ورطة حزب الله ومكر السياسة

mainThumb

21-09-2024 01:08 AM

لازلت اتابع سيل التهم التي تلقفت مهمة اسناد مسؤولية عمليات تفجير الاجهزة التي ضربت جدار هيبة حزب الله في اواسط دعائمه ، لقد اجمعت التهم على حصرية الالتصاق بإسرائيل ، لقد ذهبت اجهزة التحليل والاسناد ـ امام انعدام التبني الرسمي للعملية ـ الى جمع عصير الالفاظ في علبة الاصابة المرغوبة للهدف ، لقد زادت فوق ذلك الى البحث في نفسية كل متحدث ـ ولو كان بعيدا عن موقع قرار السلطة في اسرائيل ـ واستشراف الصور المتخيلة من حاصل جمع عباراته مع توقيتها مضافا اليه شماتة مألوفة بين اطراف العداء ، تشابه في كثير من الاحيان استخراج دارس تقليدي للصور البيانية والتشبيهات المستعارة لكلمات شاعر لم يخطر بباله شيء منها .
اننا وان كنا نتفهم دقة التحليلات في كثير من تفاصيلها وبداهة الاسناد في معظم الطرق المؤدية اليه ؛ إلا أننا لا نستطيع اخفاء عدم ارتياح رأينا في اكثر من موقع تواجدا لافتا لايسمح لنا بتجاهله . لقد كان خطاب امين عام حزب الله الاخير محملا بتعابير رجل يتحدث بما ينبغي لا بما يعرف ، الرجل لم يخفي شدة الم الاصابة لكنه حاول جاهدا ـ بغير طائل ـ اخفاء شدة احراج الموقف .
مساحة الظل التي تظل بها ايران هذه المجموعة تضع رأسها وأكتافها بين فكي كماشة ، من جهة يحتمي حزب الله بايران من خلال الدعم في اكثر من جانب أهمها العسكري ؛ الذي نصب حزب الله عنصرا معاديا لاقطاب السياسة اللبنانية الداخلية التي اتخذت من اتهامه صبحا ومساء بجر البلاد الى دفع اثمان أخطاء الغير بلا مناسبة آلة تدير بها شأن شرعيتها ، والحزب ـ وفقا لهذا الاعتبارـ لا يستطيع اغفال رغبات ايران وإلا كشف عنه الغطاء وترك في مهب ريح الهجوم الداخلية ومخالب التآمر الخارجية ، من جهة ثانية : يعجز الحزب باعتبار مقدرته العسكرية والسياسية وضغوطه الجغرافية والطائفية عن السير الى المدى الذي يرغب داعمه بالوصول من خلاله اليه ؛ في ذلك هلاكه المحتوم الذي بدا وكأنه لايعني في حسابات ايران اكثر مما يعني في حسابات خصوم حزب الله.
ان تذويب قدرة حماس باعتبار امتداد ايام حربها مع اسرائيل التي اعتقد البعض ـ خلافا للحقيقة ـ انها في صالح حماس ضد صالح اسرائيل ؛ افقد ايران ذراعا كانت تكلفة الحفاظ عليه اكثر كلفة من تكلفة التخلص منه . لقد كان من بين عناصر الحساب الرابحة هذه استبدال قوة حماس باستخدام قوة حزب الله التي بدات مع بداية المعركة ـ لتي كان يُعتقد بسرعة ضبطها ـ بصفة الاسناد والمشاغلة على اعتبار كفاية هذا الحد من المشاركة ؛ غير أن تغير موازيين الحسابات دفع باتجاه غمس حزب الله في مستنقع المجابهة التي ضاعفت من اعباء مهمته ووضعته في موقف المتورط فيما لا دخل له فيه ، وهو ما بدا من محاولات انسحاب حزب الله المغلفة بكفاية الرد وعدم الرغبة بالتوغل في مهاجمة اسرائيل وفقا لما رسمته امتداد مساحة سطور خطابات وتصريحات امين عام الحزب ، الذي اقلقت تصريحاته ايران وجعلتها تشعر بانزعاج من نغمة حزب الله الانسحابية الهادئة .
امام هذا الوضع كان من اللازم خلق علة جهات ما الاستفادة من فرصة الدخول على خط اللعب في الخفاء ، ليس من السهل على اي مراقب تجاهل تدقيق الموساد ـ الذي وجهت له التهمة ـ في شؤون حزب الله وايران بمسائل اقل شأنا من اجهزة الاتصال ، لربما تصل حد رغيف الخبز الذي يتناوله عنصر من عناصره .
وعليه ؛ اننا لا نخفي اهتمامنا بتلك الفاصلة التي سمحت بقطع جسر التدقيق الذي تخضع له عملية تزويد حزب الله باي مورد كان ؛ والتي سمحت او سُمح لها ان تتدخل في ضبط سيطرة حزب الله ذاته على استقلاله عن داعميه والابتعاد ـ ان اقتضى الامر ـ عن رغباتهم او شيء منها .
قد تكون العملية حقا من تريب الموساد ؛ لكنها بالاقل حصلت بتسهيل او تعمد إتاحة من جهة اخرى ، إن لم تكن هذه الجهة من فعلتها ، لقد وُضع حزب الله ـ عن سابق تصميم ـ على شاطيء الطاعة الذي اختفت سفنه بل اتخمت مياهه بسفن العداء وحوصرت فرسانه بتآمر غيرهم .
بقي ان اعلن تساؤلي الذي اعتدت معاركته دوما ، كيف يمكن لعقلية العسكر وخبراء القتال ومعتادي الحرب ومهندسي الكمائن وصانعي المواقع ان يتعاملوا من ظواهر الدنيا وتفاصيل معيشتها كما يفعل غيرهم من الساذجين والبسطاء ؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد