مع رئيس الجامعة

mainThumb

17-11-2024 09:36 PM

لقد مَنَّ الله علي باتمام رسالة الماجستير في الأدب العربي القديم ، وكانت الرسالة بعنوان ( ذو الرُّمَّة شاعر الصيد ، دراسة تحليلية نقدية ) ، وكانت اللجنة المناقشة من نخبة الأكاديميين في جامعاتنا الأردنية ، منهم الدكتور رئيس الجامعة ، وكلنا يعلم أن وقت الطالب لا يتسع في الرد أو تبيين وجهة نظره في أي قضية من قضايا الرسالة أثناء المناقشة وذلك لحسابات يعرفها كل طالب خاض هذه المناقشات الأكاديمية ، أما وقد صرنا في سعة من الوقت وفضاء ، حان وقت التبيين .

فقد ذكر رئيسُ الجامعة عِدَّةَ ملاحظاتٍ ، وهذه الملاحظات تندرج في قسمين :

١ - قسم شكلي ، وهذا النوع لن نتكلف مؤونة تبيينه ، لأن أي رسالة علمية لا بد أن تحاط بمثل هذه الملاحظات .

٢ - قسم علمي بحت ، وهذا ميدان الأخذ والرد مع الدكتور رئيس الجامعة .

وسوف نتناول هذه الملاحظات العلمية واحدة واحدة بشكل منفرد ، وَأُوْلَى هذه المآخذ التي أخذها الدكتور رئيس الجامعة ؛ أنه وجه انتقادا خشنا للشاعر ذي الرمة لأن ذا الرمة لم يوفق في ذكر الأفعى في حفرة القانص على زعم دكتورنا الفاضل ، وزعم أنها صورة باردة لا قيمة لها :

قال ذو الرمة :

يراصِدُها في جَوْفِ حَدْبَاْءَ ضَيِّقٍ
......... على المرءِ إلَّا ما تَحَرَّفَ جَالُهَا

يُبَايِتُهُ فِيْها أَحَمُّ كَأَنَّهُ
......... إِبَاضُ قَلُوْصٍ أَسْلَمَتْهَا حِبَالُهَا

وَقَرْنَاءَ يَدْعُو باسْمِهَا وَهْوَ مُظْلِمٌ
......... لهُ صَوْتُهَا أو إِنْ رآها زِمَاْلُهَا

إِذَاْ شَاءَ بعضَ اللّيْلِ حَفَّتْ لِجَرْسِهِ
........ حَفِيْفَ رَحَاً مِنْ جِلْدِ عَوْدٍ ثِفَاْلُهَا

هذا القانصُ يَرْصُدُ الحُمُرَ الوحشيةَ في حفرة ضيِّقةٍ جِدَّاً حيثُ لا يستطيعُ أن يستديرَ فيها إلا بصعوبةٍ ، وَنَعْلَمُ أَنَّ الحُمُرَ الوحشيةَ مِنْ أحذرِ الوحوشِ فلا بُدَّ للقانصِ أن يكتمَ أنفاسَهُ وأن يحَنِّطَ حركاتِهِ حتى لا تشعرَ بهِ هذه الحمرُ الوحشيةُ ، ونعلمُ أن القانصَ في شعرِ ذي الرُّمَّةِ من الطبقة الفقيرة جدا ، التي معاشها على هذا الصيد ، فإن فلتت هذه الحمر من سهام هذا القانص فلا طعام له ولا لأسرته التي تنتظره لتسكت لواسع الجوع .

فذو الرمة أضاف الأفعى والأسود في حفرة القانص ، ليسبر لنا نفسية هذا القانص الذي هو بين اتقان كتم الأنفاس وتحنيط الحركات ليصل إلى هدفه ومبتغاه من الصيد الثمين لأسرته الفقيرة والخوف من تلك القرناء المجلجلة ( الأفعى ) ، فإذن الأفعى ووجودها في حفرة القانص ليست صورة باردة لا معنى لها كما زعم دكتورنا رئيس الجامعة ، بل هي القمة في وصف الجانب النفسي لهذا القانص الفقير الذي قوته وعيشه مما تعطيه قوسه ونباله !

ورصد نفسية القانص الفقير منهج سار عليه فحول الشعراء ، فهذا رؤبة بن العجاج في أرجوزته الشهيرة ، ينهج نهج ذي الرمة في وصف حرص القانص ألا تصدر منه أدنى حركة أو صوت كي لا تتنبه إليه الحمر الوحشية حزة ورودها شرائع الماء التي يكمن عندها ذاك القانص :

فَبَاْتَ والنَّفْسُ مِنَ الْحِرِصِ الفَشَقْ
......... فِي الزَّرْبِ لَوْ يَمْضُغُ شَرْيَاً مَاْ بَصَقْ !

فرؤبة بن العجاج يصف اختفاء القانص في الزرب - حفرة القانص - وكتمه لكل صوت حتى يتسنى له قنص الحمر الوحشية فائقة الحذر ، وليصف لنا ذلك الكتمان ضرب لنا صورة عظيمة وهي أن هذا القانص لو مضغ شريا - شجر شديد المرارة ، ويقال أنه الحنظل - لم يبصق خوف أن تنتبه له الحمر الوحشية ؛ فتهرب .

فصورة ذي الرمة أبلغ من صورة رؤبة بن العجاج ، لأن رؤية الأفعى قريبة من الإنسان مدعاة للفزع واصدار الاصوات والصراخ الذي ينذر الحمر الوحشية ، فتنجوا من الموت .

فبعد هذا التوضيح يتبين للقارئ أن الدكتور رئيس الجامعة جانب الصوابَ في حكمه على الصورة الرائعة التي جاء بها شاعرُ الصيد ذو الرمة .

وسوف نتبع هذا المقال بمقالات أخرى تناقش ملاحظات دكتورنا الاكاديمي حول رسالة ( ذو الرمة شاعر الصيد ) .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد