مواجهة الموت بـ«مندل ليلى عبد اللطيف»

mainThumb
كاريكاتير (الشرق الأوسط)

03-10-2024 11:58 AM


أثار اغتيال الأمين العام لحزب الله اللّبنانيّ حسن نصر الله، الجمعة الماضية، حالة ذهول وعدم تصديق في أذهان «مُريديه» والموالين له، والنّاسُ بطبعهم أكثرُ ميلًا لتصديقِ الخَوارق، والنّظريات الخفيّة في مواجهة المَوت: صعبِ التّصديق والتّفسير والاستيعاب، فقد روي (في البداية والنّهاية، وتاريخ الذهبي ومسند أحمد) أنّ عمر بن الخطّاب أشهر سيفه وقال: «مَنْ قال إنّ محمدًا قد مات قتلته بسيفي هذا»، وفي مواجهة الحياة أيضًا في ظلِّ العجز وقلّة الحيلة والهزيمة المقيمة للإنسان.
وقد وجدت حالةُ الذّهول والإنكار هذه ضالّتها في «مندَل» السّيدة ليلى عبد اللطيف، التي لطالما أثارت توقعاتها الجَدَل؛ فأعاد مستخدو وسائل التّواصل على نطاقٍ واسع نشر توقعاتها عن عودة زعيمٍ للحياة، وعن فشل اغتياله، الأمرُ الذي جعلَ النّاس يظنّون أنّها تنبأت بما سيحصُلُ مع نصر الله، الذي لم يُدفن بعد، ولم يستطع حزب الله (لغاية كتابة هذه التّدوينة) إقامة جنازةٍ له، كما تنبأت (حسب تدوينات) بأحداث كثيرة مثل سقوط طائرة الرئيس الإيرانيّ وغير ذلك.
إلى هُنا لا يبدو الأمر مثيرًا للاهتمام، لكنّ الإثارة تبدأ من تعليقات المذيع الذي كان يدير الحوار مع ليلى عبد اللطيف، ولا ينتهي بآلاف التعليقات التي تتحدث عن «عودة» صدّام حسين للحياة، أو القذافي، أو موسى الصّدر، أو حتّى حسني مُبارك، وأنّ كلام ليلى يخصُّ واحدًا من هؤلاء ولا يخصُّ نصر الله. وهذا ذكّرني بعشرات الصّور ومقاطع الفيديو التي ظلّت تظهر لسنواتٍ بعد اعدام صدّام حسين تؤكّد أنّه على قيد الحياة، وأنّه «سيعود» كإله بابليّ من الموت، لينتقم أو ليحكم أو ليوحّد العرب أو ليقضي على «إسرائيل» أو (...)
هناك قضايا كثيرة تجدر دراستها في هذا الموضوع، لكنّ ما فكّرتُ فيه هذا الصّباح هو حالةُ النّكوص أو اجترار الماضي كخطة عربيّة وحيدة لإصلاح الحاضِر، من باب ما يُنسب لعليّ بن أبي طالب: «رُبَّ يَومٍ بَكَيتُ مِنهُ فَلَّما صُرتُ في غَيرِهِ بَكَيتُ عَلَيهِ»، هذه النوستالجيا التي لا نهاية لها، تمنعُ التفكير في إصلاح الحاضر والمستقبل، وتتغنّى بالماضي وبما (وبمن) مرّ فيه، ولا تقدّم أيّ شيءٍ يذكر للإجابة على أسئلة وأوضاع مُلحّة، وهذه الخطّة أو الاستراتيجيّة يتمّ العمل بها على الصّعيد الشعبي والرسمي والمؤسساتي والحِزبي، (مثلًا حينَ قرّر أحد الأحزاب أنّ مرحلة أمينه العام السابق تحتاجُ نوعًا من المعالجة أو الإصلاح، أعاد انتخاب الأمين العام الذي قبله) وهكذا.. والأمثلة كثيرة.
بكلّ الأحوال؛ انضمّ نصر الله إلى قائمة المغيّبين المأمول عودتهم في السّياق العربيّ، وانضمّ كذلك إلى القائمة الطويلة لضحايا بيروت، «عاصمة القتل الأولى» كما وصفها بحرقة اللبنانيّ سمير عطالله في مقالٍ له (أمس) الأربعاء بصحيفة الشرق الأوسط، وانضمّت لبنان كلّها لضحايا التغوّل الصهيونيّ على المنطقة العربيّة، حيثُ لا شيء ولا أحد بات قادرًا على إيقافَ توحّش نتنياهو، أمّا العربيّ فلديه عقدة بُنيويّة في أصل تكوينه (build in) هي عقدة «سيف بن ذي يزن»، الملك الحِميريّ حينَ استعانَ بكسرى الفُرس لتحرير اليمن، فكانَ كأنّه "استبدلَ أسيادًا بأسيادٍ". في التّاريخ الكثير من العِبَر والدّوران والتّكرار لا لأنّ الأحداث متشابهة؛ بل لأنّ أخطاء (وخطايا) الإنسان متكرّرة، وكلُّ إنسان «بتعلّم من كِيسُه»، كما تقول الجدّاتُ الفلسطينيّات، مع أنّ أحدًا لا يتعلّم، ويبقى الدّم العربي هو وقود الصّراعات التي تشعلها أميركا في المنطقة، ويقفُ العرب لاطمين أو فرحين حسبَ الضّحية.



(بيروتُ.. تقتل كل يومٍ واحدًا منّا..
وتبحث كلّ يومٍ عن ضحية
والموت.. في فنجان قهوتنا..
وفي مفتاح شقتنا..
وفي أزهار شرفتنا..
وفي ورق الجرائد..
والحروف الأبجدية...
ها نحنُ.. يا بلقيس ..
ندخل مرةً أخرى لعصر الجاهلية ..
ها نحن ندخل في التوحش..
والتخلف.. والبشاعة.. والوضاعة ..
ندخل مرةً أخرى .. عصور البربريّة ..)

نزار قبّاني



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد