المغرب : توسيع نطاق التنمية المستدامة

mainThumb
تستند قدرة الميسرين المدربين على دعم الأفراد والمجتمعات بطريقة هادفة

02-08-2024 06:06 PM

بقلم يوسف بن مير

مراكش

بالنسبة للعديد من المنظمات والوكالات في جميع أنحاء العالم، لا تزال مسألة توسيع نطاق نجاحات التنمية المحلية تشكل تحدياً كبيرا ومسؤولية يصعب التعامل معهما. فعند المشاركة في المؤتمرات وجلسات التخطيط الاستراتيجي والمنتديات والدراسات حول هذه الضرورة الملحة، ينصب معظم الاهتمام على الجوانب التكنولوجية. وفي الواقع، إذا تمكنا من تشجيع المزارعين بشكل فعال على اعتماد أساليب مبتكرة لإدارة المياه، على سبيل المثال، أو الممارسات المتعلقة بالطاقة المتجددة أو الزراعة أو معالجة المنتجات، فستتمكن الأسر والمجتمعات المحلية والمناطق القروية من الاستفادة من الأهداف الأساسية للتنمية المستدامة: دخل أكبر، وصحة أفضل، وتعليم جيد، وفرص أكبر بكثير.

علمتنا تجربتنا في المغرب كأعضاء منظمة مغربية-أمريكية تُعنى بالتنمية المجتمعية المستدامة أن إحداث التغيير الحقيقي لا يقتصر فقط على تبني الابتكارات التقنية أو دمج المقاربات الذكية في المجال الزراعي. فالتحدي الحقيقي يكمن في قدرتنا على تفعيل حركات مجتمعية واسعة النطاق تمكن السكان المحليين من تحديد أولوياتهم وتنفيذ المشاريع الأكثر أهمية بالنسبة لهم. إن قدرتنا على إنشاء بنى تحتية مبتكرة لزراعة أصناف محلية من أشجار الفاكهة في 302 جماعة قروية، والتي تشمل أكثر من 15000 شخص منذ عام 2023، تفوق بكثير قدرتنا على تنظيم ورش عمل لتمكين المجتمعات المحلية وتمكين التخطيط التشاركي والتحكم في مسارها التنموي.

والمقصود بعملية "التمكين الذاتي" تجربة شخصية تأملية تتم في إطار مجموعات، حيث يُدعى المشاركون إلى استكشاف علاقاتهم الاجتماعية وعواطفهم ووجهات نظرهم بخصوص العمل والمال والروحانيات والجسد ورؤاهم الصادقة لمستقبلهم التنموي. وترتبط المبادرات المحلية التي تنبثق من مثل هذه التأملات الفردية والجماعية المعمقة ارتباطا وثيقا بالاستدامة، لأنها تجسد بصدق التطلعات الحقيقية للمشاركين الذين حددوها بأنفسهم.

تستند قدرة الميسرين المدربين على دعم الأفراد والمجتمعات بطريقة هادفة، رجالا ونساء على حد سواء، إلى تدريب عملي معمق ومستمر يشرف عليه مدربون متخصصون. إن منظمتنا، التي تدرك تماما قيمة مدربيها الخمسة عشر المتخصصين في التمكين والنهج التشاركي، تفتقر إلى العدد اللازم لتوسيع نطاق عملها في جميع الأماكن المحتاجة. على سبيل المثال، لتلبية متطلبات زراعة الأشجار المثمرة وبناء البنية التحتية لحفظ المياه وغيرها من المشاريع الأساسية المنشودة، من الضروري تأهيل المزيد من هؤلاء المهنيين.

وعلى غرار العديد من المنظمات الأخرى في المغرب وحول العالم، نرحب بالدور الأساسي للميسرين المؤهلين لتمكين المجتمعات المحلية وتعزيز العمل التشاركي. ومن المؤسف أن قدرتنا على الاستجابة لاحتياجات جميع المناطق والمجتمعات المحلية التي تطلب خدماتنا غير كافية على الإطلاق. وفي الوقت نفسه، نرى أن المشاريع التنموية مثل زراعة الأشجار المثمرة التي لا تنبع من نهج تمكين المجتمع المحلي، حتى عندما يطلبها المزارعون، لها تأثير مقلق. فمع امتلاك النساء أقل من 15% من الأراضي في العالم، فإن زراعة الأشجار المثمرة (القطاع الذي غالبا ما يهيمن عليه الذكور) دون التشاور مع المجتمعات المحلية أو التقاسم العادل للعائدات، تهدد بتعميق الفجوة بين الجنسين. ومن ناحية أخرى، تقدم المبادرات القائمة على تمكين المجتمع المحلي مكاسب ملموسة، مثل زيادة المحاصيل وزيادة الدخل من زراعة أشجار الفاكهة. وبالإضافة إلى ذلك، تعزز هذه المشاريع جهود محو الأمية لدى الإناث وتعليم الفتيات، مما يساعد على التخفيف من حدة الفقر في المناطق القروية في المغرب وأماكن أخرى.

تركز معظم الجهود الحالية لمكافحة تغير المناخ على المبادرات التي تركز على التقدم التكنولوجي. غير أنه يتعين على صانعي السياسات والجهات الفاعلة في مجال التنمية والباحثين أن يضعوا في اعتبارهم غياب المشاركة الكاملة للمجتمعات المحلية في عملية صنع القرار قد يعزز توافر المنتجات والخدمات والدخل والنشاط الاقتصادي لكنه يقوض النمو المشترك، بل قد يؤدي أيضاً إلى تفاقم الانقسامات والأعباء التي أثقلت كاهل السكان المهمشين لأجيال.

لتحقيق التنمية المستدامة والمنصفة والملائمة، من الضروري البدء بتدريب فرق من ميسري ورشات التمكين على مستوى المجتمعات المحلية لخلق وتدبير التغيير المنشود. ويمكن عندئذ إدخال التقنيات والابتكارات الحديثة بسلاسة أكبر، وبالتالي إيجاد أفضل وسيلة لتوسيع نطاق التنمية المحلية المبنية على الحركات المجتمعية.

إن أكبر تطلعاتنا في المغرب هو أن يساهم الأفراد من جميع أنحاء المغرب، بمختلف لغاتهم ولهجاتهم في إثراء الهويات التي تشكل هذا البلد. كما نثمّن بشكل خاص التعلّم التجريبي ضمن بيئات مجتمعية تفاعلية، بالإضافة إلى مبادرات التمكين التي تساعد الناس على التغلب على المعتقدات المقيّدة ليتمكنوا في النهاية من تحقيق أهدافهم. فمن خلال هذا النهج، سنتمكن من توسيع نطاق التنمية المستدامة المحلية.

لحسن الحظ، في بلدنا، يتم تشجيع الأفراد على المساهمة في بناء مسارها التنموي. بالإضافة إلى ذلك، يسهم تمكين المجتمعات المحلية والتخطيط التشاركي في فهم كيفية تكامل التكنولوجيا مع المشاريع التي يحددها الناس بأنفسهم، بدلاً من أن تكون التكنولوجيا هي العامل الرئيسي في تحديد مسارات التنمية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد