التحديات الاقتصادية واستقرار الدينار الأردني

mainThumb

24-07-2024 12:17 AM


يواجه الأردن تحديات اقتصادية، كباقي دول العالم، سواء في الفترة الحالية أو المستقبلية، ومن ضمن هذه التحديات ارتفاع معدلات البطالة، وتزايد الدين العام، والاعتماد على المساعدات الخارجية، والتحديات الإقليمية والسياسية، والبنية التحتية المحدودة، وارتفاع تكاليف المعيشة، والتحديات في قطاعي التعليم والصحة، ومحدودية الموارد الطبيعية وخاصة فيما يتعلق بالمياه والطاقة.

والى جانب هذه التحديات الاقتصادية السابقة، هناك جزئية مهمة كانت وما زالت ناتجة عن التغيرات في السياسات النقدية الأمريكية، وقد بدأ الفيدرالي الأمريكي برفع معدلات الفائدة في شهر مارس من عام 2022 وذلك لتقليل معدلات التضخم في العالم، مما انعكس بشكل إيجابي على قوة الدولار الأمريكي من جهة، وانخفاض معدلات التضخم من الجهة الأخرى، وهذه بدورة ساهم وساعد في قوة الدينار الأردني مقابل العملات الأخرى.
.
ولكن مع اقتراب انتهاء الفيدرالي الأمريكي من سياسته النقدية التشددية وتوجهه نحو السياسة النقدية المتساهلة والمتمثلة في تخفيض معدلات الفائدة في بداية الربع الأخير من هذا العام 2024، فمن المتوقع أن تنخفض العوائد على الأصول المقومة بالدولار، مما يؤدي الى انخفاض الدولار الأمريكي الى ما دون 100 نقطة وممكن 90 نقطة مقابل سلة من العملات، وهذا بدوره سينعكس بشكل سلبي على مصير العملات المرتبطة بالدولار الأمريكي، ومن ضمنها الدينار الأردني.
.
ويرتبط الدينار الأردني بشكل قوي بالدولار الأمريكي، وأي انخفاض على الدولار الأمريكي سيؤدي الى انخفاض في قيمة الدينار الأردني مقابل العملات الأخرى، بمعنى أن انخفاض قيمة الدولار الأمريكي سيؤدي الى زيادة تكاليف السلع والخدمات والمستوردة، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم في الأردن، بالإضافة الى أن الاستثمارات الأجنبية بالرغم من صغر حجمها في الأردن الا أنها أيضا ستتأثر بشكل سلبي لأن التغير في قيمة الدينار تجعل الأردن أٌقل جاذبية للاستثمارات الأجنبية وذلك بسبب عدم استقرار تدفقات الاستثمار.
.
وبالمقابل، هناك إيجابية في انخفاض قوة الدولار الأمريكي قد تنعكس بشكل مباشر على العوائد السياحية في الأردن والتحويلات المالية من الخارج الى الأردن، ففي ظل انخفاض الدولار الأمريكي قد يؤثر ذلك بشكل إيجابي على العوائد السياحية والحوالات المالية الخارجية لأن الأسعار تصبح أرخص للسياح والمغتربين، ولكن مع وجود المخاطر الجيوسياسية المتزايدة في الإقليم التي أدت الى تخفيض عائدات السياحة من جهة، وتزامن ذلك مع انخفاض التحويلات المالية الخارجية من الدول الأخرى، أصبح من الضروري الحفاظ على استقرار الدينار الأردني، بالتخطيط الاستراتيجي وأتباع سياسات نقدية ومالية حكيمة وموجهه نحو الاستدامة والاستقرار الاقتصادي.
.
وأولى هذه الخطوات هي التحكم في العجز المالي، من خلال ضبط النفقات الحكومية وتوجيهها نحو الأولويات الوطنية والتنموية، وزيادة الإيرادات الحكومية ومكافحة التهرب الضريبي وإيجاد شراكات مع دول الجوار والعمل على تحسين أداء الشركات الحكومية وزيادة مساهمتها في الإيرادات، أما الخطوة الثانية فهي إدارة الديون العامة، من خلال عدم الاعتماد على الاقتراض في تمويل العجز المالي ومحاولة التفاوض في تقليل الفوائد أو تمديد فترات السداد، والبحث عن مصادر تمويل بديلة تعتمد فيها على الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
.
وتلعب الاحتياطيات الأجنبية دور مهم في استقرار الدينار الأردني، ويمكن تعزيز الاحتياطات من خلال تنويع مصادر الدخل الأجنبي بتعزيز الصادرات وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، واستثمار الاحتياطات الأجنبية وتنويعها في السندات والصناديق الاستثمارية والسيادية والمعادن الثمينة والأسهم الممتازة في الشركات العالمية الكبرى لتحقق عوائد مستقرة على المدى الطويل بمخاطر قليلة، إضافة الى ذلك، دعم القطاعات الإنتاجية وتحسين بيئة الاعمال بتسهيل الإجراءات الإدارية لتشجيع الاستثمار المحلي والاجنبي، مع المحافظة على تحسين الحوكمة ومكافحة الفساد باتخاذ إجراءات صارمة وضمان استخدام الموارد المالية بكفاءة عالية.
.
وفي ظل تزايد الأسعار والتضخم المستورد في الأردن، نلاحظ تزايد نسب الفئات الضعيفة والفقيرة في المجتمع الأردني وخاصة في المحافظات، وهذه المسؤولية جزء منها يقع على الشركات والبنوك الأردنية، ويعد قطاع البنوك الأردني من القطاعات الأكثر تماسك وقوة في الاقتصاد الأردني، الا أنه الأقل تحمل في مسؤولياته الاجتماعية، ومطلوب من هذا القطاع في هذه الفترة الحساسة ليس فقط جني الأرباح، انما أيضا تقديم الدعم المالي والاجتماعي للفئات الأكثر تضررا من التضخم، لضمان عدم تآكل قدرتهم الشرائية، من خلال دعم التعليم والتدريب وتقديم المنح الدراسية وتنظيم ورش عمل للشباب الخريجين وزيادة فرصهم في سوق العمل، ودعم المشاريع الصحية ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال من خلال القروض الميسرة في جميع المحافظات.
.
التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن متعددة ومعقدة، وهذا يتطلب منا العمل على معالجة التحديات بطريقة شاملة ومتكاملة، وصحيح أن الدينار الأردني قوي حاليا، وهناك خطة للتحفيز الاقتصادي، ولكن نسب النمو التي تتحقق في خطة التحفيز الاقتصادي تنمو بنسب خجولة، والسياسة النقدية الامريكية متغيرة والدولار الأمريكي غير مستقر ويميل الى الانخفاض في المستقبل القريب.
.
وبالتالي لا بد لنا الى جانب التحسين المستمر في السياسات النقدية والمالية وأن نتبع التخطيط الاستراتيجي الواضح، بوضع رؤية وأهداف طويلة الأمد تعكس الطموحات وقابلة للتحقق وملهمة لجميع فئات المجتمع، تبدأ بإعداد خطة تنموية شاملة متكاملة في ظل الظروف الحالية بمشاركة جميع الجهات المعنية، ممثلة بالحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وتحليل الوضع الاقتصادي الحالي باستخدام نماذج تحليلية لتوقع الاتجاهات المستقبلية، وتحديد نقاط القوة وخاصة في القطاعات الاستراتيجية التي يمكن أن تنمو بنسب عالية مثل الزراعة والصناعة والسياحة والتكنولوجيا والطاقة، والبحث في الفرص المرتبطة بشكل خاص في موقعنا الاستراتيجي لتحقيق التكامل الاقتصادي بين الأردن ودول الجوار وخاصة بتفعيل التعاون مع العراق ومصر، وتنفيذ هذه الخطة وفق جدول زمني محدد، ومراقبة وتقييم الأداء بشكل دوري، مع توفير منصات للحوار المستمر بين الجهات المعنية لمناقشة التحديات والحلول الممكنة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد