المشروعات الحكومية والشراكة مع القطاع الخاص

mainThumb

06-10-2024 11:15 AM

خلال فترة تطبيق أول قانون شراكة بين القطاعين العام والخاص رقم 31 لسنة 2014، طرحت فكرة إدارة الإستثمارات الحكومية وكيفية إنضاج مقترحات الإستثمارات العامة قبل إعتمادها كمشاريع، والتي قد تواجه لاحقاً تحديات، لغياب الدراسات الكافية، أو ظهور مخاطر غير متوقعة، مما يورط الحكومات بمشاريع غير مجدية إقتصادياً، إلى أن إستقر الأمر بإصدار قانون مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص رقم 17 لسنة 2020، الذي تضمن لأول مرة إستحدث السجل الوطني للمشروعات الحكومية الإستثمارية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وبقي هذا التوجه قائماً في قانون مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص الجديد رقم 19 لسنة 2023.

فما هو هذا السجل، ومن هي الجهة القائمة على إدراته، وكذلك الجوانب الأخرى ذات العلاقة؟.

للوقوف على الأسباب الموجبة لإستحدث هذا السجل، نعود لمشروع القانون الذي جاء بفكرته، والذي أصبح لاحقاً قانون مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص رقم 17 لسنة 2020، فقد جاءت الأسباب الموجبة بصياغة عامة، دون تبرير واضح يخص السجل، ولعدم وجود مذكرة إيضاحية لذلك القانون، شأن العديد من القوانين بالمملكة خلافاً للممارسات المثلى، نعود للأرشيف التاريخي لمجلس النواب الثامن عشر بإعتباره المصدر الإسترشادي، فقد تبين وجود سجّال بين مجلس النواب والحكومة، كان محصوله ما يلي:

الموقف النيابي: يرى جانب من النواب؛ عدم الحاجة لهذا السجل إبتداءاً، وإن كان له بُد؛ فمكانه ليس في وزارة التخطيط، منعاً لتشتت الإختصاص وزيادة المرجعيات، ويوجد جهات حكومية أخرى أولى به، وأكثر إتصالاً بملف الشراكة، خاصة بعد إنشاء هيئة الإستثمار كنافذة موحدة للإستثمار، وإن بقاء هذا السجل بعهده الهيئة، أو وزارة المالية، يسمح برقابة البرلمان على المخصصات المالية للمشاريع الحكومية والإستثمارية العامة، بينما الأموال المتأتية لوزارة التخطيط، لا تدخل في الموازنة العامة للدولة، ولا تخضع لرقابة مجلس النواب، وإن إنشاء هذا السجل، وتبيعته بهذه الطريقة، لن تكون إلا هدراً جديداً للأموال العامة.

الموقف الحكومي: جاء رد الحكومة على لسان رئيسها وبعض الوزراء؛ بأن السجل هو فقط قاعدة بيانات للمشاريع المقدمة من الوزارات والبلديات وغيرهم، ويتم من خلاله تقييم مدى الحاجة إليها، والبحث بآلية تمويلها؛ أما من قبل الخزينة، أو المنح الخارجية، أو بالشراكة مع القطاع الخاص كفرصة إستثمارية بالتنسيق مع وحدة الشراكة، وهيئة الإستثمار، وبهذا، يتم توزيع الأدوار حسب المشاريع بين وزارة المالية، ووزارة التخطيط، وحدة الشراكة، فالسجل يعني مشاريع ذات أولوية وطنية؛ وليس مرحلة إستثمار، وإن كل أموال المساعدات المتأتية للأردن تدخل الخزينة فقط، وبعض المنح والقروض الميسرة تدخل الخزنية مباشرة، بينما هناك مشاريع تمول مباشرة من قبل المانحين.

وقد إنتهى ذلك السجّال؛ بإقرار البرلمان للسجل الوطني للمشروعات الحكومية الإستثمارية بوزارة التخطيط، ضمن إقرار كامل مشروع قانون مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص السابق رقم 17 لسنة 2020، علماً بأن الأسباب الموجبة لإقرار ذلك القانون كانت هي ذاتها لإقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الجديد رقم 19 لسنة 2023 من قبل مجلس النواب التاسع عشر، وبإستعراض هذا القانون والتشريعات الصادرة بموجبه، يمكن التعرف على جوانب السجل الوطني، وفقاً لما يلي:

- السند القانوني لإنشاء السجل:
تضمنت المادتين 2 و5 من القانون، إنشاء سجل وطني للمشروعات الحكومية الإستثمارية، على أن تنظم شؤونه بنظام يصدر لهذه الغاية، وقد صدر هذا النظام بالرقم 8 لسنة 2024، متضمناً المواضيع الخاصة به.

- الأهداف المرجوة لإنشاء السجل:
1- توفير قاعدة بيانات شاملة للمشروعات الحكومية الإستثمارية، ومشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وأرشفة وحفظ وثائقها بما في ذلك الدراسات، والمعايير الفنية، ومعايير التقييم.
2- إعتماد نهج موحد بعملية إختيار المشروع الحكومي الإستثماري، ومشروع الشراكة المقترح وتقييمه، وتوفير وسيلة للرقابة عليها خلال مراحلها المختلفة، وضمان الإستخدام الأمثل للموارد العامة.

- المشروعات التي تدرج في السجل:
1- مقترحات المشروعات الحكومية الإستثمارية.
ويعرف المشروع الحكومي: بأنه أي مشروع تحت إشراف الجهة الحكومية ومسؤوليتها، ومدرج في السجل، على أن ترصد نفقاته الرأسمالية في قانون الموازنة العامة، ويهدف إلى تطوير الأصول المالية الثابتة، أو تقديم الخدمات العامة أو تحسين مستواها.
2- مقترحات مشروعات الشراكة.
ويعرف مشروع الشراكة: بأنه أي نشاط يهدف إلى تقديم خدمة عامة، أو تحسينها، بمقتضى علاقة تعاقدية طويلة المدى بين الجهة الحكومية والقطاع الخاص؛ مبنية على توزيع المخاطر، ويكون تحت إشراف الجهة المتعاقدة، ومسؤوليتها ومدرجا في السجل.

- الجهة القائمة على إدارة السجل والإشراف عليه:
1- لجنة المشروعات الحكومية الإستثمارية برئاسة وزير التخطيط، وعضوية وزيري المالية، والإستثمار.
2- وحدة إدارة الإستثمارات الحكومية في وزارة التخطيط المنشأة بموجب نظام التنظيم الإداري لوزارة التخطيط والتعاون الدولي رقم 92 لسنة 2018.
وقد عهد إليهما منذ صدور نظام السجل الوطني للمشروعات الحكومية الاستثمارية السابق رقم 27 لسنة 2021، إدارة السجل والإشراف عليه، وإستمر الأمر كذلك بعد صدور قانون مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص الجديد رقم 19 لسنة 2023، ونظام السجل الوطني للمشروعات الحكومية الاستثمارية الجديد رقم 9 لسنة 2024.

- مهام وحدة إدارة الإستثمارات الحكومية:
1- إدارة السجل الوطني وتحديث بياناته، وتوثيق الدراسات والوثائق والتقارير المتعلقة بالمشروعات الحكومية الإستثمارية، ومشروعات الشراكة، والتنسيق مع دائرة الموازنة العامة لتحديد السقوف المالية للنفقات الرأسمالية للمشروعات الحكومية الاستثمارية ذات الأولوية بمشروع قانون الموازنة العامة.
2- التعاقد مع الخبراء والمستشارين لإجراء دراسات الجدوى الأولية لمشروعات الشراكة التي تتطلب ذلك، وإعداد الأدلة الإجرائية، والنماذج لمراحل الإختيار، والتقييم والتنفيذ والمتابعة للمشروعات الحكومية الإستثمارية؛ لإرشاد الجهات الحكومية، ومساعدتها بإجراءات الإختيار والتسجيل.
3- تقييم مذكرة مقترح المشروع الحكومي الإستثماري، وتصنيفها وتسجيلها، وتقييم دراسة الجدوى الأولية إن وجدت، لرفعها للجنة المشروعات الحكومية الاستثمارية للموافقة عليها بالتنسيق مع دائرة الموازنة العامة، وكذلك تقييم مذكرة مقترح مشروع الشراكة، وتصنيفها وتسجيلها، وتقييم دراسة الجدوى الأولية إن وجدت، والتنسيق مع وزارة الإستثمار بخصوص نتائج التقييم.
4- إدراج مقترحات المشروعات الحكومية الإستثمارية الموافق عليها من اللجنة في السجل، وإعلام الجهة الحكومية بذلك، والتنسيق بينهما والإشراف على تنفيذ التعليمات والقرارات الصادرة عن اللجنة، وإدراج مقترحات مشروعات الشراكة في السجل بعد التنسيق مع وزارة الإستثمار، وإعلام الجهة الحكومية.
5- تقديم دعم فني للجهة الحكومية خلال مراحل المشروع الحكومي الإستثماري، ومراجعة أي تعديلات عليه أو الجداول الزمنية المعتمدة من لجنة المشروعات الحكومية الإستثمارية خلال أي من مراحله.
6- تسلّمُ التقارير الدورية المتعلقة بالمشروع الحكومي الإستثماري من الجهة الحكومية خلال تنفيذ المشروع، أو بعد تنفيذه وبدء تشغيله، والرقابة على جودة مخرجاته، والمراجعة اللاحقة له للتأكد من تحقيق أهدافه، وفقا للكلف المالية والجداول الزمنية المعتمدة، والفوائد الإقتصادية المتوخاة منه.
7- متابعة وتقييم مخرجات أنشطة الجهة الحكومية المتعلقة بإشراك المجتمع المحلي خلال مراحل المشروع الحكومي الإستثماري، وضم مشروعات الشراكة صغيرة الحجم ذات الطبيعة المتشابهة كمشروع واحد وتسجيله بالسجل، والتنسيب لوزير التخطيط إصدار تقرير دوري حول الأداء الشامل للمشروعات الحكومية الإستثمارية، وأي مهام أخرى تتعلق بتلك المشروعات.

إذن، يتضح بأن السجل الوطني يساهم بتحقيق ما يلي:

1- بيان المخطط الإستثماري والتنموي الحكومي في المملكة.

2- توفير قدر كافٍ من المعلومات والدراسات عن المشروعات، وفرص تمويلها، ومتابعتها.

إن إدارة المشاريع ليست بالطريق المحفوفة بالورود، فهي تواجه مخاطر متنوعة، بعضها مدروس مسبقاً، والأخر غير متوقع، مما يتطلب الكثير من الجهد والتخطيط، حتى يتمكن المشروع من إجتياز كافة مراحله ضمن الأطر الزمنية، والمحددات المالية، لتحقيق أهدافه وفقاً للدراسات المعدة له، فالمشاريع سواء أكانت بالشراكة مع القطاع الخاص، أو الإستثمارية الحكومية، ولكونها تتصل بالمرافق العامة، فالعناية فيها أوجب، حماية للمصلحة العامة، ودراً لشبهة الفساد، خاصة، وأن القطاع العام يهدف بأن يكون المشروع مجدياً إقتصادياً، بينما يركز القطاع الخاص على الربحية والجدوى المالية، وإن تحقيق كلا الهدفين، يتطلب التحضير الكاف والدراسات المحكمة، وكذلك الرقابة والإدارة الكفؤة، بإعتبار ذلك ضمن أهم عمليات المشروع.

وطالما أن وزارة التخطيط تمارس أدوار تنظيمية وتمويلية تتعلق بالمشروعات الإستثمارية بشقيها الحكومية والشراكة، فإن بقائها الحاضنة للسجل الوطني يتفق والمادة 5 من قانون التخطيط والتعاون الدولي رقم 10 لسنة 2024، بإعتبارها الجهة المعنية بملف المانحين، وحلقة التواصل بين الوزارات والدوائر والمؤسسات الرسمية والعامة ومصادر التمويل الخارجي، ولها المشاركة بتحديد معايير وأولويات الإقتراض الخارجي للمشاريع، والتفاوض لتوفير التمويل للمشاريع ذات الأولوية بالخطط الحكومية، ومتابعة تنفيذها، ووفقاً للمادة 8 المشاركة بدراسة بعض المشاريع الرأسمالية الجديدة التي ستدرج بالموازنة العامة، أو بحاجة لتمويل خارجي، على أن تسجل بالسجل الوطني بالتعاون مع الوزارات والدوائر والمؤسسات الرسمية والعامة.

وفي حال تغيرت التشريعات، أو تبدلت الأدوار بقادم الأيام، فقد يكون المكان الأقرب للسجل الوطني هو وزارة الإستثمار، كونها المرجعية وصاحبة الإختصاص بما يتعلق بالإستثمار، ومشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص وفقاً لقانون البيئة الإستثمارية رقم 21 لسنة 2022.

وفي سياق الحديث عن تمويل المشروعات، فأمام العجز المالي بالموازنة العامة للدولة، وتراجع القدرة على الإنفاق الرأسمالي، يبقى التمويل من خلال المنح والقروض أو القطاع الخاص، هو المتاح لإدامة تنفيذها، رغم أن إستمرار الإقتراض، يفاقم المديونية المتضخمة إبتداءاً، لهذا، تبقى الشراكة مع القطاع الخاص، الخيار الوحيد والأفضل لما يملكه من قدرات مالية وفنية، وآليات محاسبة، وإنخفاض بمعدلات الفساد، وفيه لا تفقد الدولة ملكية المنشآت العامة، بل تعود لها بعد إنتهاء مدة الإستثمار، وهذا ما يميز الشراكة عن التخاصية، التي تعني التخلي كلياً أو جزئياً عن ملكية الأصول العامة أو الخدمات مقابل ثمن، كما جرى ببيع حصة الحكومة في شركة الإتصالات الأردنية، وتحول دور الدولة من مالك ومشغل بالقطاع، إلى منظم لعمل مشغلي القطاع، ومراقبة السوق وحماية المستهلكين، من خلال هيئة تنظيم قطاع الإتصالات.

مع التنويه هنا، إلى نافذة تمويل هامة غير تقليدية، وهي التمويل الإسلامي وفقاُ لقانون صكوك التمويل الإسلامي رقم 30 لسنة 2012. فرغم تواضع اللجوء إليه، لكنه يمكن أن يوفر تمويل للقطاع العام، ومثاله، قيام الحكومة بإصدار صكوك لتمويل شركة الكهرباء الوطنية لشراء الوقود الثقيل من نوع (مرابحة للآمر بالشراء)، وتمويل إنشاء مبنى وزارة المالية الجديد من نوع (الإجارة المنتهية بالتمليك)، وتمويل شراء قمح وشعير لوزارة الصناعة والتجارة من نوع (وكالة بالإستثمار). كذلك، فالصناعة المالية الإسلامية قادرة على توفير تمويل لمشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص وفقاً لنماذج التمويل الإسلامي التي تتوائم وطبيعة المشروع، ومثاله مشروع الشراكة الخاص بمطار الملكة علياء الدولي عام 2007؛ والذي نفذ على نموذج BOT، وقد تضمن بجزء من التمويل الخاص به، أول قرض تقليدي إسلامي ثنائي الشريحة بالشرق الأوسط، حيث إشتمل المشروع على صكوك إسلامية؛ بما فيه المضاربة، والإجارة، والإستصناع.

وبإستعراض المشاريع المسجلة في السجل الوطني للإستثمارات الحكومية المنشورة - حتى تاريخه - على الموقع الإلكتروني لوحدة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، نجدها ثلاثة مشاريع، وهي:

1- مشروع شبكة الألياف الضوئية الوطنية
مضمونه: تأجير وتسويق وإدارة وتشغيل وتوسعة شبكة ألياف ضوئية، التي ستدعم عملية التحول الرقمي في قطاعات التعليم والصحة والقطاع الحكومي، من خلال ربطها بشبكة عريضة النطاق في جميع أنحاء الأردن، مع إمكانية الإتصال بشبكات إقليمية أخرى.

2- مشروع إنشاء مباني وساحات الشحن والركاب للمعبر الحدودي البري الجديد لجسر الملك حسين
مضمونه: إنشاء مباني وساحات جديدة كلياً لجسر الملك حسين، لتكون بديلاً عن المرافق القائمة حالياً، تلبي المعايير الدولية الحديثة، وذات سعة كافية وسهلت الإستخدام وقابلة للتوسع، لإستيعاب الحركة المتزايدة للمسافرين والشحن، وتقلل المدة الزمنية للإنتقال، والسفر والشحن، وترفع كفاءة وسرعة عمليات التدقيق والكشف.

3- مشروع تطوير وبناء 14 مدرسة لوزارة التربية والتعليم
مضمونه: إشراك القطاع الخاص في تطوير 600 مدرسة من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وكمرحلة أولية، قامت الوزارة بإطلاق مشروع ريادي لبناء 14 مدرسة كمرحلة تجريبية في كل من محافظة العاصمة، والزرقاء، ومأدبا.

يلاحظ، بأن المشروعات المدرجة في السجل الوطني قليلة العدد، رغم مضي 10 سنوات على إقرار أول قانون للشراكة بين القطاعين العام والخاص عام 2014، مما يتطلب الوقوف على أسباب ذلك. سيما، وأن الموقع الإلكتروني الرسمي لوحدة مشروعات الشراكة لم يتضمن ما يشير لمشروعات الشراكة التي نفذت بالكامل، أو قيد التنفيذ وفقاً لتشريعات الشراكة السابقة أو النافذة حالياً، فقصص النجاح المذكورة لمشروعات شراكة في المملكة في ذات الموقع الإلكتروني للوحدة، وهي:

 مشروع إعادة تأهيل وتوسعة وتشغيل مطار الملكة علياء الدولي عام 2007
 مشروع محطة تنقية مياه الصرف الصحي في الخربة السمراء عام 2003
 مشروع جر مياه الديسي عام 2009
 مشروع ميناء حاويات العقبة عام 2006
 مشاريع الشراكة في قطاع الطاقة (ممتدة على مدار عدة سنوات مضت)

فكلها تعود لمشاريع شراكة سابقة؛ نفذ بعضها تحت مظلة قانون التخاصية (الملغي) رقم 25 لسنة 2000، وتشريعات قطاعية أخرى، وهذا قبل صدور قوانين الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والبعض الآخر، نفذ خارج قوانين الشراكة التي صدرت لاحقاً، وأولها قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص رقم 31 لسنة 2014، كون مجلس الوزراء آنذاك، أصدر قرار بإستثناء مشروعات قطاع الطاقة، وقطاع المياه من تطبيق أحكام هذا القانون لمدة 3 سنوات، وبالتالي، طبقت التشريعات القطاعية عليها على الأرجح.

من جانب آخر، لم نلحظ في السجل سوى مشاريع الشراكة الحكومية بالمعنى الضيق، بينما قانون مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص رقم 19 لسنة 2023، والقوانين السابقة له، يطبق على أي دائرة أو مؤسسة رسمية عامة أو مؤسسة عامة أو هيئة أو مجلس أو سلطة أو بلدية أو شركة مملوكة بالكامل للحكومة، أو لأي من تلك الجهات، أو التي تساهم فيها الحكومة أو أي من تلك الجهات بنسبة تزيد على 50%. رغم أن تسجيل المشروعات بالسجل مسألة وجوبية على كافة الجهات المشمولة بالقانون، وبخلاف ذلك، تغيب المعلومات ويعتري الخريطة الإستثمارية الوطنية النقص، ويصبح المجال متاحاً لتنفيذ مشروعات شراكة خارج الأطر التنظيمية والرقابية الواردة في قانون مشروعات الشراكة النافذ، وهذا يفرغ القانون من محتواه ويجعله لغواً، رغم أولوية تطبيقه لكونه القانون الخاص والأحدث بالصدور لمشروعات الشراكة في المملكة، مما يرتب المسؤولية القانونية وفقاً لقانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960، وقانون محاكمة الوزراء رقم 35 لسنة 1952.

مع الإشارة، لغياب مشاريع الشراكة الخاصة بالبلديات عن السجل الوطني، مما يستدعي البحث في أسباب ذلك، والتي أرى منها، عدم الدراية الكافية بتشريعات الشراكة على المستوى المحلي، أو الرغبة بالإنطواء تحت مظلتها؛ بذريعة أنها مؤسسات أهلية منتخبة تتمتع بشخصية إعتبارية مسنقلة مالياً وإدارياً وفقاً لقانون الإدارة المحلية رقم 22 لسنة 2021، ولها تشريعات خاصة لتنفيذ المشروعات، ومثله إعلان بلدية أمانة عمان الكبرى قبل فترة عن طرح عطاء مشروع عمان مدينة ذكية الحزمة الأولى وفقاً نموذج DBOT (تصميم، بناء، تشغيل، ونقل ملكية)، بهدف تعزيز التعاون مع القطاع الخاص، ودمج التكنولوجيا المتطورة بالمشروع، وهذا المشروع لم يظهر من قبل في السجل الوطني، رغم وضوح النص القانوني بشمول البلديات بتشريعات الشراكة منذ صدور أول قانون عام 2014، وأنه لا يجوز تطبيق أي تشريع آخر يخالف قانون مشروعات الشراكة النافذ رقم 19 لسنة 2023.

بالختام، فمن إطلاعي بالموضوع، يوجد بشكل عام قلة معرفة بالسجل الوطني للمشروعات الحكومية الإستثمارية ودوره، وهذا جزء من عدم الفهم السليم لتشريعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المملكة، رغم مضي 10 سنوات على صدورها، ولا أبالغ بالقول، بأن بعض القيادات في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وحتى القطاع الخاص، يظن بأن هذه التشريعات جاءت لتنظيم العلاقة بين القطاعين العام والخاص بمجال التشاركية برسم السياسات والخطط والبرامج العامة، وهذا بعيد كلياً عن جوهرها، فهي تشريعات ناظمة لتنفيذ مشروعات البنية التحتية والخدمات العامة، تقوم على توزيع المخاطر، والإستفادة من قدرة القطاع الخاص المالية والفنية بالتنفيذ، بما يسمح للقطاع العام من التخلص من أعباء التمويل أو التشغيل، وغيرها من المخاطر.

لهذا، فرغم جهود وزارة الإستثمار، ووحدة الشراكة، بالتوعية بمواضيع الشراكة مع القطاع الخاص، تبقى الحاجة لمزيد من الإرادة السياسية للنهوض بملف الشراكة في المملكة، خاصة مع إنفاذ رؤية التحديث الإقتصادي والبرنامج التنفيذي لها، وما تضمنته من مشاريع هامة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، سيما بالنظر لإنخفاض عدد مشاريع الشراكة حالياً، رغم صدور 3 قوانين على مدار 10 سنوات مضت، وأهمية متابعة تطبيقها على الجهات المشمولة بها، خاصة وزارة الإستثمار المعنية بإنفاذها وجلب المستثمرين، وفقاً لقانون البيئة الإستثمارية رقم 21 لسنة 2022، وقانون مشروعات الشركة بين القطاعين العام والخاص رقم 19 لسنة 2023، إضافة لأهمية دور وزارة الإدارة المحلية، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي، وكذلك البلديات، والمحافظين، وإدارات التنمية المحلية في المحافظات، إلى جانب بنك تنمية المدن والقرى، وإمكانية الإستفادة من برامج الدعم الفني المقدمة من الجهات المانحة بهذا الخصوص. وأخيراً، بناء القدرات وتمكين الجهات المعنية في السجل الوطني بمجال التخطيط الإستراتيجي، والأولويات الوطنية، والجوانب المتصلة بالمشاريع المقترحة، ومنها التحليل الإقتصادي والمالي، والإعداد الفني، والتصنيف، والتقييم، والتمويل، والأطر القانونية، وإدارة المخاطر.

بشار محمد البطوش
محامي ومستشار قانوني
basharkj@gmail.com





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد