مآلات فنّان شجاع .. حسين دعيبس وحيدًا في دار المسنين

mainThumb
صورة أرشيفية، حسين دعيبس وكاظم الساهر (متداولة)

22-09-2024 11:50 PM

عمّان- السّوسنة-  كتبَ خالد الطوالبة

في صباح صيفي من عام 2014، كنت أقف وزميلنا في الغد الأردنية احمد الشوابكة في شارع العشاق في مادبا حينما لمحته لأول مرة. حسين دعيبس، المخرج الأسطوري لأغاني كاظم الساهر، كان يمر بجانبنا بخطوات ثابتة، شامخًا كالجبل، يحمل في عينيه قوة وعزيمة قل نظيرها.

كان ذلك المخرج الذي يسعى كل مطرب في التسعينيات لإقناعه بإخراج أغنيته. تمنيهم لذلك كان طبيعيًا، فهو المخرج الذي استطاع تحويل الأغنية المصورة إلى لوحة فنية تعبر عن الأحاسيس والمشاعر بأعلى مستويات الإتقان.
لم يكن حسين دعيبس مجرد مخرج عادي. كان فنانًا ذا رؤية بصرية غير مألوفة. كانت كلماته المأثورة "أكشن" تنطلق كصدى القوة والإبداع في كل موقع تصوير يديره.
كانت قبعته الشهيرة دائمًا ترافقه، وكأنها جزء من هويته المهنية. ذلك المشهد يتكرر أمام عيني اليوم بينما شاهدت لقاءه الأخير على صفحة الزميل ربيع هنيدي ، رجل كبر به الزمن لكنه لا يزال متمسكًا بشموخه وكبريائه، رغم الهزائم التي ألحقتها به الحياة.
لكن هذه ليست قصة نجاح كما كانت في التسعينيات. إنها قصة كيف يمكن لرجل مثل حسين دعيبس أن يُترك ليواجه قدره وحيدًا، بعد أن أصابته جلطة دماغية جعلته ينتهي في دار مسنين، بعيدًا عن الأضواء وبعيدًا عن الذاكرة الوطنية التي يبدو أنها قررت نسيانه.

كيف نسي الوطن حسين دعيبس؟
حسين دعيبس، الذي ملأ شاشات التلفاز بإبداعاته، والذي كانت له بصمات واضحة في تاريخ الأغنية العربية المصورة والمسلسلات البدوية وغيرها، وجد نفسه فجأة خارج المعادلة. المخرج الذي لطالما عاش على حافة الشهرة والنجاح، انزلق إلى هاوية النسيان بعدما ابتعد عن الساحة الفنية بسبب صحته المتدهورة. في لحظة، اختفى حسين دعيبس عن الوعي الجماعي للمجتمع، وكأنما رُفِع الستار عن مسرح حياته دون تصفيق أو توديع.
الجلطة الدماغية التي أصابته كانت نقطة الانحدار الكبرى. حيث بدأ الوضع الصحي يتدهور، وبدأت ذاكرة الزمن تلتهم إنجازاته، وصولًا إلى اللحظة التي انتهى فيها في دار مسنين، من دون أن يسأل عنه أحد. كيف يمكن لرجل بهذه العظمة الفنية أن يجد نفسه في مثل هذا الموقف؟ وكيف تخلت الدولة بكل مؤسساتها عن أحد أبنائها المبدعين الذين قدموا للوطن وللعالم العربي ما لم يقدمه غيره؟
إذا كان الفن هو مرآة الأمة، فإن حسين دعيبس هو جزء من تلك المرآة التي تعكس إبداعًا وجمالًا تجاوز حدود الفن ليصل إلى القلوب والعقول.
حسين لم يكن مجرد مخرج، كان فنانًا ملتزمًا بجودة العمل وصورة بلاده. كان سفراء الفن العربي يتحدثون عنه بإعجاب، وكانت أعماله تذاع في كل بيت عربي. فكيف لمن خدم دولته بهذا الإبداع ألا يحصل على تقدير؟ ألا يحق له عيشة كريمة؟ ألا يحق له أن يكون له مكانة محترمة حتى في مرضه؟
الدولة، بمؤسساتها الفنية والثقافية، كان من المفترض أن تحتضن حسين دعيبس وتمنحه التكريم الذي يستحقه، لا أن تتركه ليموت ببطء في زاوية منسية.

أين الجميع؟
ربما يكون السؤال الأصعب: أين الفنانون الذين كان دعيبس يصنع لهم أبهى صور الشهرة؟ أين تلك النجوم التي كانت تتلألأ على أنغام إبداعاته؟ هل نسيته الذاكرة الجماعية؟ كيف تخلت عنه الأسماء الكبيرة التي سعت وراءه يومًا ما ليخرج لهم أغانيهم؟
أليس في ذلك خذلان أكبر؟ نحن هنا لا نتحدث عن مجرد مخرج، نحن نتحدث عن إنسان أعطى الكثير، ولم يجد سوى القليل في المقابل.

النهاية الحزينة: دار المسنين

اليوم، يعيش حسين دعيبس في دار للمسنين. ليس بسبب ضعف في موهبته، ولكن بسبب ضعف في الذاكرة الجماعية التي قررت نسيانه. تلك القبعة التي كان يرتديها بفخر كل يوم وهو يقول "أكشن"، لا تزال ترافقه. لكنها اليوم تغطي رأس رجل أنهكه الزمن، ولكنه لا يزال يحتفظ ببصيص من الكبرياء الذي لطالما ميّزه.
هذه القصة ليست عن حسين دعيبس فقط، بل هي عن كل مبدع يُنسى في خضم الحياة. هي رسالة لكل المؤسسات الفنية والثقافية، وإلى الدولة نفسها، بأن الفن لا يموت، وأن من صنعوا مجدًا لهذا الوطن يستحقون أن يكرموا حتى في لحظات ضعفهم.
لا تجعلوا أبناء البلد يفقدون الأمل.

اقرأ المزيد:






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد