما منح الفرصة لإعادة تنظيم الحياة الحزبية بعد عقود من الحظر والقيود التي بدأت في عام 1957. خلال هذه الفترة، استكشفت الحكومة سبلًا لملء الفراغ السياسي من خلال إنشاء مؤسسات بديلة مثل مشروع الاتحاد الوطني وتعزيز دور النقابات المهنية، التي لعبت دورًا بارزًا في الساحة السياسية كبديل للأحزاب التقليدية .
نهاية الثمانينيات مثلت نقطة تحول حيث بدأ الأردن تدريجيًا في تخفيف القيود على النشاط السياسي، مما أدى إلى إعادة إحياء الحياة الحزبية. في عام 1989، وفي أعقاب اضطرابات شعبية ومطالب بالديمقراطية، شهد الأردن انتخابات نيابية وُصفت بأنها من الأنزه في تاريخه الحديث، مما أعاد تشكيل المشهد السياسي بظهور أحزاب جديدة وتنشيط الدور البرلماني في الحياة السياسية ، ما مهد الطريق أمام تطورات ديمقراطية أكبر في التسعينيات .
برزت مرحلة جديدة من الانفتاح الديمقراطي مع تبني قانون الأحزاب السياسية عام 1992، والذي مكّن من تشكيل الأحزاب السياسية بمجرد جمع خمسين مؤسسًا. هذا القانون شكّل نقطة تحول في المشهد السياسي الأردني، إذ أتاح المجال لتنوع واسع من الأحزاب ذات التوجهات المختلفة مثل القومية واليسارية والدينية، وكذلك الوسطية، بقيادة شخصيات سياسية ذات خلفيات حكومية وعسكرية. رغم هذا التنوع، ظلت الأغلبية العظمى من الأحزاب ضعيفة التأثير، ولم تتمكن من استقطاب قواعد جماهيرية واسعة، باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي نجح في تأسيس نفسه كأحد أبرز القوى السياسية في الأردن .
العوامل التي أسهمت في ضعف الأحزاب السياسية في الأردن عديدة ومتنوعة، ولعل أبرزها التشريعات والقوانين التي فرضت قيودًا صارمة على تشكيلها وتوسعها. منذ إصدار قانون الأحزاب السياسية عام 1992، وما تلاه من تعديلات، برزت عقبات جوهرية تحد من حرية إنشاء الأحزاب وتفاعلها مع المجتمع. من هذه القيود، الشروط المتعلقة بعدد المؤسسين وتوزيعهم الجغرافي ، التي تغيرت من 500 مؤسس بموجب قانون 2007 إلى 150 مؤسسًا في قانون 2015، ما يعكس التذبذب في سياسات الدولة تجاه العمل الحزبي .
بناءً على المفهوم الإرادوي (Voluntarism) إن الأصل في إنشاء الأحزاب السياسية يجب أن يكون الإرادة الحرة لأفراد المجتمع، حيث يُنظر إلى المجتمع كنتاج لإرادة مشتركة وليس كيانًا ثابتًا تُحدده عوامل تقليدية كالعرق أو الجغرافيا. وفق هذا المفهوم، ينبغي أن تقوم الأحزاب على حرية اختيار الأفراد للانتماء إلى إطار سياسي يعبّر عن أهدافهم وقيمهم المشتركة، بعيدًا عن القيود المفروضة التي تحد من التفاعل الديمقراطي الحقيقي .
الأحزاب السياسية، وفق هذا المنظور، ليست مجرد أدوات تنظيمية، بل هي تجسيد للإرادة التعاقدية للأفراد الذين يسعون لتحقيق العدالة والمساواة والحرية من خلال عمل سياسي جماعي. القيود المفروضة على إنشاء الأحزاب تتناقض مع هذا المبدأ، حيث تُحجم الإرادة الحرة وتحول الأحزاب إلى كيانات مصطنعة تفتقر إلى الشرعية الشعبية. لضمان بناء أحزاب فعّالة، يجب أن تكون التشريعات داعمة للإرادة الحرة، مع إفساح المجال لتنوع الهويات والانتماءات، بما يعزز المشاركة السياسية الفاعلة ويضمن تمثيلًا حقيقيًا لإرادة المجتمع .

إضافةً إلى ذلك، لعبت الرقابة الحكومية المشددة دورًا كبيرًا في تقويض مصداقية الأحزاب والحد من قدرتها على تبني أدوار سياسية مستقلة وفعّالة. استراتيجيات الحكومة تجاه الأحزاب تأرجحت بين الاحتواء والقمع، حيث عملت السلطات على دمج بعض الشخصيات المعارضة في النظام لتأمين السيطرة، فيما واجهت الأحزاب التي رفضت الانصياع للضغوط الحكومية قمعًا وإجراءات صارمة. هذا الأسلوب أسهم في خلق بيئة حزبية مشوهة تفتقر إلى الحرية والتنافسية، مما حول الكثير من الأحزاب إلى مجرد كيانات شكلية .
ومما زاد الطين بلة، فإن الكثير من الانتقادات قد وُجهت نحو هذه الأحزاب بسبب غياب الديمقراطية الداخلية وفشلها في صياغة برامج واقعية تلبي تطلعات واحتياجات الشعب الأردني. هذه الأحزاب، كما وصفها اشهر دارس للأحزاب السياسية موريس دوفرجية، تعد مجرد تجمعات لأفراد حول قائد مؤثر بدلاً من كونها مؤسسات ديمقراطية حقيقية تعبر عن إرادة المواطنين .

مشروع التحديث السياسي: إصلاحات تشريعية وتحديات مستقبلية

لمواجهة التحديات التي تواجه الحياة السياسية في الأردن، شهد عام 2022 إطلاق مشروع التحديث السياسي، الذي يهدف إلى إعادة هيكلة النظام السياسي وتعزيز دور الأحزاب كمنصات حقيقية للتعبير عن إرادة الشعب وأدوات فعّالة لتحقيق التغيير المنشود. يعكس هذا المشروع التزام الدولة بتعزيز مبادئ الديمقراطية والشفافية، وتهيئة الساحة السياسية لتمكين الأحزاب من أداء دور أكبر وأكثر تأثيرًا .
تضمنت جهود التحديث السياسي سلسلة من الإصلاحات التشريعية التي استهدفت تحسين البيئة القانونية للعمل الحزبي والانتخابي، مما أفسح المجال أمام الأحزاب للمشاركة الفاعلة في الانتخابات البرلمانية. شملت هذه الإصلاحات خفض سن الترشح للانتخابات من 30 إلى 25 عامًا، واعتماد نظام التمثيل النسبي المختلط، الذي يمنح الناخبين حق التصويت لقائمتين: قائمة على مستوى الدوائر المحلية، وأخرى على المستوى الوطني مخصصة للأحزاب السياسية .
ومن أبرز التعديلات تخصيص 41 مقعدًا من أصل 138 في مجلس النواب للقوائم الحزبية الوطنية، بالإضافة إلى تخصيص حصص محددة للنساء والأقليات، بهدف ضمان تمثيل أوسع يعكس تنوع المجتمع الأردني ويعزز المشاركة الشاملة في العملية السياسية. هذه التغييرات تؤكد السعي نحو بناء نظام سياسي أكثر شمولية وتمثيلًا، قادر على مواكبة تطلعات المواطنين وتحقيق الإصلاح المنشود .
على الرغم من هذه التطورات، لا تزال الأحزاب السياسية في الأردن تواجه تحديات كبيرة، أبرزها بناء قواعد جماهيرية قوية وتقديم برامج عملية تلبي تطلعات المواطنين المتنوعة. كما أن البيئة السياسية تستدعي المزيد من الانفتاح لضمان منافسة حرة وعادلة تعزز الثقة بين الأحزاب والمجتمع

في سياق التحديث السياسي الذي شهده الأردن، برز نوع جديد من الأحزاب السياسية التي نشأت في كنف السلطة، حيث تميزت بظهور سريع وتضخم ملحوظ دون المرور بالشروط الطبيعية التي ترافق عادة تشكيل الأحزاب السياسية. هذه الأحزاب افتقرت إلى البيئة الديمقراطية التي تتيح للأعضاء المشاركة الحقيقية في صنع القرار، مما جعلها أقرب إلى كيانات مصنّعة بعيدة عن نبض الشارع وقضاياه .
إن الأحزاب التي تولد في ظل السلطة تعاني غالبًا من انعدام المصداقية وتراجع الشعبية، لأنها لا تنبثق من احتياجات المجتمع ولا تعبّر عن إرادته الحقيقية. وبدلًا من أن تكون أدوات فعالة للتغيير والإصلاح، تصبح مجرد واجهات شكلية تفتقر إلى البرامج الواضحة والرؤية الاستراتيجية. هذا النوع من الأحزاب يساهم في إضعاف ثقة المواطنين بالعملية الديمقراطية، ويحوّل العمل الحزبي إلى مسرحية سطحية لا تقدم حلولًا عملية للقضايا الوطنية .
إن التجربة السياسية في الأردن تسلط الضوء على أهمية بناء أحزاب سياسية قائمة على قواعد ديمقراطية حقيقية، تعمل على تعزيز الهوية الوطنية وتقديم برامج تلبي تطلعات الشعب. وحدها الأحزاب ذات الجذور الشعبية القوية والارتباط الحقيقي بالمجتمع قادرة على استعادة ثقة المواطنين والمساهمة في بناء نظام سياسي يعكس إرادة الشعب ويحقق الإصلاح المنشود .
في ظل هذه التحولات، تبرز الحاجة الملحة لإعادة تقييم دور الأحزاب وتحديث هياكلها لضمان قدرتها على مواجهة التحديات الراهنة وتلبية طموحات الشعب الأردني. يتطلب ذلك إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والأحزاب، مع تحسين الأطر القانونية والانتخابية التي تنظم عملها، وتعزيز آليات التواصل مع الجمهور .
تحقيق هذه الأهداف يتطلب العمل على توفير بيئة ديمقراطية حقيقية تتيح مشاركة فاعلة للأحزاب في العملية السياسية. من شأن هذه الجهود أن تسهم في تجديد الحياة السياسية وتعزيز الديمقراطية بما يتماشى مع تطلعات الشعب الأردني وروح العصر، مما يفتح الباب أمام نظام سياسي أكثر شمولية وتمثيلًا .
إن التطلع الشديد لدى المواطنين لرؤية تغيير حقيقي يستدعي تأسيس أحزاب جديدة تقدم برامج واقعية ومؤثرة تتلاءم مع متطلبات العصر وتحدياته. هذه الأحزاب يجب أن تكون قادرة على مخاطبة القضايا الرئيسية التي تؤثر على الحياة اليومية للمواطنين وأن توفر منصات حقيقية للتعبير عن الآراء والتطلعات .


استلهام دروس الماضي لتحقيق تطلعات المستقبل

في ختام محاضرتنا اليوم، نلتقي مع تاريخ الأردن الغالي و الغني والمسيرة الحافلة بالتحديات والتحولات التي شهدتها الأحزاب السياسية منذ عهد الإمارة وحتى اليوم . من خلال استعراضنا للتاريخ السياسي والاجتماعي للأردن، نكتشف كيف يمكن للأحزاب الحديثة الاستفادة من الإرث العريق لتعزيز مسار الحكم والمشاركة الشعبية الفعّالة. يبرز المشهد الحزبي في الأردن تاريخًا طويلًا من التحديات والفرص، ويسلط الضوء على الحاجة الملحة لإصلاحات جوهرية تعيد للأحزاب دورها كقوى فاعلة في تشكيل المستقبل السياسي للأردن. لقد كانت رحلة الأحزاب السياسية الأردنية محفوفة بالتحديات الجسيمة والتحولات الملموسة التي أثرت بعمق في مسار الحياة السياسية والحزبية في المملكة، وما تزال تؤثر حتى اليوم .
لنستلهم من دروس الماضي ونستخدمها كمنارة للمستقبل، حيث تكمن مسؤوليتنا في توجيه طاقاتنا وكفاءاتنا نحو تحقيق الأهداف الوطنية، مع الحرص على أن تظل مصلحة الأردن فوق كل اعتبار. بفهمنا للتاريخ واستلهامنا للدروس منه، يمكننا تجاوز التحديات الراهنة وتطوير نظام سياسي يعكس الأصالة والتحديث، دافعين بالأردن نحو آفاق جديدة من النمو والازدهار والاستقرار .
يجب على الأحزاب الجديدة والقائمة استغلال هذه اللحظة التاريخية كنقطة اننطلاق لتجديد دورها وتعزيز تأثيرها الفعال في المجتمع. من خلال التمسك بمبادئ الشفافية والعدالة، وتبني بنية تحتية قوية وديمقراطية، يمكن لهذه الأحزاب أن تشكل اللبنات الأساسية لنظام سياسي يعمل لصالح الجميع، ويعبر بصدق وفعالية عن إرادة الشعب .
وبينما نتطلع إلى المستقبل، يجب أن نتذكر بأن الديمقراطية ليست مجرد واجهة، بل هي عملية تشاركية تتطلب منا جميعًا أن نكون فاعلين ومشاركين بنشاط في تشكيل السياسات والقرارات التي تحدد ملامح حياتنا اليومية والمستقبلية. الاستفادة من دروس الماضي والبناء عليها، وتوجيه الطاقات والكفاءات نحو تحقيق الأهداف الوطنية، ستضمن أن تظل مصلحة الأردن وشعبه فوق كل اعتبار .
أعتذر عن الإطالة، وأرجو أن أكون قد وفقت في تقديم ما يليق بتطلعاتكم وما كنتم تتوقعونه من هذا الطرح المتواضع، الذي ينبع من حب عميق لهذا الوطن وحرص لا حدود له على مستقبله. إننا اليوم نقف عند مفترق طرق مهم في تاريخنا، على عتبات مرحلة جديدة مليئة بالفرص الواعدة والتحديات الكبيرة. نقف مستلهمين من تاريخنا الوطني العريق الذي سطره الأجداد بالتضحيات، ومن عزيمتنا الراسخة التي لا تعرف التراجع، مصممين على أن نبني حاضرًا يفتخر به كل أردني، ومستقبلًا يليق بعزيمة قيادتنا الحكيمة وشعبنا العظيم الذي لا يزال يقدم أروع صور الولاء والانتماء .
إن مسيرتنا الوطنية ليست مجرد سرد للتاريخ، بل هي شعلة من الأمل تتقد في قلوبنا جميعًا، مسؤولية نتحملها بكل إخلاص ووعي، وواجب وطني ندرك حجمه وأهميته. أسأل الله العلي القدير أن يوفقنا جميعًا في مساعينا لخدمة الأردن، وأن يحفظ هذا البلد العزيز بقيادته الهاشمية الحكيمة، وشعبه الوفي الذي ما انفك يثبت، في كل منعطف، معدنه الأصيل وحرصه على رفعة هذا الوطن .
نسأل الله أن يجنب وطننا الحبيب الفتن والمخاطر، وأن يديم علينا نعمة الأممن والأمان التي هي أساس النهضة والاستقرار. وأن يبقى الأردن دائمًا واحة من السلام والعز، نموذجًا في الوحدة والعطاء، منارة تضيء للعالم طريق الحكمة والإخلاص .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد