إعلان نتنياهو عن النصر -المنقوص- في غزة لماذا الأن

mainThumb

24-06-2024 01:00 PM

يحاول الطرف الإسرائيلي في حرب الإبادة على غزة الادعاء بأن حرب غزة ستنتهي قريباً، لمجرد الإعلان بانتصار جيش الاحتلال الإسرائيلي على المقاومة (حماس)، دون أن يعترف الخصم بذلك من خلال عملياته المركبة الناجحة ضده في عموم قطاع غزة وتكبيده خسائر طائلة في المعدات والأرواح.
إذن لماذا هذا الاستعجال في القطاف ما دامت الثمرة غير ناضجة وعصية على القضم!
بالتأكيد أن غاية نتنياهو من ذلك، هو خلط الأوراق الداخلية والإقليمية لصالح مستقبله السياسي، رغم أنه لم يحقق في حرب غزة أيّاً من أهدافه المعلنة منذ السابع من أكتوبر على نحو:
اجتثاث حماس من جذورها، وتحرير الأسرى "الرهائن"، وتهجير سكان القطاع إلى سيناء، وإسقاط المقاومة في العقل الإنساني من باب اتهامها بالإرهاب؛ لا بل أن الحصاد جاء خلاف ذلك تماماً.
إذ لم يتحقق في هذه الحرب القذرة والمدانة من قبل محكمة العدل الدولية، ومجلس الأمن، ومحكمة الجنايات الدولية وشعوب العالم قاطبة ومعظم الدول في عالم تعددت مكاييله، سوى تدمير القطاع على رؤوس أهله، في حرب إبادة تسببت وفقاً للتقرير الإحصائي الصادر عن وزارة الصحة في غزة،بعدد إجمالي للقتلى وصل إلى 35,233 شخصاً، بينما بلغ عدد الجرحى والمصابين منذ السابع من أكتوبر 79,141 مصاباً أصيب معظمهم بإعاقات جسدية ونفسية.
أما بقية الأهداف فإنها ظلت عصية على جيش الاحتلال الذي تورط في مستنقع غزة دون وجود أهداف إستراتيجية واضحة المعالم، بل تقوم على الارتجال التكتيكي في الميدان والمناورات السياسية في الكابينت، باعتراف جنرالاته وقادته السياسيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الأسبق يهودا باراك وقائد المعارضة يائير لبيد وغيرهما.
وهو ما قيل أيضاً بأنه من أسباب استقالة رئيس هيئة الأركان العامة جانست الذي شكك بنوايا نتنياهو المختطف من قبل أجندة اليمين المتطرف غير المرنة في الكابينت،
ولأسباب أخرى- أيضاً- لها علاقة بفشل نتنياهو في تحرير الأسرى "الرهائن" وعدم تبني رؤية حانيست في ذلك، والتي تتقبل الوصول إلى حل مع حماس في هذا الملف الشائك، دون منح الأخيرة فرصة العودة إلى حكم القطاع، مع توفير بديل للحكم بالتنسيق مع الدول العربية، وضمان تجريد غزة من السلاح، ومن ثم تعزيز التطبيع مع الدول العربية قاطبة وعلى رأسها السعودية -التي تتعرض لضغوطات أمريكية في هذا الاتجاه- ، وتوسيع نطاق الخدمة بالجيش ليشمل المتدينين، ثم إعادة سكان الشمال إلى منازلهم -عن طريق المفاوضات أو الحسم العسكري مهما كانت تبعاته- وهذا ما لا يتوافق مع رؤية نتنياهو الضيقة، ما أدى إلى أزمة خانقة في المشهد السياسي والعسكري الإسرائيلي.
ويقدر كثيرٌ من الخبراء العسكريبن عبر الفضائيات بأن ما سيعلن عنه الاحتلال من نصر إسرائيلي يعقبه وقف للعمليات في غزة، مجرد "نصر مزعوم ومنقوص وإعلان من طرف واحد"، إذْ لا توجد له محددات على الأرض، وإنما يحتاج إليه نتنياهو لتحقيق أهداف أخرى يختلط فيها الشخصي بالاستراتيجي.
وهذا يقودنا إلى نتيجة منطقية فحواها، في أنه لو أُدْرِجَ "التحريض الإسرائيلي المستمر" على محور المقاومة في سياقه الاستراتيجي، سيفسر ذلك تداعيات ما يحدث في الجبهة الشمالية وفق رؤية استراتيجة تبناها نتنياهو من خلال الدعوات الإسرائيلية المتكررة للمشاركة في ضرب المفاعل النووي الإيراني منذ تشكيل نتنياهو لحكومته الأولى عام 2009 ،إلى أن باتت الفرصة متاحة الآن لتنفيذ هذه الأجندة القذرة، من خلال إشعال الجبهة الشمالية والهجوم على حزب الله في حرب شاملة سيكون من شأنها أن تحقق أهداف نتنياهو على المدى القريب دون تقدير للتبعات الداخلية والخارجية على المدى البعيد.
فعلى صعيد معنوي ستتورط أمريكا والعالم الغربي في حرب تختلط فيها كل الأوراق وقد تحقق لنتنياهو مكاسب شخصية تساعده على الاستمرار في الحكم وفق ما يبتغيه اليمين المتطرف؛ إلا أن كيان الاحتلال الإسرائيلي سيدفع فاتورة باهظة على كافة الأصعدة، وسيخسر الحرب بالنقاط.
فرغم ما ستحدثه الحرب المتوقعة من مصائب على لبنان إلا أن "إسرائيل" لن تقضي على حزب الله كونه -مثل حماس- يمثل فكرة عصية على الوأد والتلاشي في عقول الناس.
وذلك بالقياس إلى ما أحدثته حرب غزة من نتائج مأساوية طالت السردية الإسرائيلية على صعيد عالمي، وتركت أثرها الكارثي على البنية الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية في "إسرائيل"؛ إلا أن الهدف الرئيس من إشعالها لم يتحقق وأصبح بعيد المنال.
ووفق تقديرات خبراء عبر الفضائيات فإن توريط أمريكا في الحرب سيزيد من عزلة "إسرائيل" وسيضرب العمق الإسرائيلي في مقتل، كون بنك الأهداف الإسرائيلية لدى حزب الله مفصلية، وضربها في العمق الإسرائيلي ممكن؛ لتوفر الصواريخ الدقيقة والمسيرات ذات التقنيات العالية مثل "الهدهد" لدى حزب الله، ما سيتهدد أهم مقومات التنمية في "إسرائيل" وقد يؤدي ذلك إلى شللها لعقود. وهذا لا ينفي بأن مصير لبنان سيكون أشد قسوة لامتلاك جيش الاحتلال طائرات متفوقة مثل ف 35.
ولحرف البوصلة، سيبحث نتنياهو عن عنوان مستقل لحرب الجبهة الشمالية مع حزب الله، يقوم على شعار "الدفاع عن النفس والإقليم ضد العدوان الإيراني من خلال مواجهة وكلائه في المنطقة، ومحاولة عزل حزب الله في سياقها عن شعار : دعم غزة والضغط على كيان الاحتلال الإسرائيلي لإيقاف حرب الإبادة ضد أهلها.
وبذلك يحقق نتنياهو هدفة الاستراتيجي من خلال إشعال حرب إقليمية ما لبث يحلم بها، وبالتالي يتحرر من عزلته الدولية، وسيطوي بذلك ملف الأسرى الذي كما يبدو لا يعيره الاهتمام اللازم، عبر مفاوضات هامشية بضغط عربي أشد وطأة كون الحرب التي يسعى إليها ستتخذ بعداً إقليمياً وسيحظى من خلالها -لو توسعت- بدعم عربي ودولي، لأن إيران ستكون الخصم فيها.. وحينها سينهي نتنياهي الصراع الداخلي بورقة الجوكر في لعبة مقامرة لا تأخذ بالحسبان مصائر الشعوب المنكوبة بأمثاله من المخابيل.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد