الإدارة بالازمات .. إشغال الرأي العام

mainThumb

22-06-2024 08:08 PM

يجد المهتم بالشأن العام وحتى غير المتابع بأنه ومنذ فترة ليست بالقصيرة، وعبر سنوات طويلة وحكومات متعاقبة، قد أخذت تلك الحكومات على عاتقها افتعال أزمات معينة تهدف إلى أشغال الرأي العام الاردني بموضوعات بسيطة وهامشية وليست ذات جدوى لصرف نظره عن القضايا الجوهرية والأكثر أهمية من تلك التي يتم تسليط الضوء عليها بين الفينة والأخرى التي تهم المواطنين كالبطالة والنمو الاقتصادي والحريات العامة وغيرها، لتشتيت إهتمامات المواطنيين ومؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات أو أية تنظيمات أخرى تشكل قوى ضغط على الحكومة، وذلك بهدف أشغال الرأي العام لتمرير بعض الموضوعات والقضايا بأقل قدر من المعارضة على الرغم من أهميتها وخطورتها البالغة والتي تمس حياة المواطنيين أو الوطن بأكمله.
وعادة ما تواجه الحكومات والمؤسسات العامة والخاصة تحديات كبيرة وكثيرة تؤثر في مسيرتها وتعيق عملها وتضعف أدائها وتتسبب لها في بعض المشكلات والأزمات الكبرى التي تسبب تباطؤ النمو وصعوبة في تحقيق أهدافها. وفي معظم الأحيان تصبح معالجة تلك التحديات والأزمات صعبة وتحتاج إلى وقت طويل لحلها. وبحكم أن طبيعة الأزمات تتصف بالتعقيد والتشابك وتتداخل مع مختلف جوانب الحياة ومتطلبات المواطنيين، فإنه ليس من السهل حلها ومعالجتها بسرعة، بل تتطلب وقت طويل للمعالجة وإيجاد الحلول التي تتناسب ومعظم احتياجات المواطنيين.
من هذه المنطلقات تلجأ الحكومات والمؤسسات باستمرار إلى مواجهة تلك التحديات وتخطي هذه المشكلات والأزمات باتباع طرق وأساليب مختلفة، وتتخذ أدوات وآليات متعددة لمعالجة مشكلاتها بطرق إبداعية وأساليب مبتكرة بأقل قدر من الخسائر وبأدنى مستوى من المواجهة والمقاومة من مواطنيها.
وتقوم هذه الآلية على منهجية الإدارة بالأزمات، وهي اختلاق أزمة ما وتطويعها لتكون تحت سيطرة الحكومة تشغل بها الرأي العام وتقوم بتوجيه البوصلة نحو ما تريده وإلى الجهة التي ترغبها لصرف انتباه المواطنيين عن الأزمة الحقيقة والقضايا المهمة ذات البعد الوطني والشعبي التي تمس حياة المواطنيين إلى موضوعات قلما نستطيع القول عنها أنها جانبية. وهذة الطريقة تتيح المجال والوقت للحكومة لمعالجة مشكلاتها الصعبة والمعقدة التي يستحيل حلها أو تخطيها بشكل سريع في الوقت الحاضر.
والإدارة بالازمات هي عملية خلق وتوليد أزمة أو أزمات معينة وافتعالها بهدف ابعاد الانظار عن المشكلات الحالية القائمة وتوجيه الانتباه الى قضايا اخرى بعيدة عن المشكلات الحقيقية التي تواجه الحكومة من أجل تحقيق أهداف ومصالح معينة من خلال تحريك أطراف الأزمة بما يخدم الأهداف الإستراتيجية وتلك المصالح، وبذلك تبيع الوهم للمواطنيين بأن هذه الأزمة أهم ما تقوم به الحكومة في الوقت الحاضر. فالازمة ظاهرة اجتماعية معقدة في بنيتها وتركيبها وفي العوامل الدافعة لها، لذا فأنه من الصعب على المواطن البسيط اكتشاف تلك الألية واللعبة الذكية بسهولة. وتمارس تلك الآلية لأغراض أخفاء الأهداف الحقيقة أو تغطية الفشل في إدارة ملفات الدولة أو جني المكاسب.
وقد يكون ذلك محض صدفة غير مخطط له، أو أن بعض الأجهزة والمؤسسات العامة في الدولة هي من تقوم بذلك من خلال قنوات وأدوات مختلفة تمتلكها وتستطيع التحرك بحرية ودونما ظهور مباشر، أو من خلال التخطيط لذلك وتوجيه المؤسسات الإعلامية لتقوم بهذا الدور بشكل غير مباشر لتأخذ صدى اعلامي أو كما يقال في عالم وسائل التواصل الاجتماعي تصبح (ترند). وفي ذات الوقت يخرج علينا البعض بتحليلات وتقارير لإشغال الرأي العام عن الموضوعات ذات الحساسية، أو استضافة بعض الشخصيات للحديث حول موضوعات قلما يقال عنها أنها بسيطة ولا تحتاج إلى هذا الصدى الاعلامي ولا تؤثر في حياة الموطنيين، بل تسعى إلى تضخيمها بشكل يصبح حديث الناس في الشارع متناسين الموضوعات الأكثر أهمية، وبذلك تنجح في صرف نظر المواطنين وتنفذ هي ما تريده.
وللوهلة الأولى قد لا يبدو للمواطنيين بأن الحكومة تتقصد افتعال الأزمات وإثارة الشائعات، وفي الحقيقة هي تهدف إلى جس نبض الشارع وتشتيت اهتمام المواطنيين عن القضايا الأساسية وأنها تتعمد إشغال الرأي العام من أجل تمرير بعض القضايا التي من المتوقع أن تواجه مقاومة ومعارضة كبيرة من قبل المواطنيين فتلجأ إلى افتعال أزمة أو أزمات ما لصرف نظر المواطنين وجماعات الضغط نحو قضايا أقل أهمية في حين تحقق هي ما تصبو إليه في جوانب أخرى، لا بل تسعى لاقناع الرأي العام بأنها تعمل أجل الصالح العام.
فإلادارة بالازمات لعبة ومهارة فنية كبيرة تجيدها الحكومة باحتراف، وتستطيع بها تغيير مفاهيم الوعي والادراك للمواطنيين، ويقوم بهذا الدور بعض مؤسسات الدولة ذات الخبرة وتضع كل الامكانيات والمهارات وانماط الادارة السائدة لتحقيق ما تصبو إليه، خاصة وأن الحكومات والمؤسسات لديها الكثير من الأدوات التي تمتلكها وتستيطع من خلالها تنفيذ مخططاتها كالأدوات الاعلامية من إذاعة وتلفزيون وصحف ورقة وإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وغيرها من الأدوات التي تشكل مع بعضها البعض حلقات متكاملة تحكم سيطرتها على هذه العملية لاقناع المواطنيين بأنها تسير بالاتجاه الصحيح وبخطى ثابتة نحو معالجلة مشكلات المواطنيين وتلبية متطلباتهم، وهي في الحقيقة تبتعد كل البعد عن ذلك. لهذا تقوم الحكومات بتكرار هذه الآلية كلما دعت الحاجة إلى ذلك،
والمتابع للقنوات الاعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي يجد بأن موضوعات كموضوع الكلاب الضالة أو تغيير الساعة واعتماد التوقيت الصيفي على مدار العام وغيرها من الموضوعات قد أخذت صدى إعلامي كبير على الرغم من ضعف أثرها على المجتمع، بينما تم صرف النظر عن موضوعات أخرى ذات أثر بالغ في حياة المجتمع كارتفاع اسعار المشتقات النفطية وارتفاع نسب البطالة وضعف النمو الاقتصادي ومسألة الحريات وضعف الأداء الحكومي، ومؤخراً توجيه المواطنيين نحو موضوع مواصفات السيارات الكهربائية وغيرها من الموضوعات ذات الأثر البالغ على المجتمع.
وهذا الموضوع ليس جديداً ولكنه يأخذ حلة جديدة بين فترة وأخرى، ويعتمد على مدى قدرة الحكومة على توجيه الدفه نحو تحقيق أهدافها ومصالحها والتحكم بمسيرتها حسبما تريد لابعاد المهتمين من المواطنيين ومؤسسات المجتمع المدني عن الموضوعات الأساسية وذات الحساسية. وتعتبر هذه الطريقة إحدى الأدوات المهمة والعبقرية التي تتخذها الحكومات على اختلاف أنواعها في معالجة الأزمات الحكومية ويصعب على البسطاء إداركها.







تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد