رأي السّوسنة .. «الهستدروت» والداخل الإسرائيليّ المضطرب

mainThumb

01-09-2024 07:53 PM


من المُبكّر جدًا القول إنّ حراكَ الشارع الإسرائيليّ، المحدود لغاية اللحظة، سيسفر عن تغيُّر في السياسة الإسرائيليّة، أو عن تنازل في بعضِ شروط «الصفقة» المطروحة، إلّا أنّ الإضراب، الذي سيدخل حيّز التنفيذ (غدًا) الإثنين رغم تهديدات وزير الماليّة المتطرّف، هو تقدّم ملموس في حركة الاضطراب الداخليّ الإسرائيليّ، سواءً بين المؤسسة الأمنية والعسكريّة والمستوى السّياسي، أو بين المستوى السياسي نفسه.
«الهستدروت» (نقابة العاملين)، وفي خطوةٍ هي الأولى من نوعها منذُ السابع من أكتوبر، أعلن الإضراب الشّامل، و«شلَّ» الاقتصاد الإسرائيليّ (المتهاوي أصلًا)، في خطوةٍ اعتُبرت أنّها "احتجاجٌ على التخلي" عن الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، الذين استعاد الجيش الإسرائيليّ بعد نحو 11 شهرًا من إبادة جماعيّة لغزّة، 37 جثّة منهم، كان آخرها ستّة جثث لجنود قتلوا في وقتٍ قريب. حماس قالت إنّ الأسرى قتلوا بنيران إسرائيليّة، لكنّ ردّة الفعل والتصريحات الإسرائيليّة، إضافة إلى تحليلات للوضع المعقّد في غزّة وفي المباحثات على حدٍ سواء، يشير إلى أنّ السيناريو الأقرب هو أنّ حماس دخلت مرحلةً جديدة في التعامل مع أسرى الاحتلال، ووصلت نقطة اللاعودة، وهو ما دفع وزير دفاع الاحتلال للقول (اليوم) إنّ "القرار الذي اتخذ في مجلس الوزراء حول البقاء في محور فيلادلفيا استند إلى إنّ هناك وقتٌ، لكن إذا أردنا (رهائن) أحياء فليس لدينا الوقت".
إذن؛ وصل جزءٌ كبير من المجتمع الإسرائيليّ، وقياداته الأمنيّة، إلى خلاصةٍ متأخرة هي أنّ نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب، التي استنزفت كلّ شيء داخل دولة الاحتلال، والتي تمتدُّ، وتكاد تنفجر في الضفّة الغربيّة والشمال الفلسطينيّ المحتل، وأنّه لا يعبئ بالأسرى، بقدر ما يهمّه ما سيحصل له في «اليوم التالي» للحرب. وهذه الخلاصة المتأخرة ربما ستنتقل للإدارة الأميركيّة، التي أصبحت تتبنى وجهة نظر نتنياهو تمامًا، ومن السّخرية أنّه يعرض عليها خرائط محور فيلادلفيا ونتساريم وتوافق كأنّه يتفاوض معها، في سخرية شديدة علّق عليها الإعلام العبريّ طويلًا.
هل ستُسفر هذه التطورات في خلق تغيُّر أو إحداث «انقلاب» سياسيّ، من المبكّر جدًا (والمستبعد أيضًا) الحديث عن هذا، وليسَ من المنطق بمكان تهويل هذه التّحركات، إذْ لا يمكننا أنْ نغفل أنّ نسبة تتعدّى الـ 50 بالمئة من سكّان دولة الاحتلال يؤيدون حربًا في الشمال، ويؤيّدون الحرب في غزّة، بل وهناك جناح يمينيّ متطرّف جدًا يشكّل نسبة جيّدة، يرى أنّ ما يقوم به الجيش في غزّة والضفة غير كافٍ. الداخل الإسرائيليّ منقسم ومضطرب.. صحيح، ولكن كيفَ سيؤثّر هذا على متّخذي القرار (أو متّخذ القرار، باعتبار دولة الاحتلال وصلت لمرحلة الديكتاتوريّة)، وكيف سينعكس في شروط الصّفقة، ومن الذي عليه أنْ يضغط بشكل أكبر، في ظلّ استمرار الإبادة بل وتوسعها، واستمرار إضاعة الوقت، المرتبط بعدم الرغبة بالتوصّل لأيّ اتفاق، والمرتبط بالانتخابات الأميركيّة، والمرتبط أيضًا.. بالغباء الاستراتيجي لدولة الاحتلال، الذي يشبه بشكلٍ ما «الصّبر الاستراتيجيّ» لدى إيران وأذرعها، صبرٌ يؤدّي و(يهدفُ) إلى النّسيان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد