ظاهرة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط

mainThumb

13-07-2024 03:16 AM

بعدما سقط العراق في العام 2003م توالت الأحداث على منطقة الشرق الأوسط بظهور الثورات العربية والربيع المشؤوم تحت شعار البحث عن الحرية، وإصلاح الأوضاع الاقتصادية، والتداول السلمي للسلطة، وإقامة العدالة الاجتماعية، والمحاسبة والشفافية، فهل تحققت كل أو بعض تلك الشعارات والمبادئ التي نادى بها أربابها ؟. ولماذا تنعم البلاد التي نجت من ذلك الربيع دون غيرها من الأقطار الأخرى بالأمن والاستقرار ؟.
قيام الثورات في العام 2011م وما يليه في الوطن العربي لم تكن ثورات وطنية صِرفة على الاطلاق، فقد كانت اليد الطولى في تلك الثورات للعوامل الخارجية سياسياً ومالياً وتخطيطياً، استُخدمت فيها المنابر الإعلامية العربية للدفع قدماً نحو قيام تلك الثورات بهدف تفكيك الوطن العربي إلى كنتونات يسهل على الأعداء اختراقها، تدخلت فيها قوى الاستعمار الغربي الأمريكية والأوروبية بتغذية الصراعات داخل النسيج الواحد في تلك البلدان.
بعض الأقطار التي أيَّدت الثورات والربيع العربي تآمرت مع الغرب عن قصد بحدوث الفوضى الخلاَّقة التي دعت إليها القوى الاستعمارية، كان لتلك الأقطار العربية والاسلامية أجندات دينية بحتة ترغب في إنشاء دولة الخلافة المزعومة، لكنها وقعت في الفخ ضحية لتلك المؤامرات الغربية دون علم أربابها والداعين لها، فالغرب الاستعماري يُخطِّط وفق أجندات لا يتم الكشف عنها حتى للدول التي تتحالف معه سياسياً أو اقتصادياً ولا يمكن أن يسمح بالبناء والرفاه للدول العربية، لكنَّه يغض الطرف عندما يُراد للدول العربية والإسلامية الدمار والفوضى، فلديه مراكز أبحاث عالمية تدرس الواقع والسيناريوهات وتجمع المعلومات وتبحث عن عملاء مقربين يتحدثون بذات اللغة وينتهجون ذات المنهج ليكونوا عوناً وسنداً بالسِّنان واللسان لتنفيذ مخططاتهم بسرِّية تامة.
معظم الضحايا لتلك المؤامرات كانت الشعوب بالوطن العربي بهدف نهب خيراته وثرواته، وتغيير هويته الوطنية والدينية، وسفك دماء شعوبه كما يحدث اليوم في قطاع غزة الذي يُقتل بدمٍ بارد بالتدريج عن طريق الحصار والموت جوعاً أو بالقصف والتدمير للمنازل والدور فوق رؤوس ساكنيها، هذه المؤامرات الخارجية تدعم بقوة في هذا الاتجاه، ليس لإسرائيل في هذا الدور سوى تنفيذ الأجندات وفق السيناريو المخطط له من قبل القوى الصهيونية العالمية في الغرب المستعمر.
نعود للحديث عن واقع الدول العربية في الوقت الحاضر، ماعدا دول الخليج العربية التي تنعم بالأمن والاستقرار، باقي الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط ليست في أفضل حالاتها، فمصر اليوم ليست كما الأمس، هي من أكثر الدول العربية سكاناً، العسكرة طغت على كل مفاصل الدولة سياسياً واقتصادياً وأمنياً وإدارياً، وعلى مدى الـ 72 عاماً الماضية انهارت العملة المحلية وتعرَّضت للتعويم بشكل تدريجي، وتردًّت الأحوال المعيشية للسكان، وانتشر الفساد بكل أشكاله وصوره الذي يزداد يوماً بعد يوم، تلك الأوضاع تُنذر بحدوث ثورة جياع ربَّما تلوح في الأفق قريباً.
وفي لبنان تسيطر الميليشيات الحزبية على صنع القرار، مع انهيار اقتصادي هائل، وضعف الخدمات بشكل عام، وفوضى أمنية، ومناوشات حربية مع الكيان بين الفينة والأخرى، ازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً مع توقف العمل في الميناء والاكتظاظ السكاني بالنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين؛ أما عن العراق فليس في أحسن أحواله إذ تسيطر عليه الميليشيات الشيعية التي تستورد أفكارها ومناهجها من دولة ايران الصفوية التي تستنزف خيرات العراق النفطية والاقتصادية لدعم المشروع الفارسي في المنطقة العربية؛ في حين نجد سوريا مقسَّمة إلى عدة كيانات يسيطر عليها النظام بدعم ايران وروسيا، والقسم الآخر يخضع للأكراد بدعم غربي لاستنزاف خيراته من الوقود والطاقة، في حين تسيطر تركيا على باقي الأجزاء في الشمال السوري؛ وإلى الجوار منها الأردن، مع كونه مستقر أمنياً وسياسياً، لكنه يعاني اقتصادياً، ويستضيف على أرضه الملايين من النازحين من فلسطين وسوريا، علاوةً على اضطلاعه بمسؤولية حماية الأقصى، والوقوف بقوة مع الشعب الفلسطيني لاسترداد أرضه من الكيان الصهيوني.
أما تونس فتواجه عجز اقتصادي هائل، أصبحت ملاذاً للمهاجرين من الدول الأفريقية المجاورة لتونس ومعبراً للمهاجرين مرةً أخرى نحو أوروبا عبر البحر المتوسط؛ في حين نجد المغرب والجزائر في حالة صراع على الصحراء الأفريقية عقوداً من الزمن؛ وفي اليمن تنتشر فوضى السلاح، ويغيب العقل، يعاني اقتصادياً وأمنياً، يخضع لأجندات خارجية مذهبية لتغيير الهوية العربية بهوية فارسية، مقسم بين الأحزاب والطوائف والقبائل دون وجود بصيص أمل في الوحدة بين الفصائل اليمنية؛ أما السودان فمقسم بين فصيلين يتقاتلان على موارد الدولة، التدخل الغربي في هوية السودان والدعم بالسلاح ليس له حدود لتجزئة المجزأ إلى كنتونات في المستقبل غير قابلة للحياة.
لدى الدول العربية فرصة الاختيار بين البقاء في القاع أو النهوض بأوطانهم للمنافسة العالمية، فعندما تصح نوايا القادة في تلك البلاد لعملية الإصلاح اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، فإن المبادرة برسم رؤية وطنية ومشروع متكامل كالذي تبنته دول الخليج العربية هو السبيل لتحقيق نهضة شاملة، مع القيام بحملة لمكافحة الفساد والتشهير بفاعليه، سيؤدي حتماً إلى الاستقرار والنماء، مع تحقق العدالة الاجتماعية، ويتوفر الأمان الاستثماري للمستثمرين الأجانب، وتزدهر السياحة، وتتوفر الفرص الوظيفية، فهل تبادر الدول العربية لاقتناص مثل تلك الرؤية وتلك المبادرات ؟ نأمل ذلك.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد