قراءة في كتاب التكليف السامي .. تحليل موسع

mainThumb
التاج الملكي

15-09-2024 04:26 PM

عمان – السوسنة - كتب المحرر السياسي - يأتي كتاب التكليف السامي الموجه إلى دولة الدكتور جعفر حسان بمثابة خارطة طريق جديدة للأردن في المرحلة المقبلة، التي تتسم بأهمية خاصة في ظل التحديات الداخلية والإقليمية والدولية. تتجسد في هذه الرسالة توجيهات واضحة وشاملة تعكس رؤية الملك عبدالله الثاني لمستقبل المملكة الأردنية الهاشمية، وتشير إلى محاور رئيسية من الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري، إلى الدور الإقليمي والدولي للأردن. يستعرض هذا التحليل أبرز النقاط السياسية التي وردت في الكتاب، ويفسر تأثيرها على مسار الدولة في المدى القريب والبعيد.

استمرارية التحديث: ركيزة نحو المستقبل

يشير الملك في كتاب التكليف إلى أهمية استمرارية مشروع التحديث الشامل، وهو ما يعكس إيمان القيادة بضرورة التغيير التدريجي والمستدام لتحقيق أهداف وطنية كبرى. بدأت هذه الجهود بالفعل خلال السنوات الماضية، وتهدف إلى رسم ملامح جديدة للأردن في المئوية الثانية من عمره، مع التركيز على تحقيق الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي.

يعتبر المشروع الوطني للتحديث خطوة حاسمة نحو تحقيق الانتقال السياسي والديمقراطي الذي يدعو له الملك. مع انتخاب أعضاء مجلس النواب العشرين مؤخراً، يبرز دور الحكومة الجديدة في تعزيز هذا التوجه من خلال تحسين العلاقة مع البرلمان والأحزاب الناشئة، ما يعزز من نضوج التجربة الديمقراطية في المملكة.

التوجيهات الاقتصادية: الاستثمار والتنمية المستدامة

يركز الملك بشكل كبير على الاقتصاد في كتاب التكليف، حيث يرى أن الأردن بحاجة إلى تبني سياسات اقتصادية مستدامة تتيح للنمو أن يكون شاملاً ومتصاعداً. يأتي ذلك في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، سواء كانت داخلية مثل البطالة وضعف فرص التشغيل، أو خارجية تتعلق بالأزمات الإقليمية.

من أبرز المحاور الاقتصادية التي تناولها الملك هو التأكيد على أهمية الاستثمار، حيث يشدد على أن الحكومة الجديدة يجب أن تكثف جهودها لجذب الاستثمارات الدولية والعربية، ما سيساهم في تمويل مشاريع التنمية الوطنية. هذا التركيز على الاستثمار يعكس إدراك القيادة لأهمية تقليل الاعتماد على المساعدات الدولية، والانتقال إلى مرحلة بناء اقتصاد يعتمد على موارده وقدراته الذاتية.

كما دعا الملك إلى تهيئة بيئة استثمارية مواتية من خلال تحسين التشريعات وتقليل العوائق البيروقراطية، ما يضمن استقطاب المستثمرين بشكل فعال. ويعتبر تحسين تجربة المستثمرين وتسهيل إجراءات الاستثمار جزءاً أساسياً من هذا التوجه.

التحديث الإداري: الأساس للتنفيذ الناجح

يعتبر الملك أن تحديث الإدارة العامة هو عامل أساسي لضمان نجاح برامج التحديث الشاملة. ويرى أن الإدارة العامة الكفؤة هي التي تُمكن الحكومة من تحقيق أهدافها بفاعلية، سواء في تنفيذ الخطط الاقتصادية أو تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.

يتطلب هذا التحديث تبني نهج مؤسسي في العمل، بحيث تكون المسؤوليات واضحة والأهداف محددة، مع ضرورة تطبيق آليات للمساءلة والتقييم المستمر. يؤكد الملك أن الوزراء يجب أن يكونوا قادرين على اتخاذ قرارات جريئة ومسؤولة، بعيداً عن التأثيرات الخارجية أو المصالح الشخصية، ما يضمن بقاء الحكومة على المسار الصحيح لخدمة المصلحة الوطنية.

تعزيز الديمقراطية ودور الأحزاب

يشير كتاب التكليف السامي إلى أهمية تعزيز الديمقراطية في الأردن من خلال تطوير العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب، بالإضافة إلى تشجيع دور الأحزاب السياسية في الحياة السياسية. هذا النهج يعكس رغبة القيادة في ترسيخ أسس الديمقراطية البرلمانية من خلال الحوار المستمر والتعاون بين مختلف الأطراف.

الملك يعزز دور الأحزاب السياسية، ويرى أن نجاح المشروع الديمقراطي يعتمد على نضوج التجربة الحزبية في المملكة. ويشدد على ضرورة التعاون بين الحكومة والأحزاب لتحقيق رؤية التحديث الشاملة، والتي تهدف إلى بناء نظام حزبي برامجي يُمكّن الأحزاب من تمثيل المواطن الأردني بشكل أفضل في الساحة السياسية.

الأولويات التنموية: التركيز على البنية التحتية والمشاريع الكبرى

لا يغفل الملك في كتابه أهمية المشاريع الكبرى في قطاعات حيوية مثل المياه والطاقة والنقل، التي تعتبر حجر الزاوية في أي خطة تنموية مستدامة. يشير إلى أن هذه المشاريع يجب أن تكون في مقدمة اهتمامات الحكومة لضمان تحقيق التقدم الاقتصادي المطلوب، وهو ما سيساهم في خلق فرص العمل وزيادة الإنتاجية.

أحد المشاريع الرئيسية التي تناولها الملك هو مشروع "الناقل الوطني للمياه"، الذي يعد مشروعاً حيوياً لضمان الأمن المائي في المملكة. كذلك، شدد على ضرورة الاستمرار في تطوير قطاع الطاقة، لا سيما الطاقة المتجددة، ما يفتح الباب أمام استخدامات جديدة مثل الهيدروجين الأخضر الذي يمثل فرصة لتحول جذري في قطاع الطاقة بالمملكة.

التعليم والصحة: الأولويات الاجتماعية

بالإضافة إلى التركيز على القطاعات الاقتصادية، يولي الملك اهتماماً خاصاً للقطاعات الاجتماعية مثل التعليم والصحة. في قطاع التعليم، يشير إلى أهمية تطوير المناهج وتدريب المعلمين، مع التركيز على التوسع في بناء المدارس ورياض الأطفال. كذلك، يعتبر الملك أن التعليم هو الوسيلة الأساسية لتطوير المجتمع، ويجب أن يكون التعليم جزءاً لا يتجزأ من جهود التحديث الوطني.

أما في قطاع الصحة، فإن الهدف الرئيسي للحكومة الجديدة هو تحقيق التغطية الصحية الشاملة، التي تضمن لجميع المواطنين الحصول على الرعاية الصحية اللازمة. يتطلب هذا تعزيز التحول الرقمي في نظام الرعاية الصحية، ما يسهم في تحسين جودة الخدمات وضمان الوصول السريع والفعال للرعاية الطبية.

الدور الإقليمي والدولي: دعم القضية الفلسطينية

لم يغفل الملك في كتاب التكليف أهمية الدور الإقليمي للأردن، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. يبرز الدعم الأردني الثابت للفلسطينيين وحقوقهم المشروعة، ويركز على ضرورة استثمار جميع الجهود الممكنة لدعم صمود الفلسطينيين في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. كذلك، يشير إلى أهمية التحركات الأردنية على الساحة الدولية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين والمطالبة بإنهاء الظلم التاريخي الواقع عليهم.

كما يؤكد الملك على الدور التاريخي للأردن في حماية ورعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وهو دور يعتبر جزءاً من الوصاية الهاشمية التي تعد شرفاً وأمانة للمملكة.

الأمن الوطني: الجيش والأجهزة الأمنية

تطرق الملك إلى أهمية دعم القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية لضمان جاهزيتها وتطورها في مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية. يشير الملك إلى أن الجيش والأجهزة الأمنية يمثلون خط الدفاع الأول عن المملكة، وهم الضامن لاستقرار البلاد وحماية إنجازاتها.

التحديات الإقليمية: الاستجابة الفاعلة والتعامل مع الأزمات

تشكل الظروف الإقليمية، بما فيها الصراعات المسلحة والأزمات الاقتصادية المحيطة بالأردن، تحديات كبيرة يجب على الحكومة التعامل معها بحذر وفاعلية. ويشير الملك إلى ضرورة تعزيز منعة الأردن في مواجهة هذه التحديات من خلال السياسات المالية الحصيفة والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.

نحو حكومة كفؤة ومسؤولة

في النهاية، يعكس كتاب التكليف السامي تطلعات القيادة الأردنية لحكومة جديدة تكون قادرة على التعامل مع التحديات وتلبية طموحات الشعب. يتطلب هذا العمل بروح الفريق، والاستناد إلى رؤية شاملة تهدف إلى تحقيق تقدم ملموس في مختلف القطاعات. يعكس الكتاب أيضاً إيمان الملك بضرورة العمل المؤسسي الفاعل والمبني على أسس واضحة من الكفاءة والشفافية.

على الحكومة الجديدة أن تضع نصب عينيها تحقيق أهداف رؤية التحديث الوطني، والعمل على تحسين الحياة اليومية للمواطنين من خلال برامج تنموية شاملة. وفي الوقت ذاته، يجب أن يكون لديها القدرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، والعمل على تعزيز دور الأردن الإقليمي والدولي كداعم للاستقرار والعدالة.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد