ازاحة شرق الفرات والتمدد نحو الجنوب

mainThumb

24-06-2024 03:25 AM

لا يهمّه حجم الإصابات من كان خارج الحلبة ، هكذا هو حال الولايات المتحدة الأمريكية في تعاملها مع الملف السوري ؛ بالذات فيما يتعلق بدعمها للأكراد في شرق الفرات " قسد و مسد " التي رأت فيها عاملا تقسيميا عرقيا كفكرة أكثر فاعلية في التأثير بشقّ الصفّ من فكرة الاعتماد على توليف الديانات أو الطوائف ؛ باعتبار أنّ الناس توحّدهم الأعراق وإن اختلفت بهم الديانات .
يُثير مشهد دعم الولايات المتحدة للاكراد في سوريا مسألة فيها الكثير من التشابك والكبير من الحيرة ؛ وهي : أنّ الدعم المقدّم من الولايات المتحدة يفترض أن هذه الوحدات تتمتع بقوّة لا يستهان بها ، تمنحها هذه القوّة قدرة على بناء دولة وفقا لما يحلم به الأكراد ؛ وإن تخفّى مطلبهم بمطلب الحكم الذاتي أو الفيدرالية مع حكومة المركز ؛ وهو الأمر الذي تسير على سكّته هذه القوة ؛ على اعتبار أنّ الحديث عن الانفصال سيّما مع شراكة العشائر لا يناسب المرحلة ولا الاشخاص المخاطبين بهمّها .
لم يات هذا الاستغراب من طبيعة شكل الدعم المقدّم من الولايات المتّحدة فقط ؛ بل من طبيعة تعامل الولايات المتّحدة مع هذا الدعم أيضا ؛ سيّما إزاء مشاهد أحداث مريبة ، نذكر منها : مقتل أحد أهمّ القادة العسكريين لقوات قسد بعد لحظات من خروجه من قاعدة أمريكيّة عقب اجتماع حضره مع رفاقه ؛ وقد وجهت أصابع الاتهام إلى تنظيم الدولة " داعش " بزرع عبوة ناسفة في السيارة التي كانت تقلّ هذا القائد مع رفاقه . السؤال : متى وأين تم زرع هذه العبوة بما أنّ هذا القائد ورفاقه كانوا في اجتماع داخل قاعدة أمريكيّة ؟
على صعيد متّصل ؛ يبدو أنّ مشاركة تركيا في عضوية حلف الناتو مع الولايات المتحدة دفعت الأخيرة نحو استخدام هذه الأداة - أي قسد - كنابض ضغط تستخدمه الولايات المتحدة ضد تركيا التي تصنّف هذه الأداة كمنظّمة إرهابية وامتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي تلاحقه تركيا منذ سنوات ؛ سيّما مع عزم تركيا عدّة مرّات توجيه ضربة قاضية لهذا المكوّن ؛ غير أنّ الظروف كانت تحول دون ذلك .
في ذات السياق : هناك مخاوف لدى بعض الجهات المعارضة للنظام السوري بفعل التقارب التركي السوري مع النظام ؛ امتدّ هذا الخوف إلى الإدارة الذاتية في شرق الفرات ممثلة ب " قسد و مسد " ، أمام هذا الخوف ؛ بدأت هذه الإدارة منذ مدّة - ليست بالقليلة على ما يبدو - بالتواصل غير المعلن مع النظام ، لقد بدأت إزاء ذلك لغتهم الجافّة بالترطيب وقبول شيء من التنازلات ؛ وإن بصورة غير مباشرة ؛ حيث تقرّ بضرورة التنسيق مع حكومة المركز مقابل منحها ادارة الملف العسكري والأمني ، وهي تقرأ في ذات الوقت اشتباكها مع العشائر المدعومة من ايران والنظام.
يبدو أنّ دخول ايران هذا الملعب أيضا قد شكّل قلقا لجميع الأطراف ، لدى النظام السوري ذاته اعتبارات عدّة ليس مكان الحديث عنها هنا ، على أيّة حال : مؤخرا ؛ تسربت معلومات حول تسليح إيران لحزب العمال الكردستاني في العراق الذي يشكّل دعامة ومساحة هامّة من قوّات سوريا الديمقراطية ؛ اثارت قلقا تركياً دفع الى اعلان تركيا مؤخّراً : أنّها لن تسمح بقيام دولة إرهابية على حدودها .
إنّنا إذ نشاهد بعين المدقق الذي يرى الأمور بعيداً عن حوافّها ؛ في مواضع تُجاوز حدودها ؛ باعتبار أن السياسة ليست معادلة رياضية بقدر ما هي لعبة في التأرجح بين ما ينفع وما يضرّ . لنقرّر أن جميع هذه الأطراف السابق ذكرها وهي تسيير في مسار هذا التحرك الدائري الذي لا بداية له ولا نهاية ؛ إنّما حقيقة أمرها أنّها تتهرّب من مسؤوليتها تجاه ما تعلن القيام به علنا في حين أنّها لا تنوي فعله سرّا ، فلا الولايات المتحدة تريد تحمّل أعباء مسؤولية قوّة تنشيء لها دولة ، وبالتالي عليها أن تتحمّل في مواجهة باقي الدول ومنها الحليفة - سواء في الناتو أو في غيره - مسؤولية عداء ناشئة من دعمها لهذه الدولة الوليدة التي أنشاتها على مسؤوليتها .
تركيا أيضا لا تريد تحمّل وزر الدخول في عملية عسكرية لن تُحمد عقباها ، عمليتها هذه ان تمت ؛ لن تسير على بساط أحمر أو عشب أخضر ؛ بل على خطر تولّد مجموعات مسلّحة - قد تكون إرهابية – أخرى ؛ تهدّد حدود تركيا حيث لا تقتصر مخاطر تواجد هذه المجموعات فيها على الأكراد أو حزب العمال الكردستاني ؛ ناهيك عن احتمال تشرذم القوة التي تم تجميعها - بشق الأنفس - على مدار سنوات الثورة في سوريا ، وانقسام هذه الشراكة إلى مشاريع خاصّة بمن يسيطر عليها ، حينها تكون تركيا قد زاوجت بين أعدائها وانجبت أعداء جدد وآتت العمليّة سمّها بدلا من أكلها.
لهذا ؛ اختارت طريقة التلميح بإمكانية التفاهم مع النظام السوري وهي غير جادّة في ذلك ؛ يبادلها النظام السوري ذات الشعور أيضا ؛ غير أن هذه الأطراف تلوّح بإمكانية التفاهم مع بعضها لأجل تخويف ما يمكن تخويفه ، والإستفادة من المكاسب المتحققة بفعل تدوير هذه الألاعيب التي لن تفعل إلّا مزيد من التعقيد ؛ كما فعلت قبل ذلك .
بيت القصيد في كل ذلك أن قوّات سوريا الديمقراطية لم تفلح في إنشاء دولة أو حتى إدارة ذاتية معترف بها ، اقتصر دورها على قوة حماية او مشروع تنفيذ ، هذا الأمر يعني بأنّها تنتهي أمام رفع يد الولايات المتحدة عنها ؛ بخاصّة مع التخلي عنها حين تشتبك مع العشائر وتركها وحيدة في مواجهة خطر التهديدات التركية ؛ بالرغم من مطالب قوات سوريا الديمقراطية بدعم أمريكي بخاصّة سلاح للجو ، مع ذلك لم تجد من أمريكا ما يتحرك بهذا الاتجاه ، منطقيّة النتائج تقضي بأنّ قوّات سوريا الديمقراطية لن تبقى على حالها ، تعداد مقاتليها الضخم مع إضافة آلاف مقاتلي تنظيم الدولة " داعش " المحتجزين لدى " قسد " يعنى تحولها الى تكتّل آخر جديد إن لم يكن أكثر من ذلك.
رحلة الهروب من المسؤولية هذه تحتم صيرورة مخاض سينجب مولودا هجينا جديدا - على غير المتوقع- إن لم يكن غريبا ، سيّما مع التجارب السابقة التي اعتمدت فيها الولايات المتحدة على قوى يؤلفّها التقارب المذهبي - لا نودّ تسميتها الآن - أودت في نهاية المطاف إلى تقسيمها على غير هوى مؤلفيها ؛ حين استحكمت أرضها وثبّتت سيطرتها ، أضف الى ذلك : محاولة النظام السوري سحب البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة و الأكراد معاً دون دفع أيّة تكاليف ؛ بتهديدهم بالاقتراب من تركيا ومحاولة التفاهم معها ، في ذات الوقت الذي يهدد فيه النظام في سوريا تركيا بفتح باب التفاهمات مع الأكراد.
أمام رغبة الولايات المتحدة بالحفاظ على عدم تفوّق الأكراد وتركيز دورهم بإبرة الوخز من أجل التحكّم وإطلاق الفوضى ونسبة العداء لهم مقابل نسبة القضاء على الارهاب لها ، وأمام انعدام رغبة الأطراف جميعها أو بالأصح عدم قدرة أيّ منها على الحسم ، وترك الساحة مفتوحة على آمال ما ستأتي به الظروف ؛ أستذكر المثل الشعبي " مبروم على مبروم "



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد