الحاج إبراهيم وصندوق الأحلام الانتخابية

mainThumb

01-09-2024 07:51 PM

عمّان- خاص لـ السّوسنة، خالد الطوالبة

الحاج إبراهيم، سبعيني يعيش في زقاق ضيق في نواحي إحدى المحافظات، حيث تلتقي البيوت المتلاصقة كأهل الحارة في جلسة سمر طويلة.

يُعرف بين جيرانه بطيبة قلبه وحكمته التي تستند إلى سنوات من التجارب الحياتية. كان الحاج إبراهيم من أوائل من يشاركون في الانتخابات البرلمانية منذ أيام الشباب، عندما كان المرشحون يجوبون الأحياء على أقدامهم ويتحدثون مع الناس في البيوت والمقاهي.

لكن في انتخابات 2024، بدا أن الأمور تغيرت كثيرًا. إذ أُخبر الحاج إبراهيم بأن المرشح الجديد، الذي يسمونه "أبو الملايين"، ينوي إقامة وليمة ضخمة في الساحة العامة للحي، داعيًا الجميع لحضورها والتعرف على برنامجه الانتخابي.

كان الحاج إبراهيم يتذكر بحسرة تلك الأيام التي كانت فيها الانتخابات فرصة لتغيير الواقع، وليس لتغيير قائمة الطعام. وفي اليوم الموعود، لبس الحاج إبراهيم جلابيته النظيفة وحمل عصاه، متجهًا إلى الساحة العامة. لكن ما أن وصل حتى فوجئ بالمشهد الغريب: أعلام ملونة، مكبرات صوت تصدح بأغانٍ وطنية وأخرى غير مفهومة، وطاولات ضخمة مغطاة بأطباق الطعام.

وسط هذه الجلبة، وقف المرشح "أبو الملايين" وهو يبتسم للجميع، كما لو كان يجري مزادًا على كرامة الناس.

جلس الحاج إبراهيم في زاوية بعيدة، يراقب الحشد الكبير من حوله. وبدأت الوليمة، وراح الناس يتدافعون للحصول على حصتهم من الطعام، بينما المرشح يقف وسطهم، يوزع الابتسامات والتلويحات وكأنها أوراق نقدية. اقترب أحد مساعدي المرشح من الحاج إبراهيم وسأله: "هل أعجبك طعام الحاج أبو الملايين؟". رد الحاج إبراهيم بسخرية: "أكلنا من الطعام، لكن من يأكل حقوقنا؟".
نظر إليه الشاب متعجبًا، وكأن السؤال لم يفهمه. فاستطرد الحاج إبراهيم: "زمان، كان المرشح يأتي بفكرة ليغير أحوالنا، واليوم يأتي بلحم ليغير أصواتنا!"، بعد الوليمة، قدم "أبو الملايين" خطابه، ووعد الناس بأن يجعل حياتهم "عسلًا" إن فاز. ضحك الحاج إبراهيم في سرّه وقال: "قد يكون عسلًا، لكن أين النحل؟ ومن سيصنع لنا هذا العسل؟".

بعد انتهاء الحدث، رجع الحاج إبراهيم إلى منزله، يتساءل في نفسه كيف تحولت الانتخابات من منافسة على تحسين الأوضاع إلى منافسة على تقديم أشهى الأطباق. وفي مساء ذلك اليوم، جلس الحاج إبراهيم مع حفيده الصغير، يحكي له عن أيام مضت، حيث كان الناس ينتخبون من يُصلح الأحوال، وليس من يملأ البطون.

وفي نهاية قصته، قال الحاج إبراهيم: "يا بني، حينما تجد نفسك في صندوق الاقتراع، تذكر أن ما تضعه في هذا الصندوق ليس مجرد ورقة، بل هو حلمك بحياة كريمة. فلا تبيعه مقابل حفنة طعام.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد