فازت الترامبية

mainThumb

11-11-2024 05:38 PM

الرئيس ترامب والترامبية السياسية والاجتماعية وعاد أكثر قوة وخبرة وتصميما لإعادة مكانة أمريكا لعصرها الذهبي- وقد تسببت بشرخ مجتمعي وسياسي وطبقي غير صحي في المجتمع الأمريكي.
عاد ترامب برغم اتهامات خصومه له، وعلى رأسهم الرئيس بايدن ونائبته ومنافسته نائبة الرئيس كامالا هاريس، وتحذيرهم من خطره على الديمقراطية وشيطنته ـ ووصفوه مع كبير موظفي البيت الأبيض السابق الجنرال جون كيلي ومعه رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الجنرال مارك كيلي «بالفاشي». وفي سابقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية ـ لم يدعم ترشيح ترامب لرئاسة ثانية نائبه مايك بنس ونصف أعضاء إدارته لاستبداده!!
كانت انتخابات الرئاسة الأمريكية تاريخية بكل المعايير بعودة رئيس بعد هزيمته في حملته الرئاسية الثانية عام 2020 ـ ونجاحه برغم سلسلة من القضايا الجنائية التي أدين في بعضها، وعلقت بعضها، والاتجاه اليوم لشطبها جميعها بعد فوز ترامب بالرئاسة وتمتعه بالحصانة الرئاسية. وكذلك بترشح كامالا هاريس المرأة الثانية عن الحزب الديمقراطي بعد تنحي الرئيس بايدن، وسبقتها هيلاري كلينتون ترشحت ضد ترامب أيضاً في انتخابات الرئاسة عام 2016 ـ وهزم ترامب أول مرشحتين امرأتين ممثلتين للحزب الديمقراطي، لأسباب عديدة وعلى رأسها الانقسام المجتمعي والطبقي وظاهرة الترامبية الشعبوية وتردي الأوضاع الاقتصادية، وموجة الغلاء والتهويل من مخاطر اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، وارتفاع مستوى الجريمة، وموجة الليبرالية التي تدعم التحول الجنسي، وطربهم لتعهد ترامب بإعادة العظمة للولايات المتحدة، ولعدم استعداد المجتمع الأمريكي لتقبل امرأة رئيسا لأمريكا!
كانت خسارة هاريس بمثابة زلزال سياسي، لكن ثبت بعد فوز ترامب بالرئاسة بالصوت الشعبي وصوت المجمع الانتخابي وتصويت الطبقة العاملة من البيض والسود والأصول اللاتينية بأعداد أكبر لترامب بالمقارنة مع 2020، ثبت فشل استطلاعات الرأي عن تقارب فرص فوز المرشحين وللمرة الثالثة!!.. وعمّق جراح هاريس وبايدن والديمقراطيين المحبطين من الخسارة الثقيلة، انتزاع ترامب وحزبه الأغلبية في مجلس الشيوخ من الديمقراطيين وتقدمهم بشكل واضح في مجلس النواب، برغم وجود عدة مقاعد في مجلسي النواب والشيوخ لم تُحسم بعد.
والواقع أن نصف الناخبين الأمريكيين صوتوا ضد هاريس هم معادون للنساء في المناصب العليا وأفشلوا وأحبطوا أكبر فرصة لوصول كامالا هاريس ـ لتكون أول امرأة من الأقليات غير البيضاء (والدها مهاجر أسود من هايتي ووالدتها مهاجرة من الهند) لتكسر قاعدة هيمنة الرجال على الرئاسة الأمريكية بإعادة انتخاب الرئيس ترامب.
كان صادماً انتخاب ترامب لرئاسة ثانية وعودته، خاصة لكونه الرئيس الوحيد الذي فشلت محاولتان لعزله من منصبه، وأدين بأربع تهم جنائية في قضايا فيدرالية وفي ولايتين ـ وتعرض لمحاولتين اغتيال فاشلة ـ واتهمت وزارة العدل الأمريكية قبل أيام الحرس الثوري الإيراني بالتخطيط لاغتيال ترامب!

نجاح تعيين ترامب قضاة محافظين، والسيطرة على الكونغرس يعزز هيمنة الترامبية وتهميش الليبرالية والتعددية والانفتاح. وحتى بعد رحيل ترامب تبقى ترامبيته تتحكم بحريات وحقوق الأمريكيين لعقود قادمة

كما تسبب ترامب بانقسام المجتمع الأمريكي بين النساء والرجال الجامعيين وغير الجامعيين، وسكان المدن الكبيرة والأرياف والقرى، والأقليات والرجال البيض مع وضد ترامب. وكان ملفتاً تصويت الطبقة العاملة وليس البيض فقط، شملت الأقليات من السود والأصول اللاتينية ـ بينما انقسم الصوت العربي والمسلم بالتصويت لجيل ستاين مرشحة حزب الخضر (حصلت على حوالي 700 ألف صوت ـ وصفر أصوات من أصوات المجمع الانتخابي الحاسم للرئاسة) والتصويت لترامب انتقاما من موقف إدارة بايدن وهاريس الداعم بقوة لحرب إبادة إسرائيل الوحشية على غزة وتوسيع الحرب إلى لبنان…والبعض صوت لهاريس!!
لكن الواضح أن المحرك الرئيسي لفوز ترامب هو الوضع الاقتصادي ـ وحجم التضخم ـ وغلاء الأسعار، وتهويل ترامب وأنصاره عن خطر الهجرة غير الشرعية ـ والتفلت الأمني على الحدود وارتفاع نسبة الجرائم من المهاجرين غير الشرعيين، وتركيز ترامب على أمريكا أولا وأخيرا وإعادة العظمة والقوة والهيبة والاحترام لأمريكا. كما يعتقد 45 في المئة من الأمريكيين أن وضعهم الاقتصادي خلال السنوات الأربع الماضية صار أسوأ و75 في المئة من الأمريكيين يرون أن الولايات المتحدة تتجه في الطريق الخطأ.
وساهم أداء الرئيس بايدن الضعيف كما ظهر في المناظرة الوحيدة مع ترامب في شهر يونيو الماضي، وعدم قدرته على صياغة خطاب متماسك وحالة النسيان وعدم تماسك أفكاره، بالتشكيك بقدرات الرئيس بايدن العقلية والجسدية ـ ما دفع قيادات الحزب الديمقراطي الضغط على الرئيس بايدن للتخلي عن الترشح لرئاسة ثانية، بالرغم من انتزاعه بشكل مقنع وبتصويت 12 مليون ناخب ديمقراطي ترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية من يناير إلى يونيو 2024، ليتنازل عن الترشح لمصلحة نائبته كامالا هاريس.
تعدت هزيمة الديمقراطيين التاريخية خسارة هاريس والبيت الأبيض، لانتزاع الجمهوريين الأغلبية في مجلس الشيوخ، ويتجهون بعد حسم نتائج انتخابات مجلس النواب، للإبقاء على أغلبيتهم الضئيلة.
سيطرة ترامب وحزبه على النظام السياسي الأمريكي ـ البيت الأبيض ـ والكونغرس ـ وفي السنوات الأربع القادمة يرشح ترامب أكثر من قاض للمحكمة العليا ـ سبق ترشيحه ثلاثة قضاة محافظين برئاسته الأولى. ورجّح القضاة المحافظون الأحكام المحافظة في قضايا سياسية واجتماعية.
منحت المحكمة العليا حصانة جزئية للرئيس لحمايته من المحاكمة على تشجيع أنصاره اقتحام الكونغرس لتعطيل إعلان فوز بايدن الرسمي بالرئاسة عام 2021. وصوتت أغلبية القضاة لمنح الولايات حق التحكم بحق المرأة على الإجهاض وهو ما كان مشروعاً منذ عام 1973. ما حفز ملايين النساء على الاعتراض والتظاهر والتصويت ضد ترامب والجمهوريين.
والواقع أن نجاح تعيين ترامب قضاة محافظين-والسيطرة على الكونغرس يعزز هيمنة الترامبية وتهميش الليبرالية والتعددية والانفتاح. وحتى بعد رحيل ترامب تبقى ترامبيته تتحكم بحريات وحقوق الأمريكيين لعقود قادمة!-ويتساءل كثير من الأمريكيين وشعوب العالم القلقون عن تأثير ذلك وتداعياته على مستقبل أمريكا ونموذجها ودورها في العالم»؟!
أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد