التحليل اللغوي لأسماء القوائم الانتخابية

mainThumb

10-08-2024 02:17 PM

يرتبط استخدام اللغة و المجتمع بعلاقة جدلية ثنائية الأتجاه. حيث يتأثر استخدام اللغة بالسياق الثقافي و الأجتماعي و المؤسسيّ الذي ينشأ فيه، و يؤثر استخدام اللغة من جهة أخرى بالمجتمع. فهو يتشكّل بالمجتمع و يشكّل المجتمع في ذات الوقت. تبطن هذه العلاقة بعدا وظيفيّا أو ايديولوجيا في عملية استخدام اللغة. اذ يقصد المتكلم أو الكاتب الى اختيار ألفاظ و تراكيب و اساليب تعبيرية و غيرها تتناسب مع معطيات سياق الموقف الخاص و معطيات الواقع الأجتماعي عامّة لتحقّق غايات معيّنة كأن يعيد توجيه الرأي العام أو يقاوم سوء استخدام السلطة.
يتجلّى هذا الحال في المجال السياسيّ خاصّة فيما يخصّ الحملة الانتخابيّة التي ترتكز أساسا على الأستقطاب. اذ يجنّد المرشّح كل اختياراته اللغويّة حتى يستقطب أكبر عدد من الناخبين ليفوز في حملته الأنتخابيّة على منافسيه. و من ذلك مثلا، يختار المرشّحون أسماء قوائمهم الأنتخابيّة بعناية دقيقة بحيث يكون اسم القائمة الأنتخابية جذّابا سهل الحفظ، و يختزل أهم الأفكار التي يود المرشحون ايصالها لجمهور الناخبين، و تتناسب في ذات الوقت مع توجهات الناخبين و الواقع المعيشي العام. هذا يعني أنّ أسماء القوائم الأنتخابيّة تعكس تصورات المرشّح الخاصّة، و تصوّرات الناخبين، و اختيارات المرشّح اللغويّة التي تتوسّط بين ما هو خاصّ بالمرشّح و ما هو خاصّ بالناخبين.
يشهد المجتمع الأردني كلّه هذه الفترة حملات انتخابيّة برلمانيّة وفق قانون الانتخابات النيابيّة لعام 2024م. و قد تشكّلت -حسب مركز راصد- 174 قائمة انتخابيّة محليّة شملت كل مناطق الأردن؛ لكل منها اسم جامع. أنّ اختيار اسم القائمة ليس فعلا لغويا عشوائيا بل هو فعل قصديّ يوائم بين توجهات المجتمع الأردني و تصورات أعضاء القائمة و اختياراتهم اللغويّة، ما شكّل حافزاً لأهتمام بالكشف عن تلك الأبعاد عبر البحث في كل أسماء القوائم الانتخابيّة من منظور لغويّ.
شكّلت أسماء القوائم التي تتألف من مفردة واحدة فقط ما نسبته (72.413%) مثل "العهد، المستقبل، الحق، العدالة...الخ" من مجموع أسماء القوائم 174. بينما بلغت أسماء القوائم التي تتألف من مفردتين مثل "الأقصى الشريف، شباب الوطن، أبناء وطن...الخ" نسبة (20.114%). و قد بلغت أسماء القوائم المكوّنة من ثلاث مفردات مثل "جبهة العمل الأسلامي...الخ" نسبة (7.471%). هذا يعني أنّ الأتجاه اللغوي العام هو اختيار أسم يتألف من مفردة واحدة. و هذا أسهل لحفظ الأسم و ترديده بين الناخبين من الأسماء الطويلة. و من الجدير بالأشارة، أنّ عدداً من أسماء القوائم هي أسماء علم لأماكن مقدّسة مثل "الأقصى الشريف، القدس، غزة هاشم" أو لأسماء محافظات أردنية مثل "عمان، العقبة...الخ" أو لأسماء ألوية مثل "ذيبان" أو لأسم علم مثل "المخيم" يرتبط بتنظيم اجتماعي/اداري خاص. و قد بلغت هذه الأسماء نسبة (6.896%) من مجموع الأسماء. يُسْهل بالطبع حفظ أسماء العلم و ترديدها، و هي ذات تأثير على الناخبين لأنّها تثير في نفوسهم مشاعر دينية أو انتماءات مناطقيّة. و قد تمثّلت أسماء بعض القوائم الأنتخابية برموز وطنيّة ذات أثر مثل "الدلّة، الشماغ، البيرق"، و حملت بعضها أسماءً رمزيةً مؤثرةً مثل اسم "الغيث" أو أسماء رمزيّة للأنبعاث و التجديد مثل "الفجر". جاءت أسماء القوائم التي تربط بين اسمين بحرف العطف الواو مثل "العلم و المعرفة" بنسبة متدنيّة بلغت (1.724%)، و أقل منها أسماء القوائم التي جاءت على شكل جملة أسميّة مثل "الوطن يستحق، المفرق يجمعنا" بنسبة (1.14%). و قد بلغت اسماء القوائم التي صيغت تركيبيا على صيغة مضاف و مضاف اليه مثل "باب الريان، أبناء الحراثين، أبناء البلقاء...الخ" ما نسبته (18.390%). و قد اتسمت هذه الأسماء عامة بعلاقة استلزام بين الأسم المضاف و المضاف اليه. اذ تتطلّب كلمة "أبناء" اسماً مضافاً أخراً مثل "البلقاء، الزرقاء...الخ" علاوةً على أنها تخاطب أهل منطقة مشتركة بين المرشح و ناخبيه ما يجعلها مقبولةً مؤثّرةً. و يستلزم الأسم المضاف "أهل" اسماً أخراً مثل "الهمة، العزم، عمان". و بهذا، فانّ الهيئة التركيبيّة الشكليّة لأسماء القوائم الأنتخابيّة -في أغلبها- مكثّفة مختصرة ذات طبيعة جاذبة و مؤثّرة.
يبيّن تحليل المحتوى المعنوي لأسماء القوائم الأنتخابيّة أنّها تتوزّع في عشرين موضوعاً رئيسيّاً؛ مرتبةً تنازلياً حسب تكرارها على النحو الأتي: أولا، اسماء القوائم الدّالة على المناطقيّة (13.218%). ثانيا، أسماء القوائم الدّالة على الأئتلاف و الاتفاق (12.643%). ثالثا، أسماء القوائم الدّالة على المسؤولية و الالتزام (11.494%). رابعا، أسماء القوائم الدّالة على التطوّر و المستقبل (10.919%). خامسا، أسماء القوائم الدّالة على الأرادة و العمل (8.620%). سادسا، أسماء القوائم الدّالة على أبعاد دينية اسلاميّة (6.896%). سابعا، أسماء القوائم الدّالة على الهوية الوطنية و الرموز الأردنيّة (5.747%). ثامنا، أسماء القوائم الدّالة على قيمة الكرامة الانسانية (4.597%). تاسعا، أسماء القوائم الدّالة على قيمة الحق (4.597%). عاشرا، أسماء القوائم الدّالة على قيمة العدل (4.022%). الحادي عشر، أسماء القوائم الدّالة على الخير و البركة (4.22%). الثاني عشر، أسماء القوائم الدّالة على فئة الشباب (4.022%). الثالث عشر، أسماء القوائم الدّالة على القضية الفلسطينية (2.29%). الرابع عشر، أسماء القوائم الدّالة على فئة النخبة (1.724%). الخامس عشر، أسماء القوائم الدّالة على طبقة اجتماعية: الفقراء (1.149%). السادس عشر، أسماء القوائم الدّالة على قيمة النخوة (1.149%). السابع عشر، أسماء القوائم الدّالة على العلم (0.574%). الثامنة عشر، أسماء القوائم الدّالة على السلام (0.574%). التاسعة عشر، أسماء القوائم الدّالة على قيمة الحريّة (0.574%). العشرين، أسماء القوائم الدّالة على مهنة (0.574%).
يمكننا توزيع الموضوعات العشرين السابقة -التي تعكس ادراك و اختيار المرشحين لأتجاهات الناخبين الأردنيين- الى ثلاث مستويات، هي: المستوى الأعلى (9% فما فوق)، و المستوى المتوسط (5% - 8%)، و المستوى المتدني (4% فما دون). و بذا، يتبيّن أنّ الموضوعات الأنتخابية التي تقع في المستوى الاعلى في المجتمع الاردني من منظور أعضاء القوائم الانتخابية، هي: التفكير المناطقي، الدعوة للأئتلاف و الأتفاق و التحشّد، التعهّد بالمسؤولية و اللألتزام تجاه الناخبين، الدعوة للتجديد و التطلّع للمستقبل، الأرادة و التصميم و الحث على العمل و الأنجاز.و تتوزّع موضوعات المستوى المتوسط في الحملات الانتخابية الاردنية لعام 2024م بالأتي: التعلّق بالموروث الديني الأسلامي، الهُوية الاردنية الوطنية، و القيم الأنسانية الكبرى مثل الكرامة و الحق و العدالة و الخير، الأهتمام بفئة الشباب و مطالبهم. و يقبع في المستوى الادنى حسب تحليل محتوى أسماء القوائم الأنتخابية المحلية الموضوعات التالية: القضية الفلسطينية، النخبة، طبقة الفقراء، قيمة النخوة، العلم و المعرفة، السلام، حرية الأختيار، التركيز على رمزية المهنة خاصة مهنة "الدكتور" .
في الختام، قد تتباين أهمية الموضوعات الرئيسية بين المجالات المختلفة. فقد تحتل موضوعات محددة في الحملات الانتخابية مستوى أعلى من الأهتمام قد تنحدر الى مستوى أدنى في مجالات أخرى. و يمكن أن تتباين مستويات الموضوعات من زمن لأخر أو مجتمع لأخر. و تتباين بلاشك درجة اهتمام الناخبين بأسماء القوائم الأنتخابية أو بالعملية الانتخابية برمتها. كما تتباين قدرات المرشحين على استيعاب توجهات الناخبين في مجتمعهم. و لكن يمكن تعميم نتائج هذا التحليل - دون أن ترقى طبعاً لدرجة الحقائق- لأن القوائم الأنتخابية المحلية قد تشكّلت من كافة المناطق في الاردن ضمن ذات الفترة الزمنية و ذات الظروف المعيشية و الأحداث العامة، ثمّ أنّها تغطي المجتمع الأردن بكل أفراده و تنظيماته و طبقاته. اذ تفيد هذه النتائج المرشحَ و الناخبَ و السياسيين و الصحفيين و غيرها في استبصار الرؤى العامة للمرحلة الحالية من منظور الأردنيين و تطلعاتهم نحو الفترة القادمة. كما تحفز الباحثين في الدراسات النقدية و التحليل النقدي للخطاب و غيرها في تحليل الخطاب السياسي و الخطاب الأعلامي ...الخ، و رفد المسؤولين بالنتائج. ما يجسّر العلاقة بين الباحثين و صناع القرار فتكون القرارات بعيدة عن الأرتجاليّة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد