تدوير المناصب العامة .. لماذا وكيف

mainThumb

19-07-2024 06:03 PM

من المعروف بأن الإدارة العامة هي حلقة الوصل بين النظام الحاكم وبين مواطني الدولة. وهي بذلك تُعد الناقل الرسمي لتوجيهات القيادة السياسية للمواطنيين عبر المؤسسات العامة الحكومية بجميع أنواعها وقطاعتها المختلفة. حيث يقوم القادة السياسين والإداريين برسم السياسات العامة للدولة ووضع الخطط الاستراتيجية الهادفة إلى تسيير أعمال الدولة. وتقوم جميع تلك المؤسسات بترجمة السياسات العامة إلى برامج وخطط عملية وأهداف عامة غايتها تقديم أفضل الخدمات للمواطنيين والسهر على راحتهم في كافة أنحاء الوطن.
وتلك العملية بحاجة إلى قيادة سياسية وإدارية حذقة من طراز فريد يتولون هذه المهمة الشاقة في تطبيق وتنفيذ تلك السياسات والبرامج، وفي إدارة الموارد البشرية العاملة في الإدارة العامة لتنفيذ المطلوب منهم بكفاءة وفاعلية متوكلين على الله، ومتخذين من المناهج العلمية والإدارية الفضلى سبيلاً لتنظيم عملهم لتحقيق الأهداف الحكومية.
وفي الحقيقة فإن عملية اختيار تلك القيادات مسألة صعبة وشائكة، وتحتاج إلى البحث عن الأشخاص داخل أروقة الإدارة العامة وخارجها ممن يتوسم بهم القيام بمهام العمل على أكمل وجه، والنهوض بالمؤسسات وتطويرها وتحقيق أهدافها. إلا أن تطبيق ذلك على أرض الواقع غالباً ما يواجه بصعوبات كثيرة ويتداخل فيها العديد من العوامل التي تؤثر سلامة الاختيار ويشوبها الخلل في معظم الأحيان، نتيجة تدني مستوى الشفافية وعدم الوضوح في كيفية الاختيار وأسبابه ودواعيه من ناحية، وبحكم أنها تخضع لاعتبارات معينة لمتخذي القرار يجهلها المواطنيين من ناحية أخرى.
ونؤكد هنا بأن هذه العملية متعارف عليها في جميع دول العالم، وتتم في القطاعين العام والخاص، حيث يقوم المسؤولين بالبحث عن أفضل الأشخاص وأكثرهم خبرة ولديهم القدرة والكفاءة في العمل، ويحملون مؤهلات وكفايات إدارية وقيادية، ويتميزون بقدرات إبداعية وابتكارية تؤهلهم لتبوء تلك المناصب العليا للسير قدماً في تطوير المؤسسات وعملها.
إلا أن المتابع للشأن العام في الأردن يلاحظ الكم الهائل من عملية تدوير المناصب على مستوى الوزارة والقيادات الإدارية العليا وإدارات المؤسسات العامة المستقلة ومجالس الإدارات التابعة للدولة وغيرها بين عدد من الشخصيات. وهذا دوماً ما يثير تساؤلات مشروعة في أذهان الكثيرين وفي الصالونات السياسية والإدارية وأروقة الوزارات والمؤسسات العامة وبين المواطنيين حول هذه الظاهرة. حيث كثيراُ ما نرى تقلب بعض الأشخاص من منصب إلى أخر ومن وظيفة إلى أخرى دونما معرفة أسباب تلك الاختيارات المتكررة لنفس الأشخاص، ولماذا وكيف تمت عملية اختيار هؤلاء لتلك المواقع، ولماذا يتم تدوير تلك الوظائف والمناصب بين عدد من الشخصيات، وتقلب هؤلاء الأشخاص من وزارة إلى أخرى ومن وظيفة إلى أخرى؟. وما هي المؤهلات والخبرات والإمكانات والقدرات المميزة التي يمتلكونها ميزتهم عن غيرهم ورشحتهم لتولي تلك المناصب الرفيعة؟.
وقبل الاجابة عن تلك الأسئلة نؤكد بأنه يجب أن لا يهضم حق كل من تولى المنصب العام بأنه غير مؤهل أو تقلد المنصب بالواسطة والمحسوبية، فهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا. بل على العكس هناك من تقلد المنصب لمؤهلاته وخبراته وكفاءته وجدارته وقدرات يتميز بها عن الأخرين. لكن في الوقت ذاته لا يعني بأن كل من تقلد المنصب العام ذو كفاءة وجدارة.
وفي ذات السياق نورد بأن لقد الدستور الأردني قد كفل الحـق فــي تولـي المناصـب العامـة، وشرع له الحق أيضاً في الطموح في تولي المناصب العليا والقيادية والوزارية بشـروط معينـة فــي القانـون أو الأنظمة وبينها علـى أسـاس الكفايـات والمؤهلات. وهنا يكمن السر في عملية التدوير حيث يتم وضع توصيف المؤهلات والكفايات والقدرات المطلوبة للأشخاص الذين سيتولون تلك المناصب، لكنه يواجه بإشكالية تحديد الكفايات والقدرات باعتبارها مفاهيم عامة يختلف مضمونها ومتطلباتها من وظيفة إلى أخرى ومن مؤسسة إلى أخرى.
ولو بحثنا في تفاصيل موضوع تدوير المناصب العليا والوزارية لخرجنا بجملة من التفسيرات لهذا الموضوع. أولها أن موظفي الحكومة أو الإدارة العامة يلعبون لعبة التداور في المنصب نتيجة علاقات العمل والقرب من أصحاب العلاقة وارتباطهم بمتخذي القرار.
وثانيهما أن الخبرات الإدارية والفنية التراكمية المتحصلة في نفس المجال من العمل الحكومي يجعل فرصتهم أكبر ويؤهلهم للحصول على تلك المراكز القيادية في نفس المكان أو في أماكن أخرى تتطلب خبرات مشابه، إضافة إلى أن وجود كثير من الكفايات الإدارية والوظيفية التي تحصلوا عليها من خلال عملهم الحكومي تضيف إلى رصيدهم ميزة أخرى.
وثالثهما ويعتبر العامل الحاسم والأكثر أهمية وهو المستوى الرفيع من العلاقات الوثيقة الطيبة والمتنوعة ذات التأثير النافع مع قيادة الحكومة أو المؤسسة أو جهات ومؤسسات ذات تأثير كبير داخل الدولة تؤهلهم للفوز بالمنصب، إضافة إلى شبكة العلاقات الاجتماعية كعلاقات القربى والمصاهرة ذات التأثير القوي وما يطلق عليها بالواسطة أو المحسوبية تلعب دوراً مهماً في كسب الفرصة. ويلعب مستوى الثقة والولاء لقيادة الحكومة أو المؤسسة دوراً بالغ الأهمية في تدوير المناصب. وأخيراً فقد يلعب الحظ دوراً في هذا الموضوع في أدنى مستوياته. وهذا ليس تجني على كل من تولى سدة المسؤولية، بل ذلك موثق في سير هم الذاتية التي توضح مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم والمواقع التي شغلوها وامتدادهم العشائري والسياسي أو علاقات القربى والمصاهرة.
ونجد أيضاً بأن هناك تشابه كبير مع غيرهم من الطامحين والطامعين في تولي المناصب العامة مع غيرهم وذلك ليس تقليل من قدرهم و/أو تجني عليهم بل معرفة الحقائق لا أكثر. لا بل قد يكون الأخرون يمتمعون بصفات ومؤهلات وقدرات أقوى وأفضل ممن تم اختيارهم، لكن الفرصة لم تتاح لهم لتبوء أحد المناصب القيادية لضعف علاقاته وقدراته على اقتحام تلك الأسوار المحيطة بالوظائف القيادية في الإدارة العامة.
ذكرنا سابقاً بأن المناصب الإدارية العليا بحاجة إلى قادة سياسين وإداريين، ويعتبر ذلك أحد أهم التحديات التي تواجه الإدارة العامة في تدوير المناصب بين فئة من العاملين الذين تتكرر خبراتهم بعدد سنوات عملهم وليس لديهم جديد يضيفونه إلى المواقع التي سيشغلونها. ويتضح ذلك في ضعف تطوير وتحديث مؤسساتنا وانعكاسه على تردي الخدمات المقدمة للمواطنيين.
وفي الختام نستطيع القول بأن الإدارة العامة إذا بقيت على هذه الشاكلة فإنها ستبقى تدور حول نفسها.

د. نواف طبيشات
مدرب ومستشار تنمية إدارية وتطوير إداري



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد