الفكر العربي يغيب عن الابداع

mainThumb

05-07-2024 02:50 AM

لو افترضنا جدلاً أن أحد العلماء والمخترعين والمكتشفين أصحاب النظريات العلمية المعروفة في كافة مناحي الحياة المعاصرة قد عاد إلى الحياة مرَّةً أخرى ثم سألناه عن كيفية وصوله للنظريات والقوانين التي نفعت البشرية وخلَّدها التاريخ في سجلاته، حتماً سوف يختصر جوابه فيما بين القوسين (حرية التعليم والتفكير، وجود المنافسة، الدعم والتشجيع، توفر البيئة المناسبة).
عندما يشعر الإنسان بالاطمئنان في حرية فكره بلا مصادرة، ويؤمن بقدرته على الابتكار بلا تقريع، ويجد المعلم الناصح الذي يجيب على أسئلته برحابة صدر، وتتوفر له الموارد المالية والأدوات اللازمة، ويُحدِّد الهدف الذي يود الوصول إليه في طريقه، ويحظى بالدعم والحوافز والتشجيع من الحكومة والمجتمع، فإنه سوف يصل لمبتغاه في نهاية المطاف.
البشر هم البشر جيناتهم واحدة والصفات التي تحملها جيناتهم تتكرر في كل عصر وحين وتتناقلها الأجيال منذ بدء الخليقة حتى اليوم، ليس لأحد منهم فضل منزلة على غيره من البشر، فكم برز من علماء العرب في الماضي والحاضر في العلوم البحتة كالرازي وبن النفيس وبن سينا وبن حيان وغيرهم، وفي الحاضر العالم زويل الذي نال شرف جائزة نوبل العالمية في مجاله عندما توفرت له الظروف المناسبة للفكر والإبداع.
يغيب عن عالمنا العربي القدرة على الابتكار والإنتاج، فنحن أمَّة قد عاشت ردحاً من الزمن على نتاج غيرهم في كل مناحي الحياة، تُفكِّر كثيراً في الحاجات الفسيولوجية الدنيا، هذه الحاجات تستوي فيها مع باقي الحيوانات الأخرى (الطعام، الجنس، النوم، التكاثر)، تلك أقصى الأماني، مقصورة على الشهوات الحيوانية السفلى.
معظم المجتمعات العربية تنهج هذا النهج، عددهم لا يُحصى من حيث الكثرة، يبدو ذلك جلياً عندما ترى الازدحام في المطارات في مواسم الأعياد والاجازات الصيفية والعطلات الأسبوعية، باحثين لاهثين وراء ما يشبع نزواتهم ورغباتهم، لا يتأخرون في سفرهم عن حضور المهرجانات الغنائية والفعاليات المصاحبة لها، أو التجول والترحال بين أحضان الطبيعة للتغذية البصرية وتناول الوجبات الغذائية، قلَّما تجد أحداً منهم يهتم بتغذية عقله وفكره في رحلة السفر بالاطلاع والتدوين ونقل المعارف والعلوم، فقد ركنوا إلى الشهوات الدنيئة واتبعوا أهواءهم.
في قائمة المجتمعات العربية عرب البوادي، وهم جفاةٌ قساةٌ، ومن بدا جفا، يفخرون بتعدد النساء مثنى وثلاث ورباع، يتنافسون فيما بينهم بكثرة الانجاب، ينهج الأبناء نهج الآباء في المستقبل، ومن شابه أباه ليس بظالم، هم قدوتهم وعزوتهم، قلَّما يكترثون بالعيش الكريم، يعيشون على قدر الكفاف بما يكفي اليوم الواحد، وهم بانتظار اليوم التالي للحصول على ما يسد الرمق للبقاء على قيد الحياة، يحذو حذوهم ويقتدي بهم النسبة الأكبر من مجموع السكان في العالم العربي، يغلب على أكثرهم الجهل والفقر والعوز والحاجة، هؤلاء ومن قبلهم هم أرباب الشهوات.
يعلوهم في المرتبة علماء الشريعة والدعاة والخطباء والوعاظ وطلبة العلم الشرعي، ليس لهم دور في الحاضر فضلاً عن التفكير بالمستقبل، حاضرهم ومستقبلهم هو التفكير في الدار الآخرة، اعتماداً على ما دونه علماء السلف، يحفظون أقوالهم ومتونهم وفتاويهم ويلقنوها أتباعهم كما تعلموها، أما عند الحديث عن دورهم في هذا العصر بعمليات الإنتاج والنهضة ودراسة علوم الفضاء والذرة والاتصال والبحث العلمي يؤكدون أن الله سخَّر لهم واصطفاهم بسبب إيمانهم علماء العصر ليقوموا بواجب الكفاية دونهم، فهم مؤمنون مُوحِّدون مشغولون بإصلاح دينهم، وغيرهم من غير المسلمين مشغولون بإصلاح دنياهم.
ليس من سبيل للنهضة العربية واللحاق بركب الحضارة المعاصرة سوى إعمال العقل والفكر، فهو أعلى المراتب، به تتقدم الأمم وتنهض، بدءاً من إيجاد العوامل المحفزة والبيئة الجاذبة لأرباب الثقافة والفكر، وإيلاء البحث العلمي الرصين الاهتمام اللازم بالدراسات الوصفية والتجريبية التي تسبر الواقع الذي يعيشه العرب في كافة مناحي الحياة لإيجاد الحلول، ورسم الخطط المستقبلية والاستفادة من علوم الغرب والشرق بالدفع قدماً نحو النهضة بالبدء من حيث انتهى الآخرون، على أن يُحدَّد نهاية العام يوم الجوائز والتكريم للمبدعين إدارياً وعلمياً وبحثياً في كافة القطاعات الحكومية والخاصة لشحذ الهمم نحو التنافس المحمود للرقي والتقدم في كافة المجالات، ولله الأمر من قبل ومن بعد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد