جهاز الخدمة المدني جميعه بعقود .. بدعة أردنية

mainThumb

03-07-2024 02:44 PM

من المتعارف عليه عالميا أن هناك موظفي الخدمة المدنية وهم الموظفون الدائمون , بقابلهم مجموعة أخرى ممن يتم توظيفهم بعقود مؤقتة لإتمام مهام وظيفية وخبرات تحتاجها الخدمة المدنية تنتهي عقودهم بفترة زمنية محددة .

ولكن أن يتم تطبيق التوظيف المؤقت بعقود على موظفي الخدمة المدنية والذين يفترض أن يقضوا في خدمتهم المدنية ما لا يقل عن عشرين عاما , لم نسمع به على مستوى العالم أجمع الا في الأردن .

ومفاد هذه البدعة انه سيصبح في القطاع الحكومي الأردني جميع العاملين فيه بعد سنوات معينة على نظام العقود المؤقتة ,وهو القطاع الذي يفترض فيه الثبات والاستقرار الإداري , حتى يتم تحقيق الاستقرار في الجهاز الحكومي.

وابرز الاستفسارات المطروحة على طاولة أصحاب هذه البدعة , وابسطها على الاطلاق :

-من هو الضامن بأن جميع العقود ستكون متساوية في الحقوق والواجبات ؟!

- من باب ان العقد شريعة المتعاقدين , من هو الضامن بأن لا يكون هناك مغالاة وشطط في الرواتب والامتيازات ؟!

- في حال أثبت المتعاقد انه مبدع في مجاله والمؤسسة أو الوزارة بحاجته, فمن هو الضامن بأن لا يفرض شروطه ومساومته لمؤسسته ووزارته على تعديل رواتبه وامتيازاته مستغلاً حاجة مؤسسته أو وزارته له ؟!

- من يضمن مبدأ المساواة بين العاملين في الوزارة أو المؤسسة الواحدة بسبب وجود موظفين دائمين مضى على التحاقهم بالعمل سنوات طويلة على أساس التثبيت في الخدمة، وآخرين مؤقتين في نفس الوزارة والمؤسسة ؟!!

- مبدأ المساواة بين العاملين في المؤسسة الواحدة أحد المبادئ الهامة في عملية ادارة الموارد البشرية، فكيف سيكون الامر في ظل انتفاء المساواة فيما يتعلق بالأمان الوظيفي؟

- كيف سيكون شكل هذه المساواة في ظل انهاء عقد الموظف ذي الاداء المتدني مقارنة بأداء متدن لموظف آخر يعمل بوظيفة دائمة؟ ألا يؤدي الشعور بعدم المساواة الى حدوث فجوة بين أداء العاملين بعقود وبين اداء العاملين بوظيفة دائمة؟!

- هل تحويل الجميع في جهاز الخدمة المدنية الى عقود متفاوتة من حيث المساواة تتناسب مع القاعدة الدستورية الآمرة لجميع ما تحتها من قوانين وأنظمة والتي تقول ان جميع الأردنيين متساوين بالحقوق والواجبات ؟!

هل بحث أصحاب هذه البدعة غير المسبوقة اهم النتائج السلبية التي ستظهر ولا محالة وبشكل مباشر عند تطبيق النظام ؟! ومن أهمها :

أولا : المخاوف من تضخّم نفقات الميزانية , من باب أن العقود متفاوتة في الرواتب والحوافز , فهذا الباب هو المصدر الأول للقلق العام , فإيرادات الحكومة غير مستقرة , وليس هناك مصادر دخل ثابتة وواضحة , نحتاج الى سنوات عمل طويلة لنرى الآثار الاقتصادية نتيجة برامج التصحيح الاقتصادية , من حيث الاستقرار في الدخل ونوعيته وكميته , وهل حققت نتائجها ام انها لم ترتقي لتحقيق ما هو مرجو منها .

ثانيا : نظام العقود نظام غير مستقر , اذ من اهم ميزاته هو التنقّل المستمر وعدم استقرار القيادات , وهذا يؤثر بدوره على تنفيذ الخطط والاستراتيجيات الحكومية المختلفة , مما يؤثر لزاماً على أداء هذه القيادات .
فالمشاريع الحكومية بمختلف انواعها تتطلب مسؤول يتولى متابعة وتنفيذ وتشغيل , وهذا الامر يتطلب استقراراً في مختلف الكوادر ليتسنى الاشراف على الانجاز المتوقع , فيصعب ذلك في ظل عدم ارتباط تلك الكوادر بكادر وظيفي مستقر ومستمر , وهذا الامر نلحظه بشكل جلي في الهيئات المستقلة والاجهزة المختلفة التي لم تستكمل بعد بناءها المؤسسي , ولا زالت تحتاج الى سنوات من الآن للوصول الى مرحلة الاستكمال المؤسسي لها .

ثالثا : العمل بنظامين مختلفين في مؤسسة واحدة ووزارة واحدة , وبنفس الوظيفة والكادر ومتطلباتها , سيؤدي لزاما الى حالة اغتراب نفسي , والشعور بالإحباط العام لدى الموارد البشرية مما يعني تدني دوافع العمل , مما يعني بالضرورة الجنوح نحو المقاومة السلبية للتغيير , وهي مؤشرات على بيئة عمل سامة .


رابعا : نشر وتكريس ثقافة ان الوظيفة مقدرة بدخلها المادي فقط , وتجاهل ضرورة بناء الخبرة والترقي الطبيعي بالوظيفة حسب الكفاءة , مع تجاهل بناء علاقات إنسانية وظيفية طبيعية إيجابية مع المحيط الوظيفي , باعتبار انه سيحل الصراع السام مكانه كنتيجة طبيعية لعدم الاطمئنان على الاستقرار الوظيفي , فهذا الالزام غير الواقعي لطبيعة الوظيفة ومكانتها لدى الأجيال القادمة وارتباطها بمفهوم المال والصراع السام , يستحق الاهتمام في ظل ارتفاع نسبة الشباب المقبلين على الوظائف , مما سيؤدي بالضرورة الى قناعات وتصورات سلبية عن البيئة الوظيفية وربطها فقط بالمال .


بالمجمل العام , هذه السلبيات تتطلب معالجة مركزية وشاملة , حتى لا نقتل روح الإدارة وكفاءة الأداء الحكومي , فجعل الجهاز المدني بأجمعه مجرد موظفين مؤقتين , وبدون ضوابط تحقيق العدالة , سينتج عنه مشاعر الإحباط السلبية , مما يؤدي بالضرورة الى توسيع دائرة الصراع داخل المؤسسة الواحدة او الوزارة الواحدة .

ومن جانب آخر فإن هذا الخلل سيؤدي الى تأسيس وتكريس نظرة سلبية الى مفهوم الجدارة والكفاءة والموهبة في الجهاز المدني على المدى القريب والمتوسط , وعلى المدى البعيد فأنه سيؤدي الى ولادة ثقافة عمل مشحونة بالتنافس غير الإيجابي بين الموظفين المؤقتين داخل الإدارات الحكومية المختلفة , وفي كل الأحوال فإن الخاسر الأكبر هو الأداء العام للجهاز المدني في الأردن والتنمية الإدارية الأردنية

في النهاية سنجني ما نزرع , فهذه ليست تجربة عابرة , هذا وطن , لا يقبل ولا يحتمل الخطأ ولا الاجتهادات الخاطئة , فلتفكروا الف مرة قبل أن تدخلوا وطني في احدى تجاربكم .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد