تجميع قوة حزب الله من أجل تفتيتها

mainThumb

19-06-2024 07:34 PM

وسط تصاعد الحديث عن تصعيد كبير على الجبهة الشمالية لإسرائيل في مواجهة جنوب لبنان ؛ الذي شكل طوال فترة الاشهر الماضية عاملا لقلق وركيزة لشتات إسرائيل قبل أن يشكل يدا ضاربة لقوتها العسكرية وقدرتها الاستخبارية ؛ بالرغم من الضربات المنتقاة والموجعة التي سددتها اسرائيل نحو حزب الله ومن اصطف بصفه .
قلق إسرائيل هذا : يمنعها من استخدام جرأتها التي تتجرأ بها على حماس ضد حزب الله ، اذ لا مجال للقياس بين هذين الوزنين ، حزب الله الذي يقوم بمهام الدولة التي لا تستطيع تأدية مهامها ؛ سواء رضي أعضاء سلطتها ام لم يرضوا ، الحقيقة هذه : التي لا يريد الاعتراف بها من ليس على وفاق معه لأسباب عدّة ؛ وإن كان ثمن إنكاره هذا الدور تهديد وجوده هو ذاته ، لسان حاله : أموت ان كان هذا ثمن موت خصمي لكن ليس من أجل كرامتي بل من أجل دوري .
اختارت إسرائيل أمام هذه الحقيقة اسلوب تفتيت قوة حزب الله ، هذا التفتيت ليس كما يتبادر إلى الذهن ، بمعنى أنّها ستتمكّن من سلب حزب الله سلاحه ، بغض النظر عن الطريقة ، سواء بطريقه الهجوم عليه او بطريقه تسليم سلاحه إلى الدولة وانضمامه كحزب سياسي يعمل في السياسة فقط ضمن تشكيله الأحزاب الحاكمه في دولته .
المشهد الحاضر أمامي من مكان وقوفي على تلّة الحياد وتحديقي في سهول التنوع التي لا يهمها أي طرف ولا يعنيها بطبيعة الحال سواء الدفاع عنه أو الهجوم عليه ؛ إنّما وضوح الصورة لنا يقضي بأنّ إسرائيل اختارت مشاغلة حزب الله ، ليس فقط من أجل جنوب لبنان والقضاء على التهديد بالهجوم في أيّة لحظة لها ولمستوطناتها المحاذية ؛ بل من أجل تمدّد حزب الله ومشاركته في سوريا ؛ بالذات في المناطق المتاخمة لحدود الجولان والحدود الاردنية .
علينا أن نقرّ بأنّ الهجوم المشيطن لنشاط حزب الله ليس إسرائيليا فقط ، بل هناك جهات عدّة داخلية لبنانية و اقليميه ليست بالبسيطة . داخليا : يتعرض حزب الله إلى هجوم يتهم من خلاله بجرّ لبنان إلى حرب لا مصلحه للبنان فيها ، والدولة في لبنان تنقاد قسرا تحت سطوه حزب الله ؛ في حين أن هناك من القوى والأحزاب الحاكمه في لبنان كانت قد أدّت دورا كبيرا في تدهور الأوضاع فيه ، نحن لا نعتقد أنّ وجود هذه الاحزاب بمعزل عن حزب الله كان سيحمي لبنان أو على الاقل سيحافظ على الوضع المقبول نوعا ما ؛ مقارنه بما سبق .
لا شك أنّ هناك من له مصلحة ؛ فاذا ابتعدنا على الداخل اللبناني والصراع الحزبي على الحكم الذي يدفع باقي الأحزاب لمهاجمة حزب الله ؛ مستعينين بتموضعه في الجنوب بحجة أنّه يسير بالبلاد إلى الهاوية ، هناك - بالاضافة إلى الى هؤلاء - مجموعة ممن لهم مصلحه في تشويه صورة حزب الله ؛ بغض النظر عن تبعيتهم ؛ وإن وحّدها جميعا معارضة النظام السوري ، ليس مقصوداً حزب الله لذاته بقدر ما هو مقصود الدعم الايراني للنظام السوري ؛ أحد صور الدعم هذا هو : دعم حزب الله المدعوم أيضا من ايران .
إزاء هذه الحقيقة لمسنا أنّ أطول الألسن التي طالت حزب الله بالهجوم ، وسّخفت من قدرة هجوم إيران على إسرائيل بطريقة لم تفعلها اسرائيل ذاتها ، وصلت إلى حد اعتباره استعراضا للألعاب النارية ، هم: المعارضون للنظام السوري الذين اعتدنا منهم إلقاء الكلام جزافا ، ربما ليس فقط لأنه شارك في مناهضة ثورتهم ؛ وإنّما لمجرد أنّهم تاهوا في طريق رحلتهم للوصول إلى الحكم ؛ فتجدهم يتذرّعون في كل فشل يواجهونه بسطوة إيران وسطوة حزب الله وغيرها من عناصر القوات المشاركة في دعم النظام السوري.
لقد اختارت اسرائيل من بين ما اختارت - على غير عادتها – أسلوب التلاعب ، فهي حينا تدفع بصورة غير مباشرة باتجاه الحوار مع حزب الله ، عدّتها في ذلك : تطبيق القرار 1701 وتشيع بين الفينة والأخرى أنّ هناك تفاهما وشيكا ، وأنّ مفاجآت ستحدث في هذا الشأن على غير ما يتوقع الكثير ، وتارة أخرى تهدّد بارتفاع وتيرة التصعيد ؛ وأنّ هدفا تاليا لغزّة سيكون محلّه لبنان كاملا وليس جنوبه فقط ؛ باعتبار امتداد حزب الله على مساحه ليست بالقليلة في لبنان ، لعلّ في هذا ما يثير حفيظة باقي القوى اللبنانية من جهة ، من جهة اخرى يسمح بالقول ان اسرائيل تنحى في هذا السلوك – على غير طبعها كما سبق - منحى الادارة الأمريكية عموما حين تعاملها مع الشرق وادارة الرئيس الامريكي بايدن خصوصا التي تختلف عن طريقة ادارة الرئيس السابق ترامب ؛ الذي يتعامل مع الحكم تعامله مع الصفقة : افضل صفقة باقل وقت هذا معيار رجل الاعمال الناجح ، وهو ما تعتمده اسرائيل أساسا لسياستها.
من جهة أخرى : تضع اسرائيل أمام قدمي حزب الله عراقيل الإصطدام مع القوى الأخرى من خلال عرقلة إتمام ملف رئاسة الجمهورية وتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية بطريقة غير مباشرة ؛ من خلال الضغط أو الاستفادة من الضغط الذي يمارس من قبل جهات خارجيه مؤثرة في الساحه اللبنانية بحيث تجتمع كل عوامل التعطيل والعرقلة في حزب الله من أجل احراج موقفه أمام الداخل الذي لا يأبه بأكثر التنازلات قسوة حين تلمع في عينه محاسن مصلحته كما حدث سابقا ، ومحاولة خلق ثورة داخلية ضدّه ؛ وإن كانت بالاستعانة ببعض المسلحين من النازحين ، هذا بحسب تصريحات بعض الساسة اللبنانيين .
فكرة التفتيت هذه التي تعتمد في واحد من أجزائها على اجبار حزب الله على سحب قواته من حدود الجنوب السوري لمواجهة تهديد اسرائيل للجنوب اللبناني ستؤتي نتيجة معاكسة ؛ باعتبار أنّ الجنوب السوري – وفقا لما نرى - سيشهد تغييرا سياسيا ، وسيخلق وضعا جديدا لا ينتمي إلى أيّ من الأوضاع القائمة فيه ، سواء تلك القائمة على حكومة النظام أو المعارضة القائمة على أساس ثورة أو على أساس تحرك شعبي أجبره تهالك الثورة ، هذا التغيير نعتمد في تقريره على تغيّر خارطة العلاقات السياسية بين النظام السوري والمحيط من جهة ، وبين النظام السوري والتحالف الذي يتمحور حوله من جهة أخرى . نرجيء موضوع الجنوب السوري إلى حديث خاص.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد