مجالس البخور

mainThumb

28-08-2024 01:19 PM

أطفال حول أمهم متحلقون، ضنكا متعبون، وهي تغلي لهم الماء في قدر، تصبرهم وتؤملهم، وقد بعثوا بعثا منهم ليأتيهم ببعض ما يسد حاجتهم، وجلسوا ينتظرونهم بفارغ الصبر، علهم يعودون وقد حملوا على ظهورهم حاجتهم، لأنه لن يحمل أحد عنهم أوزارهم يوم القيامة في حال تقصيرهم بحقهم.

فعاد البعث... وقد جاؤوا بالبخور وشعير الفكك ليرقوهم به من الضنك والحاجة، ذاك الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، (وشعير الفكك هو مصطلح يطلق على الشعير الذي يوضع في الموالد، فيكتسب قدسية عند الناس لأنه قد قُرئ عليه بعض أبيات شعر المديح النبوي)، أما شعير الفكك هذا فقد قُرئ عليه خطابات الترشح، وطلاسم الوعود والعهود، وبعض الآيات التي لم تبلغ التراقي؛ إن خير من استأجرت القوي الأمين، و إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال، وأحاديث يختلط فيها الصحيح بالضعيف بالموضوع، وأشعار من المعلقات وحتى الشيلات.

ويُفتتح المزاد، على اونه على دوه، ويبدأ المولد الانتخابي برامجه، هنا قوم يتحلقون ويتمايلون خشوعا لنداء الحزب والواجب، وهنا آخرون يتراقصون على نغمة المجوز والهدف مرصود، طربا لأشعار الزير في الفخر والحرب، وشد الحرايب، ويكأنها ساحة حرب ونزال تذكرنا البسوس وداحس والغبراء.

ويكأن القوم قد خطفهم الضبع كما في الأساطير الشعبية، حتى إذا ما انقشع دخان البخور وشعير الفكك، وضُرب رأسه بأول محاولة لتمرير مصلحة، وأثقلته المديونية على جميع المستويات الفردية والأسرية والمجتمعية والحكومية، وارتفاع الأسعار للمشتقات النفطية والكهربائية والمواد التموينية، والزيادة المطردة في معدلات البطالة، وتراجع في مستوى الخدمات، استيقظ ووعد وتوعد أنه لن يشارك في مثل هذه المواكب والموالد الانتخابية.

ولكن... عند أول رقية ببخور الخطابات، وأشعار الفخر والحرب، ونغمة مجوز وشد الحرايب، وشيلات الهدف مرصود، وأناشيد الحزب ونداءات الواجب، يعود الضبع يخطف عقول القوم من جديد، شهور ويستيقظ مع أول ضربة رأس، وهكذا دواليك.

فمرحى لمن يقودون تلك الموالد بأشعارها وطلاسيمها وبخورها، فهم من يتقاسمون حلوها، والعزاء للمشاركين رقصها وأهازيجها، فهم وقود بخورها وشعير فككها.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد