الطبيب والدواء

mainThumb

09-11-2024 03:22 PM

كان الشيخ الذي يبدو أنه تجاوز التسعين سنة من عمره يتناقش مع رجل أقل منه في السن يجلس على كرسي بلاستيكي أبيض...
التفت إلي وقال : ـــ انأ لا أحب الطبيب ... ابن أخي هو من أكرهني وأتى بي إلى هنا .في الماضي ، لما يزور أحدنا الطبيب معناه أن الأجل قد حان...
وافقتُ رأيه وقلت : ــ كلامك صحيح !في الماضي نادرا ما كان الناس يزورون الطبيب، أما اليوم فتكاد تكون زيارته يومية وروتينية ونوع من التباهي!
ــ أنا في حياتي لم أ ذهب إلى الطبيب إلا مرتين، هذه المرة، والأولى التي كانت قبل ثلاثين سنة....
ــ ثلاثين سنة! لم أكن قد ولدت بعد....
ـــ نعم ...مرضت حفيدتي الصغيرة بمرض البوسفير ... آه.. آه... مرضت حفيدتي الصغيرة وطلب مني أخذها إلى المستشفى... مرضت عندي، فهاتفني أبوها وقال علي أن أخذها إلى المستشفى وكذلك قال بعض الجيران قوله ، ولما رأوا تمسكي برأيي جاءوا بالطبيب من المركز الصحي إلي بيتي تصاحبه ممرضة ، ورفضت ،فهددني بأنه سيستدعي رجال الدرك فأصررتُ وقلت حفيدتي لن تأخذوها إلى المركز الصحي وعزمتُ على الأمر، وجاء رجال الدرك ،ونظروا إلي مندهشين مستغربين ثم غادروا أما ابنتي فقد شعرت باليأس....
صمت الرجل ثم تنهد قائلا:
ـــ بعد ثلاث أيام توفيت حفيدتي...لا تقل شيئا أيها الشاب ...ماتت بسبب الأجل وليس لأني رفضت أن تذهب إلى المستوصف...
صمت مرة أخرى ثم ما لبث أن أكمل: ـــ
ـــ وبعد شهرين بالتمام ماتت والدتها، ابنتي، حزنا عليها! استمريتُ مدة عام أو أكثر حزينا على ابنتي وحفيدتي، فلم أخرج من البيت ...
يا ولدي بدل أن ألوم نفسي على الجهل ، ازدادتْ كراهيتي للدواء والصيدلية ! ترسخت في ذاتي عداوة الطب والأطباء! لولا أن ابن آخي في الخارج ينتظر ، يحرسني لفررت من هنا....
لا أستطيع أن أجلس أمام الطبيب.....
صمت الرجل ، وصمت كل من في قاعة الانتظار ...
أقبلت الممرضة ونادت بصوتها الحلو : ـــ المريض رقم أربعة ....


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد