من ثلاجة الموتى إلى أرض الأمل

mainThumb

05-07-2024 02:41 AM

استيقظ أيمن الفولي في مكان هادئ أكثر من اللازم، محاطًا بسكون مشرحة جليدية. عيناه مفتوحتان تراقبان جثثا هامدة تناقضت مع الفوضى الحيّة التي كان يعرفها فيما مضى. لمدة سبع ساعات مروعة، كان الأب البالغ من العمر 42 عامًا يصارع بين الحياة والموت، جسده محطم ومكسور، لكن روحه متينة تقاوم تيارات الكارثة.

في لحظات سريالية محفورة بوضوح، تذكر أيمن أيام خدمته الشاقة في رفح، حيث كان يوصل المياه للمحتاجين. كانت أفعاله اللطيفة جُزرًا من الراحة في بحر الاضطرابات المتواصلة التي اجتاحت مجتمعه.

ولكن جاءت له لحظة مصيرية قاسية. تحولت قيلولة بسيطة في منزله، بعد يوم من العطاء، إلى كابوس حيث دمر العنف ملجأه. وسط الأنقاض التي كانت ملاذًا له، خرج أيمن برفقة زوجته وابنهما، تاركا أحبة فقدوا في لحظة، وتركوا فراغًا مؤلمًا يرن في أعماق الحطام.

أصبح المستشفى ساحة معركته التالية، حيث حارب الأطباء بشجاعة ليعيدوا تجميع جسده المكسور. وبالرغم من جهودهم، انزلق أيمن في غيبوبة، حياته تعتلق بخيط رفيع. انتشرت أنباء وفاته كالنار في الهشيم، وفي أحضان المشرحة الباردة، كان يرقد دون أن يلاحظه أحد، شاهدًا صامتًا على عواقب غضب الحرب التي لا تهدأ.

ولكن تدخل القدر هو الذي أعاده من حافة الهاوية. سمع نفسه يتنفس بصعوبة وسط أروقة الموت الصامت، بصيص حياة تختلط مع آخر أنفاسه الأخيرة. رغم كل الصعاب، سُحب أيمن مرة أخرى إلى عالم الأحياء، صحوة من نوم كاد النسيان يهوي بها.

أصبح بقاءه، شهادة على الأمل في مواجهة الخسائر الضخمة، منارة في وسط الظلام.

في أعقاب ذلك، أوصلته رحلة الشفاء إلى عمان، حيث التقى بالرحمة بأذرع مفتوحة. هنا، في أرض بعيدة عن موطنه حيث تحولت لملاذ لروحه المحطمة، وجد أيمن أكثر من الرعاية الطبية. وجد مكانًا يمكنه فيه أن يبدأ فيه إصلاح جروح جسده وروحه.

بقلب ممتلئ بالامتنان، يشارك الفولي قصته الآن، ليس كنجاة بل كدليل على قوة الروح البشرية. حياته، التي اختُبرت بالمأساة، تقف كشاهد بأنه حتى في أعمق الأحزان، لا يزال الأمل قائمًا وقادرًا على التألق.

يقول أيمن:" في تلك الساعات الصامتة في المشرحة، تصارعت مع سريالية وجودي. محاطًا بسكون الموت، شعرت بإحساس غريب بالانفصال عن العالم الذي كنت أعرفه ذات مرة. تسلل البرد إلى عظامي، تذكيرًا صارخًا بقربي من الانزلاق دون أن يلاحظني أحد".

ويستمر:" ومع ذلك، وسط الهدوء المخيف، أثار وميض من الامتنان بداخلي، فرصة للتنفس مرة أخرى، للأيدي التي سحبتني من حافة الهاوية. ذكريات عائلتي، التي فقدت في هجوم عنيف، تطارد أفكاري. وجوههم، المحفورة بالحب والضحك، موجودة الآن فقط في لحظات عابرة من التذكر".

بينما كنت مستلقيًا في تلك الغرفة المعقمة، أتصارع مع ضخامة خسارتي، وجدت العزاء في معرفة أنني نجوت ليس فقط من أجل نفسي، ولكن من أجل ذكرى أولئك الذين أحببتهم وفقدتهم. شعرت بأرواحهم واضحة في السكون، توجيه لي من خلال الظلام نحو بصيص من الضوء. كانت قوتهم هي التي غرست أطرافي المرهقة بعزم، حبهم الذي دعمني خلال أحلك الساعات.

"كانت رحلتي إلى الأردن رحلة جسدية وعاطفية واشبه بالحلم. وصولي إلى أرض غير مألوفة والترحيب بي، هنا، وسط الغرباء الذين أصبحوا حلفاء في شفائي، بدأت في إعادة بناء ليس فقط جسدي، ولكن روحي المحطمة. دفء ضيافتهم سد الفجوة التي خلفتها المأساة، وقدمت لي ملاذًا حيث يمكن للشفاء أن يبدأ من جديد".

في عمان، اكتشفت مجتمعًا مترابطًا بالتعاطف والإنسانية، مكانًا يصدى فيه صدى قصتي عن البقاء على قيد الحياة بعمق. كل يوم يجلب انتصارات صغيرة ولحظات نعمة، تذكيرًا بأنه حتى في أعقاب الدمار، لا يزال بإمكان الحياة أن تزدهر وسط الأنقاض. أصبحت رحلتي من حافة الموت إلى الأمل المكتشف حديثًا متشابكة مع كرم أولئك الذين رأوا ما وراء ندوبي، ولم يقدموا لي الرعاية الطبية فقط، بل سيلا من التعاطف".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد