ميزان الربح والخسارة في لبنان وانعكاساته على غزة

mainThumb

27-11-2024 07:43 PM

ميزان الربح والخسارة في قبول حزب الله لوقف إطلاق النار.. وانعكاساته على غزة
وسؤال: ما هي أجندة نتنياهو ومستقبل غزة بعد استقرار الجبهة في الشمال؟

لنبدأ بتداعيات الموقف في لبنان.. إذْ لم يكن قبول حزب الله لاتفاق وقف إطلاق النار إلّا للشديد القوي.. فيما لا يملك أحدٌ محاسبةَ الحزب على قراره، فقد قام بواجب المؤازرة للمقاومة في غزة حتى الرمق الخير.. فمن أهم مقتضيات البقاء للحزب وإعادة التعبئة، هو التعامل مع الموقف بناءً على التوازنات اللبنانية الداخلية التي ضغطت باتجاه القبول بوقف إطلاق النار بعد موافقة نتنياهو عليه.
وفي تقدير المراقبين فهو اتفاق هشُّ وقد لا يستمر طويلاً كونه ملغماً بالفخاخ.. بدليل أنه قبل إبرامه بساعات كانت الضاحية الجنوبية ترزح تحت القصف الإسرائيلي العنيف.
فنتنياهو الذي وافق على مدة الشهرين للانسحاب من جنوب لبنان إنما ينتظر استلام ترامب مقاليد الحكم في أمريكا كي يحظى بدعم أجندته الموجهة ضد إيران من خلال إشعال حرب إقليمية يريدها.
ويبقى السؤال منتصباً في ظل الملابسات التي تحيط بالقرار:
لماذا الاتفاق على بنودٍ ليست لصالح الحزب، وقد تمس بسيادة لبنان بشكل أو بآخر! مع أن الموقف الميداني بعد قصف حزب الله العنيف للعمق الإسرائيلي ب450 صاروخاً، جعل لبنان في موقف أقوى؟
ويأتي السؤال من باب الغيرة والخوف على مقاومة قدمت من الشهداء العدد الكبير دفاعاً عن غزة ولبنان في حرب ضروس لا تبقي ولا تذر.
ويتضمن هذا الاتفاق وفق الإذاعة الإسرائيلية 13 بنداً، ويمكن إجمالها على النحو التالي:
- يمتنع حزب الله وجميع الجماعات المسلحه الأخرى في الأراضي اللبنانية عن القيام بأي أعمال هجوميه ضد "إسرائيل".
- في المقابل لن تقوم "إسرائيل" بأي عمليات هجومية عسكرية ضد أهداف في لبنان سواء على الأرض أو في الجو أو في البحر.
- تعترف كلاً من إسرائيل ولبنان بأهميه قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحده رقم 1701.
- لا تنفي هذه الالتزامات حق "إسرائيل" أو لبنان في ممارسه حقهما الأصيل في الدفاع عن النفس.
- ستكون قوات الأمن والجيش الرسمية في لبنان هي الكيانات الوحيدة المخوله بحمل الاسلحه او تشغيل القوات في جنوب لبنان.
- يخضع بيع وتوريد وإنتاج الأسلحه أو المواد المرتبطه بالأسلحه في لبنان للإشراف والرقابة من قبل الحكومه اللبنانيه.
- سيتم تفكيك جميع المرافق غير المرخصه المشاركه في إنتاج الأسلحه والمواد ذات الصله (المملوكة لحزب الله).
- سيتم تفكيك جميع البنية التحتية والمواقع العسكرية غير المرخصة (المقصود سلاح الحزب) وسيتم مصادره جميع الأسلحه التي لا تمتثل لهذه الالتزامات.
- يتم إنشاء لجنة مشتركة مقبولة من جانب كلاً من "إسرائيل" ولبنان لمراقبة وضمان تنفيذ هذه الالتزامات.. (ألا يذكر هذا البند بالتنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي).
- تقوم "إسرائيل" ولبنان باختيار اللجنه إلى جانب اليونيفيل لمراقبة أي انتهاكات محتملة لهذه الالتزامات (هذا يشكل خرقاً مبطناً للسيادة اللبنانية ويوفر الذرائع ل"إسرائيل" كي تستهدف تحركات الحزب في الأراضي اللبنانية).
- يقوم لبنان بنشر قواته الامنية والعسكرية الرسمية على طول جميع الحدود والمعابر والمنطقه الجنوبيه المحدده في خطه الانتشار.
- تقوم "إسرائيل" بسحب قواتها تدريجياً إلى الجنوب من الخط الازرق في غضون فتره تصل الى 60 يوم.
- ستقوم أمريكا على تسهيل المفاوضات غير المباشره بين "إسرائيل" ولبنان لتحديد حدود برية معترف بها من قبل الطرفين.
ولعل من أهم المكاسب التي حققتها "إسرائيل" ونتنياهو (تحديداً) من هذا الاتفاق:
أولاً:- نجح نتنياهو في ابعاد وإخراج حزب الله من منطقه جنوب الليطاني بما يبعد أي تهديد عن "إسرائيل" في المستقبل، وسوف يجيّر هذا النجاح إلى الجهد العسكري الإسرائيلي من باب التضليل الإعلامي الذي يسوقه نتنياهو للداخل.
ثانياً:- سيحتفي نتنياهو بتحقيق ما وعد به الإسرائيليين بإعادتهم إلى بيوتهم في الشمال الإسرائيلي (فلسطين المحتلة).
ثالثاً:-وقف التهديدات الأمنية التي قام بها حزب الله على مدار الأسابيع الماضية لكافة سكان "إسرائيل" من خلال إطلاق المسيرات والصواريخ التي وصلت الى قلب تل ابيب.
رابعاً:- إعادة بناء جيش الاحتلال وتسليحة والتفرغ للأزمات الداخلية.
خامساً:- فك الارتباط الميداني بين لبنان وغزة وضرب وحدة الساحات في العمق.. ليستفرد نتنياهو بقطاع غزة، بغية تنفيذ أجندته القائمة على تحرير الأسرى الإسرائيليين وتنفيذ المشاريع المطروحة بشأن مستقبل القطاع.
مع أن فك الارتباط بين الحزب وغزة، لن تتأثر به المقاومة في القطاع إلا معنوياً؛ لأنه منذ 7 أكتوبر وجيش الاحتلال يهاجم غزة بكامل طاقاته والمقاومة صامدة باقتدار.
وبطرح السؤال نفسه:
ما هي أجندة نتنياهو ومستقبل غزة بعد استقرار الجبهة في الشمال؟
ولنبدأ بحرب الإبادة على غزة.. فعلى الرغم من القصف الهمجي الذي استهدف كلَّ ملامحِ الحياة في مدينة غزة القابضة على الجمر ، وبعد اغتيال السنوار، والمقاومة صامدة في متاريسها دون أن يحقق نتنياهو أهدافه المعلنة، بدءاً من تدمير حماس، مروراً بإبادة الفلسطينيين، أو تهجيرهم من مدينتهم المدمرة إلى سيناء، بعد ارتقاء ما يزيد عن 45 ألف شهيد ثلثهم من الأطفال، إلى جانب الهدف المحوري المتمثل باستعادة الأسرى من أيدي حماس التي أعلنت قبل أيام على لسان ناطقها الرسمي إبي عبيدة، عن مقتل أسيرة إسرائيلية بسبب القصف الإسرائيلي الهمجي على شمال القطاع.
الأمر الذي جعل الدهشة تسود عقول المراقبين، بينما كتائب القسام، التي من المفروض وفق موازين القوى وأضاليل السردية الإسرائيلية أن تكون خامدة الأنفاس، إلا أنها ظلت على عنفوانها وعطائها الاستثنائي في نصب الكمائن المركبة والإجهاز على الجنود الإسرائليين من منطقة الصفر، كان آخرها ما حدث وسط بيت لاهيا يوم أمس الأول، حيث قالت الكتائب إن مقاتليها اشتبكوا بالرشاشات والقنابل اليدوية مع قوة إسرائيلية مؤلفة من عشرة جنود في منزل قرب مسجد طيبة وسط بيت لاهيا وأوقعوهم بين قتيل وجريح.
كما أعلنت القسام أنها استهدفت دبابة إسرائيلية من طراز ميركافا بقذيفة مضادة للدروع "الياسين 105" في المنطقة ذاتها، وهي عمليات باتت مشهودة يومياً.
يحدث ذلك في ظل معارك محتدمة بين إرادة القاتل المُسْتَنْزَفَة، وإرادة الضحية القائمة على الحق، في ظل حرب إبادة مجنونة.
علماً بأن هذه المواجهات هي التي أفشلت مساعي نتنياهو في تقسيم قطاع غزة إلى أربع مناطق، وفق خطة الجنرالات التي شرع جيش الاحتلال في تنفيذها -يائساً- شمال قطاع غزة.
وفي سياق ذلك، طَفَتْ على السطح مؤخرا أنباءٌ تتحدث عن "خطة فقاعات إنسانية خالية من حماس" وهي عبارة عن كنتونات فلسطينية معزولة، تقدمت بها مراكزُ دراساتٍ مقربةٍ من حزب الليكود الحاكم.
وتقضي الخطة الجديدة التي نَشرت بعضَ ملامحِها صحيفةُ "وول ستريت جورنال"، إلى عزل الفلسطينيين غير المؤيّدين لحركة حماس وفصائل المقاومة في بقعٍ إنسانيةٍ منفصلة، كأنها سجونٌ داخلَ سجون، تكون خاضعة لجيش الاحتلال، بينما يتم تقسيم القطاع بواسطة خطّيْن عرضيّيْن يخضعان لإدارة الاحتلال عسكرياً، وبالتالي يصبح شمال القطاع والحدود الشرقية منه، بالإضافة إلى محور فيلادلفيا خاضعةً لسيطرته.
مع أن تنفيذ الخطة مرهون باجتثاث حماس وفصائل المقاومة أو الاستحواذ عليها من قبل طرف عربيّ متعاون.. وهذا يُعَدُّ ضرباً من المُحَال وفق التقديرات الموضوعية وباعتراف بعض الجنرالات الإسرائيليين الذين انتقدوا المشروع.
وبحسب ما قاله الجنرال المتقاعد زيف الذي ساهم في وضع الخطة:
فإنه "بإمكان المدنيين الفلسطينيين الذي يدينون حماس العيشَ في مناطق معزولة، قرب منازلهم في الشمال، (أي ما يوصف بالفقاعات)، مع إمكانية زيادة هذه البقع تدريجياً، وتدار من قبل تحالف يضم الولايات المتحدة ودول عربية (يرجح أن تكون مصر أو الإمارات أو غيرهما) ، بينما يتفرغ الجيش لتدمير جيوب حماس".
وكما يبدو للعيان فهي مؤامرة خبيثة واضحة المعالم وتمهد لحرب أهلية مرصودٌ لها بغية تصفية المقاومة إلى الأبد.
وأضاف زيف بأنه بعد مرور خمس سنوات، يمكن خلالها للسلطة الفلسطينية أن تستعيد سيطرتها الأمنية والإدارية على القطاع، كما أنه يمكن "لحماس منزوعة السلاح" أن تساهم في إدارة القطاع.. وكأنه بذلك يشير إلى التقاء مشروعِ ضمِّ الضفةِ الغربية، وتفتيت ما تبقى منها تحت سلطة أوسلو الشكلية، بمشروع الجنرالات في قطاع غزة.
وهذا يذكرنا بعملية نهب شاحنات الإغاثة من قبل عملاء الاحتلال يوم الأربعاء 20 نوفمبر الجاري، في جنوب غزة، حيث تصدت لهم الأجهزة الأمنية لحماس، وقتلت منهم عشرين عنصراً.. ما يفسر النوايا الإسرائيلية في تنفيذ خطة الجنارالات التي يصر نتنياهو على تنفيذها رغم افتقارها لمقومات النجاح بسبب صمود المقاومة، والتفاف الجماهير حولها، وتحول قطاع غزة إلى مقبرة للغزاة.
وهو ما نبه إليه قائد جيش الاحتلال السابق يؤآف غالانت كون هذه الخطة ستعرض جنود الاحتلال إلى استنزاف طويل الأمد، ما أدّى إلى إقالته ليستفرد نتنياهو بالقرار في الكابينت.. غير آبه بموقفه الداخلي الحرج بسبب ما يتعرض له من ملاحقات قضائية بتهم الفساد، والتزوير، والتسبب بالسابع من أكتوبر.. لكن اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله سيجدد ثقة الشارع الإسرائيلي بنتنياهو الذي يتمتع بالقدرة على اقتناص الفرص وتجييرها لمصالحه، ثم تنفيذ أجندته التوسعية اقتصادياً عن طريق توسيع دائرة الاتفاقية الإبراهيمية التي وعد ترامب برعايتها.
27 نوفمبر 2024






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد