الولاية في نظر القرآن

mainThumb

07-07-2024 02:46 AM

قال تعالى (أَمِ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَۖ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡوَلِیُّ وَهُوَ یُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءٍ قَدِیرٌ)[سورة الشورى 9]
فلا ولي على الحقيقة والتحقيق إلا الله ،فالله سبحانه وتعالى هو ولي الولاء الباسط يديه بالعطاء ،ولاية عامة لأهل الأرض والسماء عبارتها الملك والقرب والإحصاء، ثم أولى أولياءه الفاعلون لكل ما أمرهم به التاركون لكل ما نهاهم عنه الخاشعون الخاضعون له ألطف ولاية عبارتها الهداية ،وحقيتها الرعاية ، وأعطى رسوله صلى الله عليه وسلم أعظم ولاية وأتمها ،فأقام أفضل دولة على وجه الأرض في فترة وجيزة تقدر ب(23 ) عام هي فترة نزول القرآن من حياته المباركة حيث عاش صلى الله عليه وسلم في الفترة (570 - 632 ) ميلادية .
الله هو ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم - قطعا - ولا ولي له إلا الله وفقط
قال تعالى : {(قُلۡ أَغَیۡرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِیًّا فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَهُوَ یُطۡعِمُ وَلَا یُطۡعَمُۗ قُلۡ إِنِّیۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَسۡلَمَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ)[سورة الأنعام 14] }
وقال تعالى : (إِنَّ وَلِيي ٱللَّهُ ٱلَّذِی نَزَّلَ ٱلۡكِتَابَۖ وَهُوَ یَتَوَلَّى ٱلصَّاٰلِحِینَ) [سورة الأعراف 196] و الرسول صلى الله عليه وسلم ولي المؤمنين، و أولى بهم من أنفسهم .
وليس هذا موضوعنا وإنما موضوعنا نظرة القرآن لولاية الدولة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يجدر الإشارة بأن الولاية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين
القسم الاول : الولاية بعد موته صلى الله عليه في عصر الخلفاء الراشدين وهي فترة زمنية تساوي 30 عاما أي الفترة (11 - 41 ) من الهجرة .
وأما القسم الثاني : الولاية بعد عصر الخلفاء ، وهذا القسم ينحصر في المؤمنين والمؤمنات ،و ليس فيه ما في القسم الأول من تفصيل وخصوصية
أولا : نظرة القرآن للولاية بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في عصر الخلفاء الراشدين ،وقد انحصرت فعليا في طائفة من أربع طوائف ،وهي مستمدة من القرآن وفقا للآيات التي سنحاول تدبرها والاستبصار بها ،فمن الملاحظ أن مجتمع المدينة إذا استثنينا منه المنافقين ،وغير المسلمين كان مكونا من أربع طوائف وفقا لمعيار تمايزها بالصفات ، وقد سنحت لنا سانحة من سورة الواقعة تشير إلى شيء من هذا التقسيم قال تعالى : { (وَكُنتُمۡ أَزۡوَٰجًا ثَلَاثَةً ۝ فَأَصۡحاٰبُ ٱلۡمَیۡمَنَةِ مَاۤ أَصۡحاٰبُ ٱلۡمَیۡمَنَةِ ۝ وَأَصۡحَابُ ٱلۡمَشۡمَةِ مَاۤ أَصۡحَاٰبُ ٱلۡمَشۡمَةِ ۝ وَٱلسَّاٰبِقُونَ ٱلسّاٰبِقُونَ ۝ أُو۟لَىِٕكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ ۝ فِی جَنَّاٰتِ ٱلنَّعِیمِ ۝ ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلۡأَوَّلِینَ ۝ وَقَلِیلٌ مِّنَ ٱلۡـَٔاخِرِینَ)[سورة الواقعة 7 - 14]}
الطائفة الأولى : السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ،وهم الذين نعتهم الله في الآية (100 ) من سورة التوبة قال تعالى : { (وَٱلسَّٰابِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِن َ ٱلۡمُهاجِرِینَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡساٰنٍ رَّضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُوا۟ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّاٰتٍ تَجۡرِی تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَارُ خَاٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدًاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ)
وكذلك جاء نعتهم بتوصيف أكثر في سورة الأنفال ،قال تعالى : { (إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَاهَدُوا۟ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِینَ ءَاوَوا۟ وَّنَصَرُوۤا۟ أُو۟لَۤىِٕكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضٍۚ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَلَمۡ یُهَاجِرُوا۟ مَا لَكُم مِّن وَلَایَتِهِم مِّن شَیۡءٍ حَتَّىٰ یُهَاجِرُوا۟ۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ فَعَلَیۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَهُم مِّیثَـٰقٌۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرٌ) [سورة الأنفال 72]} وهؤلاء وصفهم الله بسبع صفات :
-1 -آمنوا - 2 - وهاجروا
.3 - وجاهدوا 4- بأموالهم
5 - وأنفسهم .6 - في سبيل الله .
7 - السابقون الأولون " السابقون السابقون " وفقا للأية (100 من سورة التوبة (
ويوازيهم بنفس الدرجة أو أقل الذين كان لهم السبق من الأنصار فآووا ونصروا . وقد أشارت سورة التوبة الى هذه الصفة
فهؤلاء رضي الله عنهم وأرضاهم بعضهم أولى ببعض أي أنهم يترشحون لولاية الدولة ، ويرشحون لها ، ومن اختير منهم لولاية الدولة وتم مبايعته ، فهو مفترض الطاعة على من دونه ، صحيح أن ما أقره في القرآن في شأن الدولة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلق وله غايات ،ولا يختص بزمان محدود ولا بمكان محدود ،ولكن الصحيح أيضا أن الفترة التي كانت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لها خصوصيتها كما مر معنا والمخصص مقدم على العام ويقيده ،ومن هنا أشكل على العلماء هل يعمم تجربة الخلفاء الراشدين بكل جزئياتها وطريقة اختيار ولي أمر المسلمين على ما كان في عهد الخلفاء الراشدين ، أم يرجع الى عموم الآيات والغايات ؟ ،ولكن في كلا الحالتين ليس في القرآن ،ومشهور السنة ما يشير لا من قريب ولا من بعيد حصرها ضمن بطن معين أي قبيلة معينة ولا ضمن قرابة الآل مطلقا ،بل العكس من ذلك وإنما المعني به المسلمون إطلاقا ويتوجب ومخول للمسلمين إقامة الدولة ،ومختلف شؤنها في كل زمان ومكان وهذ ما دلت عليه الآيات وهي كثيرة فعلى سبيل المثال فإن آيات الأحكام تدل على وجود دولة تقيم هذه الحدود ،ونعود لموضوع الولاية في عصر الخلافة الراشدة ،
تبعا لما تضمنه القرآن الكريم فقد كان خاصة صحابة رسول الله أكثر الناس فهما للقرآن وأحرصهم على تطبيقه فبادروا فور موت رسول الله الى اختيار خليفة له يقوم بشؤن الدولة الإسلامية ، كان أولى الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مبايعته هو الخليفة الاول ( أبو بكر الصديق رضي الله عنه ) . وهو مفترض الطاعة على من دونه .
ثم بعد موت أبي بكر عقدت البيعة للخليفة الثاني ( عمر رضي الله عنه)، وهو مفترض الطاعة على من دونه شأنه شأن أبي بكر في عدله وحكمه .
ثم بعد استشهاد عمر عقدت البيعة للخليفة الثالث ( عثمان ابن عفان رضي الله عنه) ،وهو مفترض الطاعة على من دونه شأنه شأن من سبقه .
ثم بعد استشهاد عثمان عقدت البيعة للخليفة الرابع ( علي ابن أبي طالب رضي الله عنه) ،وهو مفترض الطاعة على من دونه شأنه شأن من سبقه رضي الله عنهم أجمعين .
الطائفة الثانية : وهم الموصوفون بقوله تعالى : { (وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَاٰهَدُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِینَ ءَاوَوا۟ وَّنَصَرُوۤا۟ أُو۟لَىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقًّاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٌ وَرِزۡقٌ كَرِیمٌ)
[سورة الأنفال 74] فهؤلاء حازوا على أربع صفات من سبع وهن :
1 - الإيمان 2- الهجرة - -3الجهاد . 4 - في سبيل الله .
وهؤلاء لهم حق الترشيح يرشحون للولاية ولا يترشحون لها في وجود من ذكر ،وهذ القسم أطلق عليهم مصطلح : " أهل الحل والعقد ."
أما الطائفة الثالثة فهم الذين اتصفوا بثلاث صفات من سبع :
1- الإيمان . - 2-الهجرة . 3- الجهاد
قال تعالى : (وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنۢ بَعۡدُ وَهَاجَرُوا۟ وَجَاهَدُوا۟ مَعَكُمۡ فَأُو۟لَىِٕكَ مِنكُمۡۚ }
[سورة الأنفال 75]
وهؤلاء هم الذين ينضمون إلى المسلمين ويتميزون بكل الحقوق عدى حق الترشح للولاية، أو الترشيح لها حال وجود من سبقهم .
الطائفة الرابعة : الذين آمنوا ولم يهاجروا فقد شدد القرآن على حرمانهم من حق الولاية حتى يهاجروا ويلحق بهم المنافقون .
ومن الملاحظ أن الآية ختمت بقوله تعالى : { وَأُو۟لُوا۟ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٍ فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمُۢ)
وأولو الأرحام من غير من ذكر بعضهم أولى ببعض أما السابقون الأولون ومن في منزلتهم ، فقد أنصهرت أنسابهم وأحسابهم وأرحامهم برسول الرحمة ولم يبق لهم سوى نسب وعصب الإيمان فقط ،وهو المتصل برسول الله صلى الله ينتسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسبتين نسبة العصبة، ونسبة الرحم أما سر نسبة العصبة الأبوية الشريفة النبوية فهي العلم الذي ورثوه من العليم ،عن طريق رسوله الكريم قال تعالى : " (هُوَ ٱلَّذِی بَعَثَ فِی ٱلۡأُمِّیِّـۧنَ رَسُولًا مِّنۡهُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبۡلُ لَفِی ضَلَـٰلٍ مُّبِینٍ)[سورة الجمعة 2]. }
فلم يرثوا منه مالا ولا ضياعا وإنما ورثوا ما أنزل الله على رسوله وهو القرآن العظيم والذكر الحكيم والحكمة والتزكية ثم حملوه الى غيرهم وورثوه
وأما سر نسبة الرحم فهي الرحمة التي ورثوها من الرحمن الرحيم وورثها لهم رسول الله قال تعالى: (لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولٌ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِیزٌ عَلَیۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِیصٌ عَلَیۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَءُوفٌ رَّحِیمٌ) [سورة التوبة 128]} ولذلك استحقوا أن يتصفوا بقوله تعالى : " (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِینَ مَعَهُۥۤ أَشِدَّاۤءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَاۤءُ بَیۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعًا سُجَّدًا یَبۡتَغُونَ فَضۡلًا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنًاۖ سِیمَاهُمۡ فِی وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِی ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِی ٱلۡإِنجِیلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ یُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِیَغِیظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةً وَأَجۡرًا عَظِیمَۢا) [سورة الفتح 29].}
ورثوا الرحمة وورثوها ، حين اتصلوا بصلة الرحم النبوي فهم الزرع وهو صلى الله عليه وسلم الزارع فلم يكن الرسول أبا على وجه الخصوص لأحد وإنما رسول الله وخاتم النبيين وكان هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وشاهد ذلك قوله تعالى : { (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَاۤ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِیِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمًا) [سورة الأحزاب 40] وقال تعالى قاطعا كل نسب غير نسب الإيمان فقال (إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِیمَ لَلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِیُّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۗ وَٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ)[سورة آل عمران 68] وقال تعالى : { (ٱلنَّبِیُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥۤ أُمَّهَـٰتُهُمۡۗ وَأُو۟لُوا۟ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٍ فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ إِلَّاۤ أَن تَفۡعَلُوۤا۟ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕكُم مَّعۡرُوفًاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَسۡطُورًا) [سورة الأحزاب 6]
فقد قطع الله كل نسب غير نسب الإيمان خاصة خاصة فيمن اختارهم الله مع رسوله صلى الله عليه وسلم ، فدل ذلك على أن كل مؤمن تقي يدلي الى رسول الله بنسبتين نسبة عصبة أخرجتهم من الجهالة إلى العلم ،ونسبة رحم أخرجتهم من التباغض إلى التراحم ،ومن الشقاق إلى الأخوة " إنما المؤمنون إخوة "
فنقول لمن يدعون قصر الولاية على أسرة علي رضي الله عنه هذا القرآن مقرؤء بين أيدينا يشهد عليكم فلم ينوه لا من قريب ولا من بعيد إلى جعل الولاية في شخص معين، وليس من مقاصده ولا من غاياته وإنما المؤمنون بعضهم أولياء بعض ، قال تعالى محققا لما نقوله : {{ إنما وليكم االله ورسولُه والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون . } [ المائدة ]
وإذا كان القرآن قد بين هذا الجانب المهم فإن التاريخ والواقع قد شهد بأن عصر الخلافة الراشدة قد كان أفضل عصر بعد عصر رسول وثمرة من ثمرة دعوته صلى الله عليه وسلم " ولذلك استطاعت جيوش المسلمين الصغيرة المؤمنة في عهد الخلفاء الراشدين أن تقوم بأعظم غزوات عرفتها البشرية فاتسعت الأرض تحت أقدامهم من شمال شبه الجزيرة العربية وحتى الإمبراطورية الفارسية واكتسحت بزينطة الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وكانت العرب أقل بكثير جدا من كل الدول التي فتحوها وانتصروا عليها ،وفي 642 م اتسعت الفتوحات واستطاع جيش المسلمين انتزاع مصر من البيزنطية كما اكتسحوا القوات الفارسية في موقعة القادسية 637 م وفي موقعة بنوين 642 م وهذه الانتصارات العظيمة في عهد الخليفتين ابي بكر وعمر رضي الله عنهما " [ 1] وهذا أكبر برهان ومؤشر بأن من خلفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا جديرين لحمل هذه المهمة ، ولم تكن هذه الفتوحات سوى ثمرة من ثمرة ولايتهم المباركة، ولم ينتهي الأمر عند هذ الحد ،بل استمرت الفتوحات ونشرت الدعوة في عصر بقية الخلفاء ،وكذلك في الدولة الإسلامية .
فأي وصف لتولي أمر المسلمين أحكم من وصف القرآن !؟
أم أي نسب أشرف من نسب الإيمان !؟
أم أي حسب أكرم من حسب التقوى !؟
أليس هذا قول ربكم : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم }
فإن أردتم أن تلتحقوا بهذا النسب الشريف وتتصلوا بهذه الرحم النبوية فاتبعوا ما جاء به واعملوا ما عمله واتصفوا بأوصاف { أولئك المقربون } فإن لبستم من ملابسهم واتصفتم بصفاتهم، وأكلتم من مآكلهم ،وشربتم من مشاربهم، وركبتم من مراكبهم حسبتم يوم القيامة منهم ،والحقكم الله بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر وهذا وعد الله والله لا يخلف الميعاد قال تعالى : (وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَعَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ وَٱلصِّدِّیقِینَ وَٱلشُّهَدَاۤءِ وَٱلصَّـٰلِحِینَۚ وَحَسُنَ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ رَفِیقًا) [سورة النساء 69]
أم غرتكم الأماني فقد ابطل الله هذه الدعاوي فقال تعالى : (لَّیۡسَ بِأَمَانِیِّكُمۡ وَلَاۤ أَمَانِیِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِۗ مَن یَعۡمَلۡ سُوۤءًا یُجۡزَ بِهِۦ وَلَا یَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِیًّا وَلَا نَصِیرًا)
[سورة النساء 123]
أم أنتم بهذا تستهترون " كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون "
ونعود لنختم القسم الثاني أي نظرة القرآن الكريم إلى الولاية بعد عهد الصحابة
فهؤلاء لم يكن لهم من التفصيل ما للقسم الأول لأن القسم الأول اختارهم الله بعناية وكانوا نموذجا لتجربة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حقق الله به أمره وأنفذ فيه حكمه وصدق وعده فقد كان صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بكتاب الله وأعملهم به ،وكان أصحابه هم خير أمة أخرجت للناس وهم جند الله الغالبون لذلك لم يترك الأمر للاجتهادات فهو يعلم سبحانه أن من أمته من سيحاول التشكيك في من كانوا مع رسوله فماذا قال القرآن في ولاية المؤمنين بعد الخلفاء أو مطلقا قال تعالى : { (وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضٍۚ یَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَیُطِیعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ سَیَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمٌ) [سورة التوبة 71]
وقد وصفهم الله بخمسة أوصاف
-1 يأمرون بالمعروف
2 - ينهون عن المنكر
3 - يقيمون الصلاة
4 - يؤتون الزكاة
5 - ويطيعون الله ورسوله
ولم يذكر الله الذكور دون الإناث وهؤلاء يرشحون للولاية ، ويرشحون لها ممن هم بصفتهم وبشرنا الله أن المجتمع الذي يكون بهذه الأوصاف سيرحمه الله وهذا يعني أنه سييسر لهم بناء الدولة العادلة التي تحقق لهم الخير في الدنيا والآخرة.
الخلاصة :
إن خصوصية الفترة التي لحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت حساسة ومهمة ولم يكن الله ليغفلها ولاية أمر المسلمين من أي ذكر في القرآن بل قد أشار إلى ذلك من ذلك :
- قوله تعالى في سورة آل عمران (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِی۟ن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن یَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ فَلَن یَضُرَّ ٱللَّهَ شَیۡـًٔاۗ وَسَیَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِینَ) [سورة آل عمران 144]
- في الآيات ( 72- -75) من سورة الأنفال وهي السورة التي وردت بعد خلاف على الغنائم بعد غزوة بدر فناسب أن تشير إلى ما يحققن دماءهم وينور طريقهم في مسألة اختيار خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقوم بشؤن الدين ويسير على هديه وزكاهم من شائبة
بل وذهب القرآن وشدد إلى أبعد حد ،فاسقط حق الولاية للذين لم يهاجروا
وأشار إلى بعض الخلافات التي قد تحدث كما في سورة الحجرات قال تعالى ( (وَإِن طَاۤىِٕفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱقۡتَتَلُوا۟ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَـٰتِلُوا۟ ٱلَّتِی تَبۡغِی حَتَّىٰ تَفِیۤءَ إِلَىٰۤ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَاۤءَتۡ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوۤا۟ۖ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ) [سورة الحجرات 9]
وشدد على عدم تناول الخلاف بشكل يفرق (إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٌ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَ أَخَوَیۡكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ۝ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمٌ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرًا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءٌ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرًا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ) [سورة الحجرات 10 - 11]
وأكد أنه قد تاب فقال " (لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِیِّ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُ فِی سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ یَزِیغُ قُلُوبُ فَرِیقٍ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٌ رَّحِیمٌ) [سورة التوبة 117] وفي سورة الحشر قال تعالى (وَٱلَّذِینَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِیمَـٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ یُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَیۡهِمۡ وَلَا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمۡ حَاجَةً مِّمَّاۤ أُوتُوا۟ وَیُؤۡثِرُونَ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٌۚ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ) [سورة الحشر 9]
(وَٱلَّذِینَ جَاۤءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ یَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِینَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِیمَـٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِی قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ رَبَّنَاۤ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِیمٌ)[سورة الحشر 10]
..........
الهامش :
-1 انظر كتاب( الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم ).



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد