«نتساح يهودا» والـCNN: مَن يقرص الأذن؟

mainThumb

14-07-2024 08:51 PM

هي في التسمية العبرية «كتيبة نتساح يهودا»، وتتوخى إعلاء انتصار يهودا عبر وحدة عسكرية خاصة قوامها استيعاب «شبيبة تلال» الطائفة الحريدية، وتطبيق تعاليم التوراة، ومنح الحاخامات سلطات عليا في شؤون ليست لوجستية تماماً (مثل نوعية الطعام، ومنع الاختلاط بين الجنسين عن طريق حظر انتساب النساء إلى الكتيبة).
على صعيد المهامّ العسكرية التي أوكلت وتوكل إليها ضمن صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، سواء في الضفة الغربية أو الجولان السوري المحتل أو قطاع غزّة؛ ثمة لوائح خاصة، معلنة جزئياً أو مكتومة غالباً، تبيح لها ممارسة انتهاكات قصوى ضدّ المعتقلين الفلسطينيين، لا تبدأ من التكبيل والجلد والصعق بالكهرباء، وقد تنتهي بالتصفية الجسدية كما في الحالة الأشهر للشهيد الفلسطيني/ الأمريكي المسنّ عمر أسعد (78 سنة) مطلع 2022.
ولأنّ الكتيبة اكتسبت هذه الشهرة تحديداً، أي العربدة الهمجية وارتكاب الفظائع و«إحراج» الاحتلال أمام الرأي العام العالمي، والأمريكي خاصة؛ فقد اضطرّت السلطات الإسرائيلية إلى هذه أو تلك من حالات «قَرْص الأذن»؛ كأنْ يُعاقب جندي بالسجن بضع أسابيع مع وقف التنفيذ، أو أن يُوبّخ ضابط تارة أو يُبعد زميل له تارة أخرى.
من جانبها كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد وقعت تحت الاضطرار ذاته، لأنّ «قانون ليهي» لعام 1997 يمنع الجيش الأمريكي من مساعدة وحدات عسكرية متورطة بانتهاك حقوق الإنسان، فشكلت لجنة خاصة للتحقيق في ممارسات «نتساح يهودا» بهدف فرض عقوبات محددة (مثل وقف التدريب مع الوحدة، مثلاً!)؛ الأمر الذي انتهى إلى وضع نتائج التحقيقات على رفوف مهملات مخصصة لأيّ أمر يمسّ الكيان الصهيوني.
مناسبة عودة هذه السطور إلى كتيبة الحريديم الإجرامية الفاشية هي «صحوة» ضمير متأخرة انتابت شبكة الـCNN الأمريكية، فاستضافت عنصراً سابقاً في صفوف الكتيبة، كشف خلال المقابلة عن سلسلة انتهاكات صارخة بحقّ الفلسطينيين، على رأسها اللجوء إلى العقاب الجماعي: رداً على قيام فتية فلسطينيين برشق الحجارة، أمر ضباط الكتيبة باقتحام بيوت الأهالي وقصفها بقنابل الغاز والمتفجرات المختلفة. ورغم حرص الشبكة على إغفال اسم الجندي الإسرائيلي، إذْ اعتبرته من صنف «مبلِّغ» Whistleblower يتوجب إخفاء هويته؛ فإنها مع ذلك منحته فرصة تحديد أسماء 4 ضباط وقفوا خلف أنساق العقاب الجماعي تلك، وهؤلاء لم يتعرضوا لأيّ مساءلة أو عقاب، بل تمتعوا بالترقية، وهم الآن يمارسون انتهاكات أفظع في… قطاع غزّة.
أهذه «قرصة أذن» بدورها، من شبكة لم تعوّد الفلسطيني، ولا العالم بأسره في الواقع، على فضح انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي أياً كانت شراستها ومقادير الهمجية التي تقترن بها؟ وإذا جاز الافتراض بأنها أكثر، قليلاً فقط، من القرصة؛ فما الذي دفع الشبكة إليها، في هذا التوقيت تحديداً، وقبيل أيام قليلة من ارتقاء رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سدّة الكونغرس، ضيفاً معززاً مكرّماً في إهاب مجرم حرب مُحالٍ أمام قضاء بلاده بتُهم فساد شتى، ومطلوب من القانون الدولي ومحاكمه المختلفة؟
ولعلّ المبادرة إلى إجابات عن أسئلة كهذه أقرب إلى بذل جهد مجاني لا طائل وراءه، بالنظر إلى أنّ تورّط الشبكة في التعمية على حرب الإبادة الإسرائيلية، أو التواطؤ فيها وعليها، بات واضحاً وصريحاً ولا يترك زيادة لمستزيد؛ خاصة بعد تقرير موقع The Intercept، الإخباري والصحفي الأمريكي الذي فضح، مطلع العام، خضوع الشبكة التامّ لإملاءات الرقيب العسكري الإسرائيلي. وأمّا الرقابة الذاتية التي تفرضها الـCNN على مراسليها والمتعاونين معها، فإنها تتمّ عبر هيمنة مكتب القدس المحتلة على كلّ، وأيّة، مادة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية تخصّ دولة الاحتلال.
مَنْ يقرص أذن مَنْ، استطراداً؛ بل هل ثمة قَرْص من أيّ نوع… أساساً؟

(القدس العربي)


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد