تشبث بالحزن حتى تشعر بالسعادة
أوضحت أحدث تقارير منظمة الصحة العالمية أن مرض الاكتئاب المسبب لحالات من الحزن العارم هو ضرب من ضروب الخلل النفسي الشائع، الذي قد ينجم من أسباب عديدة أهمها، فقد الأشياء التي كانت تسبب للإنسان الشعور بالسعادة والرضا، وتمنع عنه الشعور المقيت بالخواء النفسي. وتتعدد أشكال الفقد هذا ما بين فقدان شخص عزيز، أو وظيفة، أو آمال، أو ضيق الموارد المادية أو غياب الشعور بالأمان، وغيرها من الأسباب التي تسبب الإحباط النفسي. ومن مظاهر الاكتئاب الشعور بالحزن والتوتر، وفقدان الرغبة في الاضطلاع بأي نشاطٍ كان، والتقوقع على الذات، وفقد التركيز والرغبة في النوم. أما أسوأ أعراض الاكتئاب فالرغبة المُلحة في الانتحار، لترك هذا العالم الذي لا يجلب للإنسان سوى التعاسة.
ومن الجدير بالذكر، أن البشر عادة ما يصابون بالاكتئاب والحزن، لكن الاستمرار في هذا الشعور له عواقب نفسية وجسدية وخيمة؛ فلو كان الميل للانتحار ينجم عن نوبات الحزن والاكتئاب الشديد، فإن خوض تلك التجربة مع كبت ذلك الشعور غالبا ما يفضي إلى الإصابة بأمراض عضوية عضال مثل، الخلل في القلب أو السرطان، وجميعها أمراض تفضي إلى الموت المبكر المحتوم.
ولتلافي الشعور بالاكتئاب، الذي هو في الأساس الشعور بحزن عارم، هناك اهتمام عالمي لعلاج ذاك الإحساس المقيت، ولو بطرق غير مباشرة؛ والسبب أن ليس الجميع باستطاعته تحمل تكاليف العلاج لدى طبيب نفسي متخصص. ومن ثم، تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وعبارات تؤهل كل من يستمع لها أو يقرأها أن يجتاز مراحل الحزن. وعلى الرغم من أن وسائل التدريب النفسي غير المباشرة لتخطي الاكتئاب تعتبر حديثة نوعا ما، وأنها قد انتشرت كالنار في الهشيم منذ العقد الأول من الألفية الثالثة، استطاع الفيلسوف الروماني الفرنسي أيميل سيوران Emil Cioran (1911-1995) منذ ما يقرب من المئة عام، ابتكار وسيلة للشفاء منه، وكانت طريقة علاجه الناجعة هي الدليل لكل مكلوم في عالم قاسٍ. ولا عجب في ذلك، فمن يتحدث عن الحزن وحوّله إلى شلال يحض على وجوب مواصلة الحياة كان يعاني من أقسى درجات الحزن. وأولى أحزان (أيميل تشوران)، التي لا يعلمها هي، نطق اسمه الذي تم تحريفه عند الترجمة إلى اللغة العربية، وكذلك قد ينطقه البعض من غير المتخصصين، أيميل سيوران، كما قد ينطق باللغة الفرنسية متجاهلين تماما اختلاف النطق لكونه من رومانيا، تلك الدولة التي كان يشعر “تشوران” بالضيق في كنفها، ولطالما عبر عن رغبته في تركها. ولهذا السبب، كان يحاول أن ينتهز الفرص كي يهرب من وجوده هناك، لشعوره بالضيق من الأجواء. وعندما تم تعيينه مدرس فلسفة في إحدى المدارس، سرعان ما أخفق في مهمته، وتم فصله للإجماع على أن ما يتفوه به من شرح غير مفهوم. وسنحت له أعظم فرصة عندما سجل نفسه طالب دراسات عليا في فرنسا، وهناك عاش في مساكن الطلاب، وتمتع بالوجبات المجانية والمخفضة ـ التي كان يسعى إليها بالأساس عندما سجل نفسه طالب دكتوراه، على الرغم من أنه لم يكن يعتزم أبدا أن يحصل على تلك الدرجة.
واستمر الوضع على ذاك الحال إلى أن تم إلغاء تلك الميزة من الطلاب الذين تجاوزوا متوسط السن القانوني. وكان رجوعه إلى رومانيا مرة أخرى بمثابة سقطة أخرى في مسيرته النفسية، ولهذا، سرعان ما عاد مرة أخرى إلى فرنسا وأجر شقة في الحي اللاتيني، وهو أحد الأحياء الفقيرة شديدة الازدحام، التي تعج بالأجانب ومختلف العرقيات، وتتميز مساكنها بضيق المساحة ورخص الثمن نسبيا عن الأحياء المجاورة. وفي ذلك المسكن عاش حتى آخر يوم في عمره، إلى أن أصابه مرض الزهايمر وتوفي على إثره. وحاول الكثير من النقاد معرفة سبب شعوره بحزن دائم ورغبته العارمة في الانتحار. وبالتنقيب عن سبب ذاك الحزن في حياته، وجدوا أنه نشأ في عائلة شديدة التدين، فلقد كان والده قسا في الكنيسة الأرثوذكسية في رومانيا. أما والدته فكانت رئيسة “رابطة المرأة المسيحية” في رومانيا. وعلى الرغم من ذلك، لم يشعر إيميل تشوران أبدا بالانتماء للمؤسسة الدينية، لدرجة أنه أصبح ملحدا لا يؤمن بالأديان، بل كان يساوي بين تعاليم الأديان السماوية والأرضية. ولم يكن يبالي بكلمات أمه، التي تؤكد أن وجوده في الحياة كان بمحض الصدفة، وأنها لم ترغب في الاحتفاظ به. ولهذا، ظن البعض أن تصريح أمه هو السبب في شعوره بالحزن الدائم، لكنه على النقيض أكد أن تصريح أمه لا يشكل أي فارق نفسي بالنسبة له، بل كان يردد دوما مازحا: “أنا الغلطة” أو “أنا الحادث العرضي”.
كانت حياة تشوران سلسة من الاخفاقات والاختيارات الخاطئة والشعور بعدم الارتياح والرضا، رغم أن كل ما كان يكتبه يلقى رواجا كبيرا وأكسبه الجوائز والتكريمات. وقد يظن البعض أن حزنه الداخلي كان منعكسا على تعامله مع الآخرين، على النقيض، كان شديد المرح ومحبا للمرح والمزاح، لدرجة أنه في إحدى المرات عند تكريمه في ألمانيا، تم تقديمه بكلمات رائعة ورنانة، وكذلك قارنوا إنجازه الفلسفي بكبار الفلاسفة مثل كييرك جارد Kierkegaard وشوبنهاور Schopenhauer، لكنه قاطع تلك الافتتاحية الرائعة وجعل مترجمه ينقل عنه قول: “أنا مجرد مهرج”. ولم يكن يعني بذلك التقليل من شأن نفسه، بل كان على سبيل المزاح وتقبل وضعه. لقد كان يردد أن الكتابة كانت سبيله الوحيد للنجاة من الإغراق في أفكار سوداوية، وأنقذته من الانتحار، كان يعبر عن أدق ما يجيش في صدره في مؤلفاته، وتكمن عظمة ما يكتبه في قدرته على الغوص في أعماق أقسى ألوان الحالات النفسية السوداوية، والتعبير عما لا يستطيع إنسان أن يبوح به.
كان أسلوب تشوران مميزا في التعبير عن فلسفة التشاؤم، من خلال الاهتمام بكتابة أقوال مأثورة، واحدة تلو الأخرى، مع ملاحظة أنها قد تناقض بعضها بعضا أحيانا. لكنه كان يصرح أن ذلك هو ما يحدث تماما داخل النفس البشرية، وكان ذاك الأسلوب أيضا يتماشى مع تناوله لقضايا المعاناة والانحلال والعدمية. لقد كان التفكير الدائم في الانتحار هو القوة الدافعة له للعيش في سلام نفسي، وكذلك البعد عن إزهاق روحه، وكان يردد “قتل نفسك أمر لا يستحق عناء التفكير فيه، لأنه دوما ما تقتل نفسك بعد فوات الأوان”، وكذلك يؤكد أن المتفائلين فقط هم الذين يستطيعون الانتحار، وهم المتفائلون الذي لم يعودوا قادرين على أن يكونوا متفائلين. أما الآخرون، فليس لديهم سبب للعيش، وفي الوقت نفسه ليس لديهم سبب ليموتوا. فكل ما يفعله المرء منذ طلوع النهار وحتى نهاية اليوم هو محاولة أن يحتمل نفسه. وأما في كتابه “على مرتفعات اليأس” On the Heights of Despair عبر عن اليأس في أسوأ صوره عندما قال: “لا أفهم لماذا يجب علينا القيام بفعل أي شيء في هذا العالم، ولماذا يجب أن يكون لدينا أصدقاء وتطلعات وآمال وأحلام؟ أليس من الأفضل أن ننزوي في ركن قصي في هذا العالم، حيثما لن يسمع أحد بعد الآن ضجيجه وتعقيداته؟ وحينها سوف نستطيع التخلي عن الثقافة والطموحات؛ ولسوف نخسر كل شيء ونكسب لا شيء؛ فما يمكننا أن نجنيه من وطن كهذا؟”.
فلسفة تشوران العدمية النابعة من الشك في كل شيء في الحياة، كانت السبيل الذي صنع منه اسما خالدا في عالم الأدب، ومثالا يحتذى به لمواصلة العيش تحت ضغط عارم. وقد أصبحت مؤلفاته أساسا لتحليل النفس البشرية، ومقولاته نبراسا يهتدي به القائمون على التنمية البشرية، وأقوالا مأثورة لا يزال يتداولها البشر ويهتدي بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي. والمفارقة الكبرى أن حزن تشوران الذي عبر عنه دون خجل هو ما أسعده.
تفاصيل جديدة عن اغتيال هنية في طهران
انسحاب القوات الإسرائيلية من 3 مناطق في جنوب لبنان
عودة أكثر من 50 ألف سوري إلى وطنهم في 3 أسابيع
نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بأعجوبة في اليمن
محمد رمضان يشعل السوشيال ميديا بمسابقة جديدة
أحمد العوضي يشعل الحماس بمسابقة جديدة ويُشكر جمهوره
مقتل إعلامية لبنانية على يد زوجها قبل انتحاره
قصة عائلة حوّلت كهفًا عمره 350 مليون سنة مَعْلمًا سياحيًا
الحمية الخالية من الغلوتين .. هل تناسب الجميع
ضربة لـ تيك توك .. دعوة للاستعداد لحذف التطبيق الصيني
إنطلاق مهرجان ليالي صبحا العربي للثقافة والفنون
نتنياهو: العالم العربي قدم لنا تنازلات
الموسم الحالي ثاني أسوأ موسم مطري مسجل في الأردن
ولي العهد ينشر مقطع فيديو برفقة إبنته الأميرة إيمان
قرار هام من الأمانة بخصوص المسقفات .. تفاصيل
نبات قديم يعزز نمو الشعر ويمنع تساقطه
فصل الكهرباء عن مناطق واسعة بالمملكة الأسبوع القادم .. تفاصيل
هام لطلبة التوجيهي بخصوص الامتحان التكميلي
كتلة هوائية باردة تؤثر على الأردن في هذا الموعد
تخفيضات في المؤسسة الاستهلاكية العسكرية
إعلان صادر عن مديرية الخدمات الطبية الملكية
تفاصيل الحالة الجوية بالتزامن مع دخول مربعانية الشتاء
إحالات إلى التقاعد المبكر في التربية .. أسماء
9 بنوك أردنية ضمن لائحة أقوى 100 مصرف عربي
يارا صبري تلتقي والدها الفنان سليم صبري بعد غياب طويل