بعيدًا عن السّياسة .. سميرة توفيق أم «حمّو بيكا»؟

mainThumb
مصدر الصورة (الجزيرة)

22-09-2024 10:36 PM


رغمَ أنّ الأحداث الإقليمية في تسارعٍ مستمرّ، وهو التّسارع الذي من الممكن أنْ يفضي لحربٍ إقليميّة حقيقيّة، خاصّة بعد اغتيالات الاحتلال الأخيرة لقادةٍ في «حزب الله» اللبنانيّ، إضافة إلى تفجيرات الأجهزة اللاسلكيّة الخاصّة بمنتسبيه، وما غلّف هذه الأحداث من صدماتٍ وتحقيقاتٍ أفضت طُرُقها هذه المرّة إلى «المجر» قبل أن تتشابكَ الخيوط وتخلط وتتوه، مع أنّ لا أحدَ يستطيعُ أن تشيرَ أصابعُ اتّهامٍهٍ إلى غير دولة الاحتلال، التي يقودها «نتنياهو» ومجانينه المتطرفون إلى الخراب، بعد نحو عامٍ من إبادة قطاع غزّة.
ورغمَ أنّني لستُ في الأردن لأقول إنّ الشارعَ الأردنيّ انشغلَ بهذا الأمرِ أو ذاك، لكنّ لوسائل التّواصل الاجتماعيّ شوارع خاصّة. لذا؛ يمكنني القول إنّ الشارع الأردنيّ عبر التواصل الاجتماعيّ (منصّة أكس وأخواتها)، انشغلَ بالجدل حول صورة اللبنانيّة سميرة توفيق، وهي (تُزيِّنُ) مناهج التربيّة الفنيّة والموسيقيّة للصّف الرابع الابتدائيّ، وذلكَ بعدَ أقلّ من أسبوع على الانتخابات النيابيّة التي أفرزت تقدمًا واضحًا للتيّار «الإسلامويّ» في الأردن، بحصوله على واحدٍ وثلاثين مقعدًا في البرلمان العشرين للمملكة، ولا أوردُ الخبرين معًا للربط بينهما.
انصبّت الانتقادات على المنهاجِ الذي خُصّص للموسيقى، وذكر إلى جانب سميرة توفيق، سيّدة الغناء العربي المصرية الراحلة أم كلثوم، والممثلة والمخرجة الأردنيّة جولييت عوّاد، بحيثُ يعودُ بنا المنهجُ إلى جيل «الزمن الجميل»، حيثُ الغناءُ كانَ جزءًا من الحياة الثقافيّة العربيّة، وكلماته كانت أشعارَ شعراء العرب الكبار، مصريين وسوريين وأردنيين وتونسيين وغيرهم، وحيثُ كان الفنّ الهادف والملتزم بقضايا الإنسان وتحرّر الشّعوب، لا نزالُ نسمع إلى اليوم: «عايزين يا جمال عايزين»، و«أعطني حرّيتي أطلق يديّا»، و«أصبح عندي الآن بندقيّة»، و«يا قدس يا مدينة الصّلاة»، و«ف صبرا وشاتيلا.. المجزرة الكبيرة.. أطفال تذبحات.. شيوخ وعيالات»، وغيرها الكثير، ولا زلنا نتذكّر التلفزيون الأردني وهو يبثّ (من كلمات المجالي وصوت سميرة) «حنّا كبار البلد.. وحنّا كراسيها»، ولا زالَ هذا الفن حاضرًا في قلوبنا وأرواحنا نحنُ الأجيال التي جاءت على عتبة نهاية التسعينات.
حديثًا، ليسَ هناكَ داعٍ للتّحدث عن الغناء (الهابط) الجديد، الذي غزا أذواق الأجيال الجديدة، خاصّة مع تطبيق «تيك توك» وما شابهه، فرأينا أسماءً مثل «حمّو بيكا» و«حسن شاكوش» و«محمد رمضان» (لمعت) ولاحقت الأجيال الجديدة إنتاجاتها وهي لا ترقى للتداول لا فنيًا ولا موسيقيًا ولا ثقافيًا. لا أدّعي أنّ التعريف بالفنانين الكبار والعظام والشّعراء الكبار والعظام أيضًا في المناهج سينقذ أذواق الأجيال الجديدة من رداءة الحالة العامة التي تنتج فنًا رديئًا، وإنّما أدّعي أنّ هذا سيسهم (بشكل تراكميّ) في تنمية الذوق العام للمتلقي حينَ يقوده فضوله ذاتَ ليلة ليجرب سماع أيٍّ من أغاني أم كلثوم، أو قراءة أيِّ من قصائد عرار أو نزار أو درويش أو البارودي أو شوقي.
إذن نحنُ أمامَ خيارين، إمّا أن تتركَ الأجيال لمغنّي «تيك توك» و«بنت الجيران» و«نمبر ون»، وإمّا أن يتمّ تعريفهم بماضٍ موسيقيّ عربيّ فريد، بدأ منذ مئاتِ السّنين، منذُ زرياب والموشّحات الأندلسية، وإنّه لينتهي في هوّة سحيقة من الرداءة و«البذاءة». لستُ خبيرًا تربويًا، لكنّني أرى أنّ على مركز المناهج الأردني وكلّ المناهج العربيّة أن تضع على عاتقها تثقيف الأجيال الجديدة فنيًا وثقافيًا وأدبيًا، ومحاربة التّشدّق والتّشدد في الدين، فالدينُ يسيرٌ هيِّنٌ مُتّسع.
في مقابلةٍ نادرةٍ له مع الإعلامية ليلى شقير على شاشة التلفزيون الكويتيّ عام 1967، قالَ الشيخ عبد الباسط عبد الصّمد: "أنا أسمع كلّ صوتٍ جميل، والصوت الجميل زيادة بسمعه من السّيدة أم كلثوم، كوكب الشّرق والغرب"، هكذا قالَ صوتُ المقرئ الجميل عن صوتِ الفنانة الجميل، وبهذا الختام.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد