مشاريع استعمارية في المحيط العربي

mainThumb

18-07-2024 03:17 PM

الإرادة الإلهية جعلت من الشرق الأوسط ميداناً لاشتعال الحروب واللعب بالنار لأكثر من سبعين عاماً مضت، فمن الاحتلال الاسرائيلي لأرض فلسطين، إلى حرب الثماني سنوات بين العراق وجارتها إيران، وحصار القوى الغربية للعراق واحتلاله وتخريب أرضه وتدميره، ثم تسليم عهدة الخراب والدمار لإيران من جديد؛ قطعاً هذا التخادم بين المشروعين لا يزال مستمراً وفق مخطط بدأ منذ احتلال العراق ولم تنتهي فصوله حتى الآن.
استطاعت إيران عبر أذرعها الميليشياوية التوغل في الوطن العربي لتحقيق منافع سياسية واقتصادية وثأر تاريخي، الشيء الأهم الذي ما تزال تسعى إليه هو التوسع الجغرافي للسيطرة على الوطن العربي لإقامة امبراطوريتها الفارسية المزعومة من الخليج للمحيط.
لا يوجد عداء حقيقي بين الكيانات (الغربي، الصهيوني، الفارسي)، فمن يُعلن على الملأ مبتهجاً باحتلال بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ويُهدِّد ما تبقى من بلاد العرب باحتلال أرضها هو أشد خطراً من الكيانات الأخرى التي تهدف لاستنزاف طاقات المنطقة مادياً وإقامة "إسرائيل الكبرى" من النيل للفرات.
الهُتافات والضجيج التي ينتهجه الرُّعَاع والدَّهماء والعامَّة الذين يدينون بالولاء المطلق لأحزابهم وميليشياتهم جاعلين من النصر والأنصار والفيالق عناوين لهم باللافتات في الضاحية وصنعاء وبغداد استطاعت مع الأسف زعامات تلك الميليشيات بالتربية العقدية الرُّوحية جلب المزيد من الأتباع لاعتناق هذا المنهج ليس فقط في منح الولاء بل بالتضحية بالنفس أحياناً عندما يتطلب الموقف.
اللافت أنَّ الدم العربي هو من ينزف لتنفيذ أجندات فارسية دون أن يُراق قطرة دم واحدة من الكيان المؤسس، تلك الميليشيات لا تكترث بالدماء التي تُراق، ولا الأنفس التي تُزهق، فقد جعلت أوطانها وشعوبها ميداناً للتجارب لكل أنواع الأسلحة الفتَّاكة، فالبحار التي تُنتهك، والبنيان الذي يتهدَّم، والدِّماء التي تُسفك، كلها ماءً وأرضاً وأنفساً عربية.
في ذات السياق، التعاون الوثيق بين الجانبين الإيراني والإسرائيلي ظاهر للعيان ولا يخفى على أحد؛ فوجود الميليشيات الصفوية في العراق وسوريا كانت نتيجته مأساوية بالقضاء على مئات الآلاف من البشر وتشريد الملايين بمباركة من جارتها إسرائيل التي تزعم العداء معها، هذا العداء ليس صحيحاً، فقواعد تلك الميليشيات بالجوار على مرمى حجر في لبنان وسوريا وكلاهما برداً وسلاماً على الآخر.
تلك الميليشيات مصدر قلق للدول التي استوطنتها، فهي كيانات عسكرية ذات ولاء مطلق للمستعمرين، غير معترف بها أممياً، ولا تبني وطناً، ولا ترغب في الوحدة الداخلية مع الشعب، هي مجرد فصيل إرهابي أشبه بقطاع الطرق وعصابات الخطف والمساومة، تتقوى بغيرها على شعوبها، ليس لها مشروع وطني، أهدافها عسكرية بحته، تُهدِّد المجتمع المحلي وتنهب ثرواته تحت تهديد السلاح، يمتد خطرها إلى خارج حدودها تنفيذاً لأجندات المستعمر الذي يقف خلفها ويدعمها كما تفعل ميليشيات الحوثي وحزب الله التي تُهدِّد دول الخليج العربي بالحرب والتدمير صباحاً ومساءً.
كل الصراعات التي حدثت في العقدين الماضيين بالوطن العربي كانت صناعة استخباراتية مدعومة من تركيا وايران، فالثورات الاخوانية كانت بدعم تركي لعودة الخلافة العثمانية من جديد رغم أنها حكمت عدة قرون دون أن تترك أثراً أو إرثاً حضارياً يُشار له بالبنان سوى استعمار بلاد العرب والمسلمين والاستفادة من خيراتها ونهب ثرواتها، أما الميليشيات الصفوية الفارسية فهي تدعم من ايران، فالإخوان والميليشيات يتقاسمان النفوذ في سوريا واليمن، وتتفرد الميليشيا بالقرار في لبنان والعراق، يرفعان معاً شعار الدين والخلافة والوحدة الإسلامية ويختلفان حول الرؤية والمنهج، فماذا تنتظر الشعوب العربية من تلك الميليشيات والأحزاب سوى الخراب والدمار للوطن العربي؟.
الأهداف التي تسعى لها كل الأطراف (الغربية، الصهيونية، الفارسية) هي أهداف مشتركة تتفق وتختلف بحسب المصلحة الراجحة لكل طرف، فالغرب يهتم بالمصالح المادية دون النظر للهوية، في حين ينظر الفرس للتوسع الجغرافي ونهب الثروات والقضاء على العِرق العربي لاعتبارات تاريخية، أما الصهيونية فلا تزال تبحث عن تهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه تمهيداً للتوسع الجغرافي في المستقبل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد