الانبهار أحد أسباب الانكسار

mainThumb

02-12-2024 08:42 PM

كثيراً ما نشهد سجالات قوية ونستمع لمناقشات حادة تدور رحاها خلال اللقاءات العلمية والجلسات الاجتماعية حول مدى التفوق الغربي في مختلف المجالات، يقابله تأخر وتراجع وانحدار كبير في الدول العربية. وغالباً ما تجد من يتبنى تلك الرؤى أشخاص مبهورين بالحضارة الغربية ممن هم ذو ثقافة ضحلة، أو ممن عاشوا وعملوا في الدول الغربية، ومنهم من أتيحيت لهم فرصة الدراسة مما سبب لهم انبهاراً بما شاهدوه هناك من تقدم في مختلف المجالات.
وتستشف من خلال تلك النقاشات الانبهار الشديد بالحضارة والثقافة الغربية والرغبة الجامحة للسير في ركابها، باعتبارها قدوة لهم. كما وسوف تشتم من حديثهم ما يفوح إستكباراً يظهر بوجه عام فراغاً فكرياً كبيراً. ويظهر ذلك جلياً بالتركيز على الشكل والمظاهر المادية دون التركيز على المضمون الحضاري، خاصة هؤلاء الذين يتعمدون الرطن باللغات الأجنبية في الحياة اليومية بلا داع لإظهار مستوى تحضرهم وتقدمهم. ولا يعلم هؤلاء بأن المثقفين من أفراد المجتمع قادرون على كشف ضعف ثقافتهم وانبهارهم بالثقافة الغربية التي أثرت على نمط حياتهم، حيث يظن هؤلاء بأن التقدم الصناعي والتقني وازدهار التجارة هو الحضارة، ويجهلون بأن جميع مكونات الحياة من علم وأدب وتكنولوجيا وتجارة وصناعة وأدب وفنون وقيم وأخلاق وعلاقات الانسان وعلاقات الدول وتعاونها هي الحضارة ويجب أن تفضي جيمعها إلى الاهتمام بالانسان باعتباره هدف الحضارة ومحور الحياة.
ومنهم من يتبنى سردية حول أهمية الحضارة الغربية وتقدمها وتطورها، وينتقص من حضارتنا العربية والاسلامية، باستثناء ثلة قليلة منهم ممن يتبنى إسهامات الحضارة العربية والاسلامية بالحضارة الإنسانية، وما تحويه من قيم سامية تعلي من القيم الأنسانية التي نسير عليها ونؤمن بها ونتفوق بها كثيراً على القيم المادية الموجودة في الحضارة الغربية التي لا تعطي وزناً للقيم الأنسانية، وهذا ما نشهده كل يوم من دعم لهمجية العدوان على شعبنا العربي في غزة وفلسطين ولبنان والعراق وسوريا.
وفي هذا المقام فإننا لا نقلل ما وصلت إليه الحضارة الغربية وما قدمته للحضارة الأنسانية من تقدم علمي وحضاري وتكنولوجي فاق بكثير ما هو موجود في الدول العربية، لا بل وابتعدت زمنيا عنا بكثير واصبحنا مستهلكين لأدوات تلك الحضارة ونتمتع بما توصل إليه التقدم العلمي لديهم في كثير من تفاصيل حياتنا اليومية. ولكننا في الوقت ذاته يجب ألا نهضم حق الحضارة العربية والاسلامية وما قدمته للحضارة الأنسانية في السابق ولا زالت تقدم من خلال أبنائها المنتشرين بشتى أصقاع الأرض الذين يساهمون مع غيرهم في بناء الحضارة الأنسانية، والتي بنت عليها الدول الغربية حضارتها الحالية.
ويتضح لنا بأن ذاك الأنبهار أحد أسباب الأنكسار، حيث يثبط أولائك عزيمة الأمة ويحرقوا قورابها ويغلقون الأبواب في وجه من يحاول العمل بحج مختلفة هدفها وقف المحاولات وكأنهم حرس للأخرين. وكثيراً ما يشيع هؤلاء بأننا أمة ضائعة قدرنا التبعية للأخرين، وأننا لا نستطيع اللحاق أو التفوق على الحضارة الغربية، وأننا فقط مستهلكين ولسنا مجددين، والويل للأمة من هذه الفئة إذا تولت سدة المسؤولية، متناسين هؤلاء بأن الحضارات تبنى على بعضها البعض، وأن ما ينقصنا هو الإرادة والعمل من أجل بلداننا وأمتنا لا من أجل الأخرين، وها هي الأمثلة كثيرة وصارخة أمامنا في تقدم الدول الأخرى التي عانت ويلات الحروب الأهلية، والفقر والجوع وشح الموارد، ولكنها مع الإصرار والرغبة في النمو والتطور انطلقت وحققت نموا فاق كل التوقعات وأصبحت من الدول المتقدمة علميا وتقنيا ومن الاقتصاديات الضخمة في العالم. كونها لم تركن إلى الضعف بل أخذت من ضعفها سببا للنمو والتطور ولم تجعل الانبهار بالحضارة الغربية سببا لانكسارها بل خطوة للنجاح والتقدم.
واجعل الانبهار خطوة لكسر قيود الجمود لا قيد خنوع ....

*مدرب ومستشار تنمية إدارية وتطوير إداري



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد