الانتخابات في الأردن: نحو تعزيز الديمقراطية والمواطنة

mainThumb

25-08-2024 12:08 AM

شهدت فكرة الانتخابات تطورًا ملحوظًا مع تعزز مفهوم الحكومات الديمقراطية. ففي العصور السابقة، كانت شرعية الحكام تعتمد على نظرية الحق الإلهي التي تنص على أن السلطة ممنوحة من الله، مما يجعلها مطلقة وغير قابلة للمساءلة. لكن مع مرور الزمن وتزايد الوعي السياسي لدى الشعوب، أصبح مفهوم الشرعية يرتكز على سيادة الأمة أو الشعب، وهذا ما أدى إلى نشوء فكرة الانتخابات كأداة حديثة لتجسيد إرادة الشعب واختيار حكامه .
في المملكة المتحدة، ظهرت أولى بوادر الانتخابات نتيجة الخلافات التاريخية بين النبلاء وممثلي المدن. قرر ممثلو المدن عقد اجتماعات منفصلة عن النبلاء، وبدأوا بممارسة خطوات العملية الانتخابية الأولى عبر اختيار رئيس لمجلسهم ليدير الجلسات ويتحدث باسمهم أمام الملك. هذه الخطوة كانت البداية لتطور العملية الانتخابية التي مرت بمراحل عديدة على مر العصور.
مع مرور الوقت، تطورت الانتخابات لتشمل مبدأ الاقتراع العام الذي يضمن مشاركة الجميع في العملية الانتخابية بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية أو الانتماء الديني أو العرقي. كذلك، أصبح من الضروري حماية نزاهة العملية الانتخابية من خلال إرساء آليات رقابة في كل مرحلة من مراحل الانتخابات، بدءًا من تسجيل الناخبين إلى فرز الأصوات وإعلان النتائج .
تعتبر العلاقة بين الديمقراطية والانتخابات علاقة لا تنفصل، إذ لا يمكن تصور وجود ديمقراطية حقيقية بدون انتخابات. فالانتخابات هي الأداة التي تتيح للمواطنين ممارسة حقهم في اختيار حكامهم والمشاركة في صنع القرارات السياسية. وتتم العملية الانتخابية ضمن معايير وشروط أساسية، منها الحرية والنزاهة والسرية، استنادًا إلى مبدأ السيادة الشعبية .
قدرة الدول على إجراء انتخابات حرة ونزيهة ترتبط بجودة تطبيق قواعد الحكم الرشيد، الذي يشمل الخضوع للمساءلة وسيادة القانون. كما تُعد الانتخابات وسيلة مهمة لتعزيز المواطنة والمساواة أمام القانون، حيث تتيح للجميع التعبير عن آرائهم واختيار ممثليهم دون تمييز .
في النظم الديمقراطية، تهدف الانتخابات إلى إتاحة المجال للمواطنين لاختيار حكامهم والمشاركة في صنع القرارات. كما تلعب دورًا هامًا في حشد الجماهير وتعبئة الرأي العام وإظهار التأييد للنظام السياسي وإضفاء الشرعية عليه. كذلك تشكل الانتخابات وسيلة أساسية للأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني للتعبير عن إرادتها وأفكارها وطموحاتها، وللتأثير في صنع القرارات السياسية والمساهمة في توجيه الحياة السياسية والتنموية في المجتمع
تعد نزاهة الانتخابات وفعاليتها من أهم مؤشرات الحياة الديمقراطية في أي مجتمع. ووفقًا لتقرير التنمية في العالم لعام 2017، رغم كون الانتخابات الآلية الأكثر شيوعًا في العالم، إلا أنها تُنظر إليها بشكل متزايد على أنها غير عادلة وغير نزيهة في العديد من الدول. وقد أدى هذا التراجع في الثقة إلى انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات العالمية منذ منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، حيث تراجعت من 72% في عام 1990 إلى 64% في عام 2015
لمواجهة هذه التحديات، أنشأت العديد من الدول هيئات مستقلة للانتخابات تتميز بالحياد والشفافية، وتعمل على ضمان نزاهة العملية الانتخابية في جميع مراحلها، بدءًا من تسجيل الناخبين والمرشحين، مرورًا بإدارة يوم الانتخابات، وصولًا إلى فرز الأصوات وإعلان النتائج النهائية. هذه الهيئات تلتزم بمبدأ سيادة القانون، وتعمل على معاملة الجميع بعدالة دون أي تمييز على أساس اللغة أو العرق أو الدين أو الوضع الاقتصادي .
تكتسب الهيئات المستقلة المشرفة على الانتخابات ثقة المواطنين عندما تلتزم بالحياد السياسي والحزبي، وتبتعد عن أي تصرفات قد يُفهم منها تغليب مصالح جهة معينة على حساب أخرى. إن إجراء انتخابات شكلية تتحكم فيها السلطة بنتائج الانتخابات قبل إجرائها عبر وسائل متعددة، تصل أحيانًا إلى التزوير الفاضح، يؤدي إلى إضعاف الثقة في العملية الانتخابية وفي النظام السياسي ككل، حيث لا تساهم هذه الانتخابات في تداول سلمي للسلطة ولا تعطي المواطنين فرصة حقيقية للمشاركة في صنع القرارات .
في الأردن، كما هو الحال في العديد من الدول الأخرى، تطورت الانتخابات على مر الزمن لتصبح جزءًا أساسيًا من العملية الديمقراطية. منذ نشأة المملكة، كانت الانتخابات تُعتبر وسيلة لتجسيد الإرادة الشعبية والمشاركة في صنع القرار السياسي. ولكن هذه العملية لم تكن دوماً خالية من التحديات والصعوبات، فقد واجهت الأردن مراحل متعددة من التحول والإصلاح بهدف تعزيز شفافية ونزاهة الانتخابات .
أولى بوادر الانتخابات في الأردن تعود إلى ما قبل الاستقلال، حيث كانت الانتخابات تُجرى لانتخاب أعضاء المجالس المحلية. ومع تأسيس الدولة الأردنية واستقلالها، تم تطوير النظام الانتخابي ليشمل الانتخابات النيابية، التي أصبحت أداة أساسية لتمثيل الشعب في البرلمان والمساهمة في صياغة التشريعات. ومع مرور الزمن، تطورت العملية الانتخابية في الأردن لتشمل مبادئ أكثر شمولاً مثل الاقتراع العام والمشاركة الشعبية الواسعة، مما ساهم في تعزيز مبدأ المواطنة والمساواة أمام القانون .
الانتخابات في الأردن ليست مجرد آلية لاختيار ممثلي الشعب في البرلمان، بل هي أيضًا انعكاس لمدى التزام الدولة بتطبيق مبادئ الحكم الرشيد وسيادة القانون. الانتخابات الحرة والنزيهة تُعتبر مقياسًا لجودة الديمقراطية في أي دولة، حيث تتيح للمواطنين فرصة التعبير عن آرائهم واختيار ممثليهم دون أي ضغوط أو تمييز. في الأردن، تم اتخاذ العديد من الخطوات لتعزيز نزاهة العملية الانتخابية، مثل إنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات التي تُشرف على جميع مراحل الانتخابات بدءاً من تسجيل الناخبين والمرشحين وصولًا إلى فرز الأصوات وإعلان النتائج .
ورغم هذه التطورات، إلا أن الانتخابات في الأردن واجهت تحديات عدة تتعلق بالثقة الشعبية في العملية الانتخابية. لقد شهدت الانتخابات النيابية في الأردن تطورات مهمة على مر العقود، ولكنها لم تكن خالية من الانتقادات. بعض هذه الانتقادات ركزت على قضايا مثل التوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية، واستغلال النفوذ، والضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي قد تؤثر على نزاهة العملية الانتخابية. هذه التحديات دفعت إلى زيادة المطالب بإصلاحات جذرية تهدف إلى تعزيز شفافية العملية الانتخابية وضمان تمثيل أكثر عدالة للشعب .
في هذا السياق، تكتسب الانتخابات النيابية القادمة في الأردن أهمية خاصة. فهي تمثل فرصة حقيقية لتجديد الثقة في العملية الديمقراطية وتعزيز دور البرلمان في الرقابة والتشريع. يجب أن تكون هذه الانتخابات نقطة تحول في مسيرة الديمقراطية في الأردن، بحيث تفرز مجلساً نيابياً يعكس فعلاً إرادة الشعب الأردني، ويساهم في بناء دولة حديثة ومتقدمة تقوم على أسس الحرية والديمقراطية .
إن نجاح الانتخابات القادمة في الأردن يعتمد بشكل كبير على التزام جميع الأطراف المعنية بالحياد والنزاهة، وعلى قدرة الهيئة المستقلة للانتخابات في إدارة العملية الانتخابية بكفاءة وشفافية. إذا تمكنت الأردن من تجاوز التحديات الحالية وضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة، فإنها ستخطو خطوة مهمة نحو تعزيز الديمقراطية وتحقيق التنمية المستدامة .
نأمل أن تشهد الانتخابات النيابية القادمة في الأردن تحولاً نوعيًا يُسهم في بناء مستقبل أفضل للبلاد، ويعزز من مكانتها كدولة ديمقراطية رائدة في المنطقة ، وللحديث تكملة ان شاء الله .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد