قراءة سياسية في خطاب العرش ٢٠٢٤

mainThumb

19-11-2024 02:39 AM

خطاب ملكي يخطّ بوصلة الثبات والكرامة

في عالم تموج فيه الأحداث وتتسارع الخطى نحو مصائر مجهولة، يقف زعيم بأبعاد أعمق من السياسة وأعلى من الدبلوماسية العادية. هذا ما جسّده جلالة الملك عبدالله الثاني في خطابه عند افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة العشرين، حيث ألقى بخطاب حمل في طياته ليس فقط رؤيته لمستقبل الأردن، بل نبرة زعيمٍ يتحدث بلسان الأمة ويخاطب وجدان شعبه والأمة العربية برمتها. كان هذا الخطاب أشبه بنداء للأمل، يمتزج بالحزم، ويمزج بين الحق والواجب.

صوت القائد ورسائل الزمن

الخطابات الملكية قد تُعتبر في كثير من الدول مراسم رسمية، تُلقى لأغراض البروتوكول. لكن في الأردن، خطاب الملك ليس حدثاً عادياً؛ إنه لحظة تقف فيها البلاد برمتها تتنفس طموحاتها وآمالها. جلالة الملك عبدالله الثاني، وهو يلقي خطاب العرش، لا يخاطب فقط مجلس الأمة بأعضائه، بل يتحدث إلى كل أردني وأردنية، وإلى كل إنسان يتوق إلى العدل والكرامة في هذا العالم.

آنه خطاب يربط بين الأجيال، يعبر الحاضر ويتطلع إلى مستقبل يريده زاهراً ومشرفاً.

غزة في قلب الملك... والقضية الفلسطينية أولوية

أكثر ما خطف الأنظار في هذا الخطاب هو ما خصصه جلالته للحديث عن غزة وعن القضية الفلسطينية. قالها الملك بوضوح وثبات: "السلام العادل والمشرف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين".

في ظل عالم يبدو أحياناً كأنه نسي فلسطين أو تعامل مع معاناتها كخبر عابر، يأتي صوت الملك ليعيد توجيه البوصلة نحو أساس المشكلة وحلها. هذا ليس مجرد كلام أو تعبير عن موقف سياسي مكرر، بل هو إصرار على أن الحل يجب أن يكون عادلاً وشاملاً، يعيد الحقوق ويضمن الأمان، لا أن يكون حلاً ناقصاً يترك الجروح مفتوحة.

وفي عبارة جلالته حول "الوقوف الصلب في وجه العدوان على غزة والاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية"، يبرز التزام الأردن الثابت والأصيل بقضايا الأمة.

فالأردن ليس طرفاً محايداً يتأمل من بعيد، بل هو مشارك فعلي في المحاولات المستمرة لرفع الظلم وإيقاف الاعتداءات. رسائل الملك هنا ليست فقط للعالم، بل هي تأكيد لشعبه أن الأردن سيظل ملجأً للحق ومسانداً للأشقاء في أصعب اللحظات.

جهود إنسانية لا تُحصى: الأردن سند غزة وأهلها

لكن الجانب الأكثر تأثيراً في الخطاب كان التذكير بالجهود الإنسانية التي يبذلها الأردنيون لأجل غزة. حديث الملك عن "الجهود الجبارة" التي قام بها أبناء الأردن لمعالجة الجرحى وإيصال المساعدات، يعكس الوجه الحقيقي للإنسانية في المملكة. فالجنود والأطباء والمسعفون الذين خاطروا بحياتهم لدخول غزة في أصعب الظروف ليسوا مجرد أفراد، بل هم تجسيد حي لقيم الأردن ونخوة أهله.

هذا النداء لضمير العالم بأن الأردن كان أول من وصل المساعدات "جواً وبراً" يعيد صياغة مفهوم التضامن إلى مفهومٍ عمليّ، يؤكد أن التضامن ليس شعارات بل أفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات.

القدس... العهد الهاشمي المستمر

وفي محور آخر بالغ الأهمية، أكد الملك على مكانة القدس في الوجدان الأردني، قائلاً إن "قدس العروبة أولوية أردنية هاشمية". هنا يكمن مغزى أعمق لما تعنيه الوصاية الهاشمية، فهي ليست مجرد مسألة دينية أو سياسية، بل هي جزء من هوية الأردن وأساس انتمائه العربي والإسلامي. الدفاع عن المقدسات وحمايتها واجبٌ أداه الأردن بتفانٍ وأمانة، وسيظل على هذا العهد، مستمراً في أداء واجبه أمام الله والتاريخ.

رسالة أمل وثبات للأردنيين

وفي ختام الخطاب، كانت كلمات الملك للأردنيين بمثابة رسالة تأكيد على أن مسيرة البناء والنهضة مستمرة. أشار إلى "الإنسان" بكونه أغلى ما يملكه الأردن، مؤكداً أن كل يوم هو بداية جديدة لمستقبل نصنعه بالإيمان والعزيمة. تلتقط هذه الكلمات جوهر النهج الأردني، الذي لا يقبل التراجع أمام الصعاب، بل يواجهها بروح جماعية تتطلع إلى الغد.

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني لم يكن مجرد بيان سياسي أو نص بروتوكولي. كان حديثاً نابعاً من قلب قائد يعي أن التحديات أمامنا كبيرة، ولكن الأمل أكبر، وأن العدل لن يتحقق إلا بالثبات على المبادئ. سيبقى هذا الخطاب مرجعاً للسياسات الأردنية، ومثالاً لزعامة تمزج بين الحزم والرؤية الإنسانية في وقت نحتاج فيه جميعاً إلى هذه الأصوات الأصيلة، التي تعيد للحق مكانته في عالم تتلاشى فيه العدالة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد