خلي عقلك ينفعك

mainThumb

25-07-2024 02:46 PM

دعونا نتخيل أسدا تم استئصال دماغه وزراعة دماغ إنسان مكانه، ما إن استيقظ من التخدير، فتح عينيه، نظر حوله، حتى تزاحمت الأفكار في رأسه، وانطلقت علامات الاستفهام والتعجب؛ كيف؟ أين؟ ماذا؟ لماذا؟ متى؟

ثم شعر بجوع شديد، نظر وإذ بثور كبير، نهض بغريزته نحو الثور راكضا، ولكن سرعان ما توقف متسائلا: ماذا إن نطحني الثور بقرنيه الكبيرين، لا لا... لن أقدم على هذه المغامرة! سأبحث عن ضعيف لا يؤذيني.

رأى على الضفة الأخرى للنهر غزالا صغيرا، نعم هذا سهل المنال، ضعيف الجانب، ولكن... كيف لي أن أصله والنهر بيننا، كيف لي أن أسبح وأخوض الماء وأنا لا أعرف السباحة!

نظر إلى الاسود من حوله تصطاد الثيران الكبيرة، وتقطع النهر سباحة إلى الجهة الأخرى، فأخذ الحسد والحقد يملأ قلبه: لماذا هي تصطاد وأنا لا أفعل؟ لماذا هي تسبح وأنا لا أستطيع؟ كل ما في هذه الغابة يكرهني، يحسدني، سأحرق الغابة ومن فيها، ولكن كيف؟ فأنا لا أعرف أن أشعل نارا!

على كل حال... أنا أفضل من كل تلك الاسود، لأن أجدادي كانوا ملوك هذه الغابة، ويجب على الجميع أن يعرفوا ويرضخوا لهذه الحقيقة، زأر فارتجت الغابة بصوته، وتجمعت الاسود والحيوانات من حوله، فخطب بهم أنه أفضلهم، وأنه مرسل من الرب إليهم، وعليهم أن يكونوا أتباعه، هبة السماء لهذا الزمان الصعب.

فضحك من حديثه الجمع، وجاءه الأسد الذكر المسيطر، ضربه بيده على وجهه -جابله الدور-، وقال له: خلي عقلك ينفعك!

وهكذا الإنسان يعيش بغرائز حيوانية، وعقل لا يسلمه إلا للخوف والحسد والكبر الفارغ (القائم على زيف الماضي، وبلاهة الحاضر، وطلاسم المستقبل)، فيستعبد الضعيف، ويبني حضارة من جماد، ويهدم حضارة من لحم ودم، فيضحك منه كل شيء، تسخر نفسه من نفسه، حتى تلطمه الحقيقة على وجهه، وتقول له: خلي عقلك ينفعك!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد