أنظمة الإنذار المبكر للكوارث الطبيعية

mainThumb

06-07-2024 03:31 PM

الغرض من أنظمة الإنذار المبكر للكوارث الطبيعية كالزلازل وأمواج المد البحري (تسونامي) والأعاصير والإنزلاقات الأرضية والفياضانات، هو في الإكتشاف المبكر لها إستنادا إلى المعرفة المبكرة المتعلقة بخصائصها بما في ذلك موقعها وإتجاه حركتها وحجمها، وذلك قبل أن تصل آثارها إلى مناطق مأهولة أو مناطق ذات طابع إستيراتيجي حيوي وما إلى ذلك. وعليه ينبغي العمل مبكرا على تحديد نقاط الضعف والهشاشة في المناطق الحيوية كالمشاريع ذات الطابع الإستيراتيجي مثل السدود المائية والجسور والأنفاق وطرق المواصلات بشكل عام، إضافة إلى المناطق ذات الكثافة السكانية ومراكز التجمعات الممكن لها أن تتأثر بأي من إحتمالية وقوع كوارث طبيعية.
جميع مشاريع التنبؤ المبكر بالزلازل (سواء التنبؤ قصير الأجل أو طويل الأجل) فشلت حتى لحظة كتابة هذه المقالة لأسباب تتعلق بطبيعة هذه الظاهرة الطبيعية وعدم إنتظام آلية حدوثها، إذ من الممكن أن تتوقع حدوث زلزال في مكان معين بناء على معطيات رصد الزلازل لكن الزلزال سواء المحسوس أو الكبير يحدث على مسافات بعيدة مما توقعناه لكن في محيط أو على طول منطقة التصدعات الرئيسية ذاتها وفي غالب الأحيان لا يحدث شئ. بناء على ذلك لا ينبغي التسرع بإعطاء تقييمات مسبقة بحدوث زلازل كبيرة هنا وهناك وتعكير المزاج العام للناس دون أن يحدث شيء. في الفترة الأخيرة بدأنا نسمع كثيرا بامكانية حدوث زلازل مدمرة هنا وهناك بناء على معطيات فلكية أو أنشطة شمسية أو مرتبطة بحالة الطقس أو حتى مغناطيسية تصدر عن أناس لا علاقة لهم بالزلازل البتة وجميع توقعاتهم بحدوث زلازل فشلت حتى اللحظة.
على عكس الزلازل نجحت أنظمة الإنذار المبكر في التنبؤات بمسارات الأعاصير وشدتها وتشكل أمواج التسونامي والفياضانات بل وحتى في إمكانية حدوث انزلاقات وإنهيارات أرضية بناء على معطيات جيوفيزيائية وأخرى تقنية. في شهر أبريل من عام 1988 حدث إنهيار أرضي بعمق أكثر من 30 مترا في منطقة الظهر السكنية جنوب مدينة الكويت العاصمة نجم عن وجود تجاويف جيرية منتشرة على مساحة تلك المنطقة السكنية المأهولة. بعد إجراء قياسات جيوفيزيائية للكهربائية الأرضية في المنطقة تبين أن الصخر الجيري يتموضع على عمق 42 مترا. على ضوئها ولمعرفة امتدادات هاذا التجويف الأرضي أجريت تسجيلات مقطعية للكهربائية الأرضية (Geoelectrical profiling) على طول الشارع اللذي حدث به الإنهيار في القطعة رقم 1 بواقع فواصل بين الأقطاب الكهربائية 10 ، 30، و50 مترا مع قطع الكهرباء عن كامل المنطقة أثناء التسجيل. تبين أن التجويف الأرضي ظهر جليا على الفاصل 50 ويمتد شرقا مهددا عدة منازل على جانب الشارع، بناء على هذه النتائج رفضنا عودة الأهالي إلى البيوت المهددة. بعدها بثلاثة أشهر فقط حدث إنهيار آخر في أحد هذه المنازل التى سبق لنا أن حذرنا من عودة الأهالي إليها. هنا نجح العلم المدعم بالتقنيات الحديثة من توقع قصير الأجل في إمكانية حدوث إنهيار أرضي كاد أن يتسبب بفقدان أرواح.
مع تطبيق التقنيات الرقمية منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، سعى اليابانيون كونهم أكثر البلدان عرضة للزلازل إلى نشر شبكة من المجسات الأرضية (أجهزة رصد الزلازل) في المناطق الحيوية والاستيراتيجية تكون مهمتها تحديد خصائص الأمواج الزلزالية التي يتم رصدها بموقعها وقوتها، وبالتالي تصدر بعدها مباشرة إنذارات للمناطق الممكن تأثرها بقوة بهاذا الزلزال الطارئ وذلك بغرض أخذ الإحتياطات الضرورية مثل توقف القطارات ووسائط النقل عن عبور الجسور والأنفاق إضافة إلى إعطاء تحذيرات للقائمين على السدود لأخذ الحيطة.

هذه البرامج تتطلب أن يكون موقع الزلزال بعيد نسبيا بحيث يسمح الفارق الزمني بين الأمواج الطولية والأمواج المستعرضة والأمواج السطحية الأشد قوة من الأمواج الطولية هامشا زمنيا قصيرا يقاس بالثواني لإتخاذ الإجرائات الإحترازية لكنها لا تصلح إذا كان الزلزال قريبا.
في الثمانينات من القرن الماضي كان هناك منزلق أرضي على طريق القطار بين جمهورية الجبل الأسود وجمهورية صربيا في يوغسلافيا السابقة يتحرك بتسارع عند هطول الأمطار مغلقا باستمرار سكة الحديد بما يعيق حركة النقل باستمرار. نظرا لحيوية الطريق وصعوبة تحويل مسار خط القطار كون المنطقة جبلية صعبة، تم تكليف مؤسسات هندسية عدة لإيجاد أنجع الحلول والحفاظ على سلامة الخط. هطول الأمطار يؤدي إلى زيادة ثقل التربة الرسوبية التي تتشبع بمياه الأمطار الأمر اللذي يؤدي إلى انزلاقها بفعل الجاذبية بسبب زيادة ثقلها. مهمتنا كانت تحديد عمق الصخور الصلبة الثابتة تمهيدا لحفر خنادق باتجاه الوادي يتم تعبئتها بكتل صخرية لغرض تصريف مياه المطار وابطاء أو توقف هاذا المنزلق عن الإنزلاق الدائم. نجح مشروع المعالجة هاذا وتوقف أو أبطئ هاذا المنزلق الأرضي.
أخطر ما في الأمر عند حدوث الزلازل هو تأثر الكتل المائية خلف السدود بالإهتزازات الكبيرة كأن تحدث إمكانية تولد صدمة مائية على أجسام السدود تؤدي إلى إمكانية انهيارها أو تصدعها. هاذا الأمر يتطلب أخذه بعين الإعتبار بتقوية السدود جيدا والإختيار الأمثل لمواقعها في المناطق الممكن تعرضها لزلازل كبيرة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد