التقليد المحمود والمذموم
إن حال هذه الحياة في تداول مستمر فتنهض حضارة وتخبو أخرى. وعند طغيان حضارة ما تتسابق الحضارات الأخرى لتقليدها والسير في نهج مسيرتها وتتبع طريقها من مبدأ تبعية الضعيف للمنتصر والقوي.
جرت العادة في مختلف الحضارات الأنسانية على مر الزمان أن تقلد بعضها البعض، فكل حضارة تطفو على السطح تتجه معظم الحضارات الأخرى للسير في ركابها والأخذ من ثقافتها وتعلم لغتها والنهل من علومها وانتشار فنونها وموسيقاها واستخدام منتجاتها وتقليد عاداتها وتصرفاتها وسلوك مواطنيها. فلو نظرنا للوراء قليلاً سنجد كثيراً من الدو ل قلدت وتقلد الحضارة الغربية بكل منتجاتها الحضارية وطغيان سياستها وأفكارها على مستوى أغلب دول العالم. ولو عدنا إلى ما قبل ذلك لنجد كثيراً من الدول استفادت من الحضارة العربية والإسلامية عندما كانت في أوج قوتها ونقلت علومها واستفادت من ثقافتها. أما لو نظرنا إلى أبعد من ذلك وعدنا إلى ما الحضارات السابقة لرأينا تبعية وتقليد العرب لحضارة الفرس والرومان، وهكذا هي الحضارات تنقل من بعضها وتقلد بعضها البعض كما رأينا في التاريخ السحيق للحضارات السابقة. وهذا لا يعتبر عيباً على باقي الحضارات الأخرى بل هو سبر هذه الدنيا .
والحضارة الحضارة العربية والاسلامية شأنها في ذلك شأن باقي الحضارات تطفو تارة وتخبو أخرى، فقد كانت الدول الغربية وغيرها من الدول في سالف الزمان تسير في ركب الحضارة العربية والاسلامية وتقلد كل ما في تلك الحضارة عندما كانت تغطي بقعة كبيرة من العالم وفي أوج قوتها ومنعهتا وتهابها جميع الدول الأخرى وكان التقدم العلمي في العالم الاسلامي والعربي حينها في أوجه في مختلف العلوم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية، مما حدا بالحضارات الأخرى أن تنهل من علومها وتبعث بأبنائها لتعلم اللغة العربية، وكانت كتب العلم العربي والاسلامي تدرس في مدارس وجامعات الغرب لغاية فترة وجيزة، بل لا زال منها يعتمد على النظريات والقوانين العلمية التي أكتشفها وطورها العرب والمسلمين لغاية الأن.
فهذا تقليد محمود في نقل العلوم والتكنولوجيا من الحضارات المتقدمة وتوطينه في دولنا كي تستفيد مما وصل إليه الأخرون.، والأمثلة على ذلك كثيرةفها هي دولة كاليابان خرجت مدمرة مهزومة منكسرة ومستسلمة في الحرب العالمية الثانية بعد القاء قنبلتين على مدينتي ناجازاكي وهيروشيما ومع ذلك وخلال سنوات قليلة استطاعت بناء دولتها واصبحت من عمالقة الصناعة ومن أعظم الاقتصاديات في العالم واصبحت تنافس وبشدة دول أمريكا وأوروبا.
وها هي التجربة الصينية شاهد أخر على التقليد المحمود الذي نقل الصين من دولة فقيرة ينهشها الفقر والفساد إلى دولة صناعية ضخمة تصدر منتجاتها إلى جميع دول العالم وانتقلت إلى مصاف الدول المتقدمة لا بل وتفوقت عليها وأصبحت الصين أكبر اقتصاد في العالم الأن. وكذلك ها هي دول شرق أسيا كذلك استفادت من التقليد الجيد والمحمود في نقل العلوم والتكنولوجيا وساهمت بتطوير بلدانها واقتصادياتها ونمت وتطورت حتى أصبحت من قادة العلم والصناعة في العالم.
وفي هذا المقام فنحن مع الانفتاح على مختلف الحضارات الأنسانية والنقل منها وتقليد ما هو جيد منها ولسنا ضده بما يساهم في دعم النمو والتطور في بلادنا والاستفادة مما وصل إليها الأخرون من علم وتطور، ونستفيد من تجارب الدول الأخرى في الترجمة ونقل العلوم والمعارف من علماء العرب والمسلمين سابقاً ونشد على أيدي من يقوم بنقل وتوطين العلوم والتكنولوجيا من الدول المتقدمة في الشرق والغرب في وطننا العربي.
ولكننا ضد التقليد الغث السيئ المذموم غير المفيد الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، والذي يقوم على نقل ترهات الحضارة الغربية وثقافتتها السيئة، وضد انصياع أبنائنا وراء الاهتمام باشكال الموضة المختلفة من لباس وتسريحات شعر ورقصات وأغان وتصرفات غريبة لا تتناسب وحضاراتنا الراقية وثقافتنا العربية والاسلامية التي تهدف إلى إعلاء شأن قيمة الأنسان ودوره في هذه الحياة.
ومن ذلك ما تراه حين تسير في شوراع وطرقات أي مدينة عربية فسترى كثيراً من الشباب والشابات يرتدون أزياء غريبة تظهر كثيراً من مفاتن مرتديها من الفتيات، وسراويل مقطعة يرتديها الشباب والبنات، وأصوات عالية لموسيقى غريبة وأغان أجنبية يستمعون إليها وقد لا يستطيع بعضهم فهمها ولكنها تجذبهم ويتمايلون رقصاً على أنغام موسيقاها الصاخبة. إضافة إلى ما تراه ويلفت انتباهك ما تحمله المحال التجارية من يافطات بأسماء أجنبية معلقة على مداخلها، لا بل وتجد قوائم الطعام والشراب مكتوبة بلغات أجنبية، وكذلك هيئتها وديكوراتها وحتى لباس العاملين فيها تشابه المحال الأجنبية لا بل منقولة عن محلات ومطاعم مشابه لتلك الموجودة في الثقافات الغربية والأمريكية، ويعبر ذلك عن التقليد الأعمى لتلك الثقافات وتعبر عن انبهارهم الشديد بتلك الثقافة وانسياقهم وراءها وشغفهم بها وحبهم لما جاء فيها، ونبذهم للعادات والقيم الاجتماعية الشرقية والاسلامية باعتبارها من وجهة نظرهم قديمة وبالية لا تتناسب والعصر الذي يعيشونه وحالة التحضر التي ينشدونها.
إضافة إلى ما تسوقه تلك الحضارة بما يسمى الحرية الكاملة غير المسؤولة الهادفة إلى نشر الانحلال الخلقي التي تؤدي إلى تغيير في جوهر الثقافة الاجتماعية الاسلامية والعربية التي تحث على إعلاء شأن الأنسان بأن لا يكون لقمة سائغة لثقاقات هدفها الأنسان ذاته باعتباره سلعة لما تقدمه تلك الحضارة من منتجات هدفها هدم القيم السامية التي تربينا عليها والتي تعلي قيمة الأنسان الذي استخلفه المولى عز وجل في عمارة الأرض بما يخدم الناس.
وهذا يعطي مؤشراً بأن التقليد سمة إنسانية يمارسها الضعيف تجاه القوي ويقلد المنهزم المنتصر، ولا بد لنا من الاعتراف بأن الثقافة الغربية غزت مؤخراً بلادنا بشكل قوي، بل ويحلم أي شاب في بلادنا في السفر إلى تلك الدول بحثاً عن تلك الحرية المزعومة التي يرونها في الأفلام أو بعض المقاطع التي تعرض على مواقع التواصل الاجتماعي اعتقاداً منهم بأنه يستطيع فعل ما يشاء دونما قيد أو شرط. والكثير منهم يجهل القيود التي تفرضها الثقافة الغربية على من يعيشون على أراضيها، ولا يعرف هؤلاء الشباب بأن الثقافة الغربية وإن كانت لديهم بعض الحريات في السلوك الاجتماعي أو السياسي إلا أنها لديها قيود قانونية كبيرة لمن لا يلتزم بقوانينهم وقد يعرض نفسه لعقوبات قاسية، ولا يدركون أيضاً بأن متطلبات الحضارة الحديثة تسلتزم منهم العمل لساعات طويلة على مدار الأسبوع ليستطع تحقيق متطلبات المعيشة المرتفعة في تلك البلاد.
وخلاصة القول فإن بعض الشباب العربي ذكوراً وإناثاً يعيش حالة من التردي والفوضى ناجمة عن حالة من التردي الثقافي والاضمحلال الفكري والخلقي وعدم وجود أهداف يسعون إلى تحقيقها يعود بعضها إلى كثيراً من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أدت بهم إلى هذه الحالة.
وأخيراً نقول بأن التقليد الجيد والمفيد محمود والتقيلد السيئ والمشين مذموم.
والله غالب على أمره،،،
د. نواف طبيشات
مدرب ومستشار تنمية إدارية وتطوير إداري
النقد الثقافي بين الواقع والمأمول
عمّان في القلب دوما للملوك الهاشميين
المغرب يجدد التزامه بدعم المصالحة الليبية
مؤتمر لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة بالزرقاء
من أهداف حرب السودان… قتل ثورته
أبْصَرْنَ بعينيهِ .. عبّاس محمود العقاد عاشقا (2)
سوريا الجديدة… ضغط الخارج وزوبعات الداخل
طريقة تحضير البوش دو نويل في المنزل
من هو ماهر النعيمي في أغنية "وبسيفك نقطع روسهم" .. فيديو
هام بخصوص موعد صرف رواتب متقاعدي الضمان
التايمز:جنيفر لوبيز ومقويات جنسية في مكتب ماهر الأسد
ولي العهد ينشر مقطع فيديو خلال زيارته لدولة الكويت
إجراءات قانونية ضد شركات رفعت أسعار بطاقات الشحن
نبات قديم يعزز نمو الشعر ويمنع تساقطه
مهم من التعليم العالي بشأن المنح والقروض الطلابية
فصل الكهرباء عن مناطق واسعة بالمملكة الأسبوع القادم .. تفاصيل
إغلاق طريق عمان-جرش-إربد بمنطقة مثلث كفر خل 8 ساعات
مدعوون لإجراء المقابلات لغاية التعيين .. أسماء
تفاصيل الحالة الجوية بالتزامن مع دخول مربعانية الشتاء