التواضع من شيم واخلاق الكبار

mainThumb

02-12-2024 08:48 PM

في جولتنا الأخيرة في نهاية الأسبوع مع الأحفاد في البراري، المرتفعات، والأغوار، مارسنا هواياتنا في إيقاد النيران في الليل البارد، والاستمتاع بعتمة الوادي ودفء نيران الحطب من مخلفات أشجار الحمضيات والزيتون.

وفي لحظة توقف في المرتفعات، استوقفني مشهد لمجموعة من العمال والعاملات الطيبين وهم يعملون في زراعة البصل والبقوليات وغيرها، بينما يراقبهم شخص يقف وكأنه في ميدان مراسم، على تلة مرتفعة، ملثمًا بشماغ لا يُعرف لونه عن بُعد، بسبب قِدَمه أو تأثير عوامل التعرية. لم تكن ترى منه سوى عينيه، وكان يعطي الأوامر لمن جار عليهم الزمان بالإشارة.

وقد بدا من قوامه ووقفته أنه يمتلك القدرة على مشاركتهم في الزراعة أو حتى التحضير، ولو بتقريب البذار إليهم بدافع المجاملة. هذا المشهد ذكرني بمراقب عمال "النقطة الرابعة" (بعثة العمل الأمريكية) في خمسينيات القرن الماضي، والتي كانت تقوم بفتح الطرق الزراعية وغيرها عبر تشغيل العمال بالأدوات البسيطة، مقابل أجور لا تتجاوز العشرين قرشًا في اليوم الواحد.

أما المراقبون، الذين كانوا يُطلق عليهم اسم "وقيفة"، فقد كانوا يتجبرون في التعامل مع العمال. علمًا بأنهم كانوا يتقاضون خمسة قروش زيادة عن العمال، إلا أن تصرفاتهم كانت تعكس جلافة وتكبرًا، كأنهم من خريجي هارفارد في تعاملهم المتعالي مع الآخرين.
خلاصة القول
إن التواضع مع العمال الفقراء، الذين يعملون بجد لتأمين قوت يومهم، يتجلى في مشاركتهم العمل ولو بأبسط الوسائل، بدلًا من الاكتفاء بإعطاء الأوامر والتعليمات التي قد تصل أحيانًا إلى الإهانة، خصوصًا في وجود نساء عاملات.
ويصل التواضع إلى قمّته عندما يتناول المراقب أو صاحب الأرض الغداء مع العمال في الحقل، جالسًا معهم على الأرض، على حجر أملس أو بقايا بطانية قديمة. مثل هذه التصرفات تُسهم في رفع معنوياتهم، مما ينعكس إيجابيًا على إنتاجهم.

لأن التواضع صفة محمودة تدل على طهارة النفس، وتدعو إلى المودة، والمحبة، والمساواة بين الناس. وينطبق هذا على كل مسؤول يتولى إدارة مجموعة من الأفراد، حيث عليه أن يتقي الله فيهم.
ختامًا
يحضرني هنا بيتا شعر للشاعر أحمد بن محمد الواسطي:

كم جاهلٍ متواضعٍ.. ستر التواضعُ جهلَهُ
ومبرزٍ في علمهِ.. هدم التكبرُ فضلَهُ

والله المستعان على المتكبرين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد