مواقف تربوية نبوية

mainThumb

11-07-2024 05:04 PM

كل المواقف التربوية التي تحدث في حياتنا اليومية تتكرر أحداثها بين الفينة والأخرى، أما الذي يختلف فهو الإجراءات التي تقوم بها المؤسسات أو الأفراد حيالها، حيث تتباين بحسب طبيعة الأفراد من حيث العمر، والمستوى التعليمي، والثقافة السائدة، والوازع الديني، والظروف المعيشية، والبيئة المحيطة.
عندما نعود للسنة النبوية في تراثنا الإسلامي، نتذكر الظروف التي ألمَّت بنبينا الكريم الموصوف من ربه بالنبي الأمي، الذي لم يتلقى تعليمه في مدارس نظامية، ولم يحظى بتربية والداه اللذان توفيا في صغره، عاش يتيماً فقيراً، تولَّت حليمة السعدية إرضاعه بعيداً عن عائلته، انتقلت كفالته بين جده وعمه، لم يظفر بالنعيم الذي عاش فيه أهل مكة، عمل بالتجارة ورعي الغنم، وبعد الأربعين من عمره اصطفاه ربه برسالته، لعلمه بصبره على الدعوة في تبليغ الرسالة، فكان مجاهداً في صغره وفي كبره حتى أتاه اليقين.
من المواقف التربوية التي عاصرها نبينا الكريم وأحسن التعامل معها في حياته آنذاك في مسجده، في طريقه، في بيته، وبعد دخوله مكة فاتحاً ما يلي:
الموقف الأول: يروى أن أعرابياً من أهل البادية أتى إلى المسجد فانزوى في ناحيته وبال فنهره الناس وزجروه فناههم النبي عن زجره وتركه حتى قضى حاجته ثم استدعاه وأخبره أن هذه المساجد للصلاة والقرآن ولم يعنفه بل أمر بماء وأراقه على بوله.

هذا الموقف التربوي فيه فوائد أولاها الرحمة والشفقة بالجاهل وتعليمه والصبر عليه، وثانيها إدراكه أن قيامه أثناء التبول سوف يزيد الطين بله بتطاير رذاذ البول على جسمه وفي أنحاء المسجد.
الموقف الثاني: كان النبي ﷺ معتكفا، فأتته صفية ليلاً، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي ﷺ أسرعا، فقال النبي ﷺ: "على رسلكما، إنها صفية بنت حيي" فقالا: سبحان الله يا رسول الله. فقال النبي ﷺ "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً، من الفوائد التربوية في هذا الموقف يتضح جلياً التعجيل بالمكاشفة والايضاح على كافة المستويات أفراداً وجماعات وحكومات، وعدم ترك الفرصة لتأويل الحدث أو الموقف بتأويلات تسيء الظن بالآخرين وتترك مجالاً خصباً للإشاعات بين الناس.
الموقف الثالث: كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه وهي عائشة رضي الله عنها، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين هي زينب بنت جحش أو صفية أو غيرهما، بإناء فيه طعام فضربت عائشة يد الخادم، فسقط الإناء فانشق، فجمع النبي عليه الصلاة والسلام قِطع الإناء المكسور، ثم أصبح يجمع فيها الطعام الذي كان في الإناء، ويقول للحاضرين عنده: (غارتْ ‌أمُّكم) أي عائشة رضي الله عنها، ثم منع الخادم عن الذهاب لصاحبة الإناء حتى جاء بإناء من عند عائشة، فأعطى الإناء السالم إلى من كُسر إناءها، وترك الإناء المكسور في بيت من كسرته، هذا الموقف التربوي من فوائده، الجزاء من جنس العمل في الطعام والإناء، وثانيها اعتبار وجود الغيرة بين النساء أو حتى الأبناء، فهي طبيعة بشرية تتطلب الصبر ومعالجة الموقف بحكمة وعدم اعتبار ذلك الموقف مدعاة للهجران واتخاذ مواقف قاسية عندما يحدث الخطأ فكلكم خطَّاء وخير الخطائين التوابون.
الموقف الرابع: عفوه صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة عند الفتح، فقال: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: أخ كريم وأبن أخ كريم، فقال صلى الله عليه وسلم: "أذهبوا فأنتم الطلقاء".، هذا الموقف التربوي يكشف مفهوم العفو عند المقدرة، وصفة الرحمة التي تجعل الآخرين يمتثلون للقيم والمبادئ التي تؤمن بها.
المواقف سابقة الذكر هي غيض من فيض من الهدي النبوي الكريم، وهي من تعليم الله تعالى لنبيه عن طريق الوحي، فعندما نعود إلى الأصول في فهم الدين ونستمد أسس التربية من القرآن والسنة النبوية المطهرة سوف نجد الحلول التي تناسب حياتنا المعاصرة للتعامل مع بعضنا أفراداً وأسراً وجماعات، لا سيما مع ظهور التقنيات الحديثة التي أسهمت في تفكك الأسر نتيجة القصور في تعلم وتعليم الطرائق التربوية الصحيحة بكيفية التعامل مع بعضنا البعض في حياتنا اليومية.
هذا يدعونا أيضاً إلى تعلُّم فقه المعاملات بأن نجعل له النصيب الأكبر من تعليمنا، فالدين المعاملة، لتستقر أحوالنا، ونعرف مالنا وما علينا، ونميز بين واجباتنا وحقوقنا، وهي دعوة أيضاً للباحثين في الميدان التربوي باستقراء المنهج التربوي النبوي الصحيح من القرآن والسنة وتأليف مقررات دراسية أو أبحاث جامعية أو كتب ومراجع تربوية لكي تكون عوناً لمن أراد الاستزادة ولمعرفة الطرق التربوية المناسبة وفق المنهج النبوي الصحيح.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد