التحيزية في التعامل مع الأفراد من ذوي اضطراب طيف التوحد

mainThumb

17-09-2024 02:26 PM

يعد اضطراب طيف التوحد (ASD) من الاضطرابات النمائية العصبية التي تتميز بعجز في مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي وأنماط سلوكية نمطية متكررة واهتمامات محددة، وتحدد شدته وفقًا إلى مستويات الدعم، وتشخيص أعراضه في مرحلة الطفولة المبكرة من الميلاد إلى سن الثامنة من العمر. ولا شك أننا اليوم نواجه بحسب الإحصائية والتقديرات الحديثة انتشار اضطراب طيف التوحد، ووفقًا للمركز الأمريكي للسيطرة والوقاية من الأمراضCenters of Disease Control and Prevention (CDC) فإنه يحدث بنسبة "1من كل 59 طفلًا" يتم تشخيصهم بأنهم من ذوي اضطراب طيف التوحد، وتبلغ نسبة الذكور أكثر بأربع مرات من الإناث.
تتأثر المجالات النمائية المُتعددة باضطراب طيف التوحدAutism Spectrum Disorder (ASD) ، لذلك طُورِت العديد من البرامج والمناهج العلاجية للأفراد الذين يُعانون من هذا الاضطراب، وتشمل هذه البرامج التدخلات السلوكية، الإدراكية، والتربوية، والأسرية وغيرها من التدخلات.
ويستند كل برنامج على فلسفة مُعينة ويستخدم استراتيجيات فريدة، إلّا أنَّ هذه البرامج والمنهجيات قد تتداخل بدرجة كبيرة فيما بينها، ومن هذِهِ التدخلات تحليل السلوك التطبيقي المُثبت علميًا، والذي يعمل على تحسين نوعية حياة الطفل ومساعدته في الوصول إلى إمكاناته الكاملة، كما ويركز منهج تحليل السلوك التطبيقي Applied Behavior analysis (ABA) كنوع من التدخلات السلوكية على السلوك البشري والقدرة على زيادة السلوكيات المرغوبة وتقليل السلوكيات غير المرغوب فيها، فهو أحد أهم المناهج المثبتة علميًا في مدى فاعليتها في فهم وتحليل وتحسين سلوك الأفراد؛ كما أُثبتت فاعليته بالأخص مع الأفراد من ذوي اضطراب طيف التوحد وغيرهم من ذوي الاضطرابات النمائية الأخرى عن طريق تحليل المشاكل السلوكية وإكسابهم العديد من المهارات البديلة والمناسبة، لكن البعض يستَغلَهُ بطريقة غير صحيحة ومُتحيزًا عند التدخل باستخدامه، ويحاول تعقيد هذا النهج ولا يأخذ بعين الاعتبار التدخلات والنظريات الأخرى، فعند تحيزك تجعل من نهج تحليل السلوك التطبيقي نهجًا معقدًا، أو حتى عند محاولتك استخدام برنامج واحد فقط وتُعممه لجميع الأفراد وكأنه الوحيد لتحسين وتطوير هؤلاء الأفراد، فهنا يستوجِب علينا الوقوف عند هذِه الإشكالية لِما تُثيره من القلق وكأنك تعمل بمعزل عن النظريات والتدخلات الأخرى عند تبنيك هذا النهج الوحيد في التدخل.
كما أنَّ النظرية السلوكية تعتبر الإنسان مُتلقيًا فقط، والأنماط السلوكية غير قابلة للتغيير نتيجةً للمؤثرات الخارجية، وتركز على السلوك المُلاحظ والظاهري أكثر من العمليات الداخلية "كالمشاعر والأحاسيس"، ولا تعترف بتأثيرها على سلوك الأشخاص، فالعلماء استطاعوا من خلال المدرسة السلوكية مراقبة السلوك البشري وقياسه، بينما النظرية المعرفية تعتبر الإنسان مُشاركًا نَشطًا في العملية المعرفية وتعمل على الاستفادة من القدرات الذهنية للمُتعلمين وتطويرها، وتعطي أهمية للعقل والمعرفة كعملية تعلم أكثر من كونه سلوكًا ظاهريًّا فقط، وأن السلوك الذي يظهر نابع من عملياتٍ عقلية، أي يُظهِر ما في الداخل على شكل سلوك، كما يتم تحديد الأنماط السلوكية من خلال العمليات الداخلية، حيثُ أكدت الدراسات والبحوث العلمية في علم الأعصاب أن الأنظمة العصبية الداعمة للوظائف التنفيذية مُعقدة وموزعة على نطاق واسع في الدماغ، وعلى الرغم من تعقيد هذِهِ الشبكة فإن الضرر الذي يلحق بأي من الأنظمة العصبية النامية ممكن أن يؤدي إلى عجز معرفي، سلوكي أو تنظيمي.
تُعتبر الوظائف التنفيذية وسيلة إدارة الذات والقدرة على التنظيم الذاتي، والأداء التكيفي وإصدار السلوكيات لتحقيق أهداف محددة، كما أن جميع المعلومات التي نتلقاها من أجسامنا أو من العالم من حولنا يتم استقبالها من خلال أنظمتنا الحسية المختلفة، وبالتالي فجميع العمليات الحسية تتم داخل الجهاز العصبي في مستوى دون مستوى الوعي الخاص بنا، ونحن على غير دراية بهذِهِ العمليات، فالدماغ يجمع المعلومات الحسية المتنوعة التي يتلقاها من الجسم والبيئة حتى نتحرك ونتعلم ونتصرف بطريقة مُنتجة على هيئة السلوكيات التي تصدر منا، فأفكارك تترجم إلى مشاعرك ومشاعرك تترجم إلى سلوكك، وهذا يؤكد عدم اتباعك نظرية أو برنامجًا محددًا، فبالتالي علينا ألا نتعامل مع الفرد من الناحية السلوكية فقط، أي من الظاهر، وأن نسعى إلى بناء علاقة مع الفرد، فالعلاقات هي التي تُعلِم وتعمل على إكسابهم المهارات، في حين أنه عندما نسعى إلى تغيير السلوكيات دون البحث عما وراء السلوك فنحن هكذا نُعلم مهارات مُنعزِلة ونسعى إلى تغيير سلوكي وليس تغييرًا داخليًّا حقيقيًّا ليظهر بشكل إيجابي على هذِهِ السلوكيات، فالعلاقة العلاجية القوية والسليمة أمر حيوي للنمو، إضافة إلى أنه علينا أن نحافظ على تقنية علم تحليل السلوك التطبيقي وجعله علمًا مترابطًا مع العلوم والنظريات الأخرى، وأن نكون مَرنين في التعامل مع هؤلاء الأفراد.
ولسوء الحظ، قد تكون هذه الممارسة من قِبَل المختصين نتيجة تدريبهم على الطريقة العلمية بدون مهارة وخبرة كافية للتفريق بين التدخلات العلاجية الفعالة وأيها مناسب لهذا الطفل، فضلًا عن افتقار الآباء إلى هذا التدريب. فعلينا أن نجمع ما بين نهج تحليل السلوك التطبيقي والنظرية السلوكية، والتدخلات والنظريات الأخرى.
كما أن اختيار طريقة العلاج يجب أن تتناسب مع أهداف التدخل والأولويات المناسبة للمرحلة النمائية للفرد، ومن المعروف أن الأفراد ذوي اضطراب طيف التوحد مجموعة غير متجانسة من حيث الخصائص والقدرات، وليست كافة الأبحاث متشابهة من حيث الأهداف والإجراءات والنتائج والاستنتاجات، إلا أن التدخلات بلا صلاحية ومصداقية تتكاثر في مجال اضطراب طيف التوحد، والمعلومات عن مثل هذه المعالجات متوفرة بشكل واسع للآباء والمختصين. وبالتالي، نموذجيًا، على المعالجين والمُمارسين أن يتصرفوا للصالح الأفضل لأفرادهم ويختصروا الوقت للعائلات والطاقة والمصادر المالية للتدخلات من أجل العمل بفعالية وكفاءة.
وهذا يستدعي منا إعداد وتأهيل أُسر ومختصين ومعلمين قادرين على تعليم وتدريب هؤلاء الأفراد باتباع الطرق والبرامج العلاجية المناسبة بحيث تكون مُصممة لكل فرد بحسب احتياجاته، فقد يتم استخدام التدخل المُركز منفردًا أو مندمجًا مع تدخلات مُركزة أخرى لتحديد الهدف، كما ويتم تطبيق نفس التدخل المركز أو المدمج للتدخلات المركزة لمهارات أو سلوكيات مختلفة ليتم توجيهها إلى الأهداف المُتعددة، وهكذا يتم استبعاد فجوات العملية التعليمية في التواصل والتعاون بين أنظمة الخدمة، لأنه على عكس ذلك سيسبب إرباكًا وتحديات لأفراد اضطراب طيف التوحد وأسرِهم، لذلك من الأساسي للمختصين والمشاركين في التخطيط للتدخل أن يدركوا التشابهات الأساسية ويميزوا بين أنظمة التدخل المتنوعة والمتداخلة في تحسين هؤلاء الأفراد، التي قد تشارك فيها العائلة.
ويستطيع المهنيون استخدام هذِهِ المعرفة للتعاون مع العائلات والممارسة بطريقة تُحسن التعاون ما بين المؤسسات والتدخلات المتعددة والنظريات التي تتداخل فيما بينها كما ذكرت سابقًا، فيقع على عاتق المختصين والآباء والإداريين حاليًا مسؤولية التطوير الحالي والمضي في تطبيق التعليمات والتوصيات والممارسات الأكثر ملاءمة والأفضل لكل فرد وأسرته، فإذا وصلنا إلى هذا الهدف فسوف تعُم الفائدة على المجتمع ككُل، فنحن ليس لنا الحق أن ندفع الطفل أو الأسرة بأكملها نحو طريقة أو نهج موحد، وكمختصين في المجال علينا أن نوعي بهذا الجانب الهام الذي يغفل عنه الكثيرون لأسبابٍ عدة.
وفي الخِتام، أنوه على ألا نحاول تضخيم نهج أو برنامج ما، بمُجرد أن الكثيرين من حولك يتداولونه. ضعْ في نصب عينيك ما يحتاجه الفرد وأسرته فقط.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد