حب أيام زمان

mainThumb

04-09-2024 10:44 PM

في حادثة رائعة يرويها أحد الشباب عن جده وجدته اللذين بلغا من العمر مشارف الثمانين، أو ربما تجاوزاها، كان هذا الشاب أعزب ويكثر من الذهاب إلى بيت جده، حتى أنه يبيت عندهم أحياناً لِحبه لهم ولحديثهم، وللقصص التي يروونها له. ويقسم بالله بأنه يجد أدب الحوار والكلام والتعامل بينهم، حتى في الخلاف والمشاكل والعتاب، حيث يتلذذ الشاب بما يسمع من حلو الكلام والغزل المُبطّن.

يقول الشاب: "كان جدي وجدتي يجلسان في ساحة الدار، وأنا جالس في الغرفة المطلة على الساحة، فقالت جدتي لجدي: ولا مرة في حياتك قلت لي 'أحبك'. رد جدي: ولا مرة، طيب، تتذكرين عندما حرقتِ يدك بالفرن؟ ماذا قلت لك؟ ألم أقل يا ريت أيدي ولا يدك؟ أليس هذا حبًا؟ وتذكرين عندما قال لي دكتور العيون إن نظرك ضعيف، ماذا قلت له عنك؟ قلت له: 'هذه عيوني معي وأنتِ بجانبي'. ماذا تسمي هذا؟ أليس حبًا؟ وعندما أخذتك إلى المستشفى وقال الدكتور إنك تعبانه ومرهقة، تتذكرين كيف حملتك على ظهري من المستشفى إلى باب الدار؟ أليس هذا حبًا؟"

فقالت جدتي: "والله فعلاً إنه حب ونص، وأنا أعرف أنك تحبني، لكني أحب أن أسمعك تعيد وتكرر هذه القصص." فرد جدي: "وأنا أعرف أنك تعرفين، ولهذا السبب أعيد القصص." فقالت جدتي لجدي بابتسامة: "طيب، قول لي 'أحبك'." فقال جدي: "هاتي يدك مشان ما تقعي على الأرض."

هذه هي الحياة الصادقة الخالية من المجاملات شبه الكاذبة، رغم أنه لم يتفوه لها بأي كلمة غزل أو حب، إلا أن أفعاله ومواقفه ترجمت حبه وصدقه واحترامه لها وللعشرة التي بينهم. دليل ذلك ما حدث في القرية المجاورة عندما مات رجل في السبعين من عمره بعد إصابته بمرض، وتم دفنه بعد صلاة الظهر. وبعدها بساعات، ماتت زوجته حزناً وألماً على فراقه، علماً أنها لم تكن تشكو من أي مرض، وتم دفنها بعد صلاة العصر في نفس اليوم.

أما في هذه الأيام، تجد الأجيال الجديدة تترنم وتطرب على الكلام وحديث الغزل، وخاصة ما يتم نشره على صفحات التواصل الاجتماعي بين الأزواج، دون أن يُترجم هذا الكلام إلى واقع. يفعلون ذلك فقط ليُظهروا للناس كيف هي حياتهم، دون اهتمام بحقيقتها. تجد عند أول خلاف أو سوء تفاهم بينهم، تنهار كل تلك المظاهر الزائفة، ويبدأون بحذف كل ما كتب على الإنترنت.

فرحم الله آباءنا وأمهاتنا، عاشوا على المحبة والتقدير والاحترام، ولم يُفرق بيتهم سوى الموت، وليس الطمع أو مباهج الدنيا. عاشوا في سلام ووئام وخير وبركة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد