سوريا: إعادة تقسيم المقسّم

mainThumb

30-11-2024 10:11 PM



أعادت ما سُمّيت بعمليّة «ردع العدوان» المباغِتة، التي نفذتها فصائل معارِضة سوريّة مؤتلفة تحت مسمّى "إدارة العمليّات العسكريّة" (هيئة تحرير الشام وغيرها)، إلى الواجهة من جديد الأزمة السّوريّة بعد نحو أربع سنواتٍ من اتفاق موسكو 2020. ويبدو من المبكّر جدًا إطلاق الأحكام لتعذّر فهم ما يجري بشكل مفصّل، وفي ظلّ انتشار الشائعات من مصادر غير موثوقة حول تحرّكات انقلابيّة تأتي متزامنة مع تحرّك الفصائل، التي تقدّمت خلال يومين لمساحات شاسعة، ووصلت (مساء السبت) إلى حماة حسب تصريحاتها.
منذُ 2019 تقريبًا، لم تتغيّر خرائط السيطرة في سوريا، وبالتالي فإنّ هذا التغير جاء مبدئيًا مستندًا إلى عدّة متغيّرات أبرزها:
1.أدت الحرب الروسيّة الأوكرانيّة لسحب روسيا عددًا من قواتها ومستشاريها العسكريين وآلياتها من سوريا.
2.أدت الضّربات الإسرائيليّة على قوات «نظام الأسد» طوال عام كامل، لإضعافها وتغيير تموضعاتها، وتكبيدها خسائر كبيرة، في الوقت الذي تجنب فيه النظام أيّ رد على هذه الضربات.
3. ذكرت مصادر إعلاميّة مختلفة (بما فيها مصادر إيرانيّة) أنّ إيران سحبت أعدادًا كبيرة من قوات «الحرس الثوري» المتمركزة في سوريا، إضافة للوضع المرتبك في إيران داخليًا وخارجيًا، منذ اغتيال رئيسي وحتّى توقيع اتفاق الهدنة مع حزب الله.
4. أمّا حزب الله وقواته، فعدا عن أنّه انشغل بالحرب بجنوب لبنان بكلّ تطوراتها، وبالخسائر الفادحة التي تلقاها جراء «إسناد» غزّة، فقد ذكرت عدّة تقارير أنّ «النظام السوري» اتخذ خطواتٍ لتحجيم حزب الله، وإغلاق مكاتبه، خوفًا من الانجرار إلى الحرب، وبما يخدم مصالح النّظام (الذي دافع عنه حزب الله) والذي بدأ حركة «تطبيع» وإعادة علاقات مع عدد من الدّول العربيّة، والتي توّجت بحضوره جلسات «القمة» العربيّة لمرتين، وإعادة فتح سفارات وقنصليات عربيّة في دمشق، وغير ذلك.
5. حاولت تركيا فتح قنواتٍ للحوار مع «نظام الأسد»، وإعادة ترتيب الأوراق، الأمر الذي قوبل بشبه رفض من النظام، ما يجعل منها لاعبًا أكيدًا داخل الوضع السوريّ بما يخدم مصالحها وحدودها، وينعكس عليها داخليًا بعد الانتكاسات التي مني بها الحزب الحاكم انتخابيًا.
6. أعادت الفصائل المُعارِضة ترتيب أوراقها التنظيميّة، وانضوت في تحالفات أكثر هيكليّة، وأعادت تعريف نفسها بناءً على أهدافها المحليّة، و«حاولت» السيطرة على انحرافاتها. 
أمام هذه المتغيّرات يمكن قول ما يلي:
1. ضدّ «بشار الأسد» دائمًا وأبدًا. الذي ارتكب مجازر راح ضحيّتها الملايين إذْ قُتل أكثر من 400 ألف إنسان، وأصيبَ نحو مليونين، وتهجّر أكثر من 12 مليون سوري.
2.عصفت الانحرافات بالثورة السّوريّة على أصعدة مختلفة عبر المال السّياسي، وظهور الحركات الجهاديّة المتطرّفة، ما يبقي دائمًا الموقف مرتبكًا حيال تأييدها، أو فهم خلفيّات تحركاتها.
3.أعلنت قوات النظام انسحابها وإعادة تمركزها، صباح اليوم (السبت)، الأمر الذي ربما يعني بكل الأحوال إعادة ترسيم خطوط الحكم والتقسيمات التي ستفضي في النهاية إلى قيام عدّة دول في سوريا (ثلاثة على الأقل)، ومن المبكّر القول إنّ شيئًا ما جرى الاتفاق عليه، لكنّ تراجع قوات النظام بهذه الطريقة مريب للغاية.
4. من المؤلم النّظر إلى كيفَ تصبحُ دولةٌ دويلاتٍ متناثرة، وكيف يتمُّ تقسيم المقسّم، وكيفَ يجلبُ كلّ طرفٍ من أطراف النزاع طرفًا «استعماريًا» ليساعده، وسط تبادل اتّهامات بالجملة، فإعلام النظام يتّهم دولة الاحتلال وأميركا بدعم تحركات المعارضة، فيما يروّج الإعلام النقيض إلى أنّ دولة الاحتلال وأميركا خائفتنان من انهيار نظام الأسد.

تبدو التحليلات متباينة للغاية إزاء ما يجري حتّى اللحظة، فأكثرها تفاؤلًا يرى سقوط نظام بشّار، وأكثرها تشاؤمًا يخاف من مجازر أخرى ترتكب، أمّا الأيدي الخفيّة في كلّ هذا فهي الأيدي الإسرائيليّة والأميركيّة التي تعمل على هندسة الشرق الأوسط مرّة جديدة. 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد